هل يتجه الرئيس التونسي نحو اعتماد نظام الحكم القاعدي؟

بعد إعلان الرئاسة التونسية عن قرب تنظيم استفتاء وطني لمساءلة الشعب على الإصلاحات السياسية، تصاعدت التساؤلات في تونس بشأن طبيعة النظام السياسي المرتقب وحول جدية الرئيس في اعتماد نظام الحكم القاعدي.
Sputnik
ورغم أن الرئيس التونسي قيس سعيد لم يتحدث سابقا عن هذا النظام منذ صعوده إلى سدة الحكم في 23 تشرين الأول 2019 واكتفى بالإشارة إليه في حواراته الإعلامية إبان حملته الانتخابية، إلا أن الشخصيات المقربة منه وأعضاء في حملته التفسيرية أكدوا توجهه إلى اعتماد هذا النوع من النظام، الذي يقوم على فكرة "الهرم المقلوب"، ويجعل منطلق العملية الانتخابية من المجالس المحلية، مرورا إلى المجالس الجهوية، والوصول إلى أسفل هرم السلطة وهو البرلمان أو "المجلس الوطني الشعبي".
وحذرت أطراف أخرى من مغبة المغامرة باعتماد نموذج غير واضح قد يؤدي إلى نتائج عكسية أكثر سلبية من تلك التي أفضى إليها النظام البرلماني المعدّل، في ظل مساندة مجموعة من المواطنين والشخصيات الحزبية هذا الخيار على اعتبار أنه سيمنح السلطة المباشرة للشعب، الذي سيكون ممثلا بمختلف أطيافه.
وانتقد آخرون مسألة تشكيل لجنة تشرف عليها رئاسة الجمهورية وتتولى تأليف مقترحات الإصلاحات السياسية المرتقبة وعرضها على الاستفتاء الشعبي عن طريق المنصات الرقمية.
النظام الأمثل لتونس

في تصريح لـ "سبوتنيك"، عبّر المتحدث باسم حزب "إرادة الشعب"، كريم بن عمار، عن ارتياحه من إعلان رئيس الجمهورية عن تغيير نظام الحكم الحالي الذي أنتج عشرية من الفوضى والفساد واحتكار السلطة، وفقا له.

ويرى ابن عمار أن النظام الحالي "أثبت فشله في قيادة الشأن العام وجعل الدولة على شفى التفكك وأفرز نخبة سياسية فاشلة ضمّت الطماعين واللصوص والمهربين والهواة والانتهازيين ومحترفي تبييض الأموال والمتاجرين بالدين"، معتبرا أنه ليس من المنطقي المحافظة على نفس النظام وانتظار نتائج مختلفة.
الرئيس التونسي: تطهير البلاد يقتضي أن يكون الجميع على قدم المساواة
ويعتقد ابن عمار أن البناء القاعدي هو النظام الأمثل لتونس، قائلا "هذا المشروع ليس مغامرة أو خلعا لأبواب مفتوحة وليس فقط نظام حكم، وإنما هو مشروع له أسس اقتصادية واجتماعية"، مشيرا إلى أن هذا النظام سيحوّل العملية الانتخابية من القائمات الحزبية إلى الأشخاص، وأنه من غير المعقول أن يكتشف الناخب الشخص الذي انتخبه بعد صدور النتائج".
وشدد ابن عمار على أن الهدف الأساسي من اعتماد النظام القاعدي هو افراز طبقة سياسية وطنية نظيفة تخدم البلاد، وقطع الطريق أمام تسلل بعض الأشخاص الذين استخدموا السلطة من أجل مصالح ضيقة.
ونفى ابن عمار أن يكون النظام القاعدي شبيها بنظام اللجان الشعبية المعتمد في ليبيا زمن القذافي، مشيرا إلى أن المجالس المحلية هي التي ستقترح الحلول بينما ستتولى السلطة المركزية اتخاذ القرارات. وأكد بن عمار أن مشروع البناء القاعدي لم تصل بعد إلى النسخة النهائية التي قال إنها ستكون قابلة للنقاش والتطوير.
وأضاف أن رئيس الجمهورية لم يفرض أي نظام للحكم على التونسيين، مشددا على أن تغيير النظام الحالي لم يكن رغبة شخصية من الرئيس وإنما استجابة منه لمطالب الشعب الذي خرج مرات عدة مناديا بحل البرلمان وتطهير البلاد من الفساد وتخليصه من إرث عشر سنوات من التدهور.
فكرة طوباوية
على الجانب الآخر، قال القيادي في حزب التيار الديمقراطي وعضو مبادرة "اللقاء الوطني للإنقاذ"، لسعد الحجلاوي، لـ "سبوتنيك"، إن فكرة النظام القاعدي ما تزال هولامية وغير واضحة، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية اكتفى بتقديم إشارات حولها وليس أفكار.
وعلى عكس من يعتبر أن النظام القاعدي سيعطي تمثيلية أكبر للشعب وسيغلق الباب أمام الفاسدين، يرى الحجلاوي أن هذا النظام سيفضي إلى العكس من ذلك تماما وسيفسح المجال أمام الوجهاء وأصحاب المال ليكونوا ممثلين للشعب.
وأوضح "أثبتت التجربة، أن من يفوز في الانتخابات المحلية ليس الأكثر كفاءة وإنما الأكثر شهرة ومالا ونفوذا، وبالتالي فإن الشخص الفاسد الذي كان سيصل إلى البرلمان بـ 10 آلاف صوت سيصل إليه بألفيْ صوت فقط إذا ما اعتمدت المجالس المحلية".
ويرى الحجلاوي أن فكرة النظام القاعدي هي فكرة طوباوية ومثالية وغير قابلة للتطبيق، معتبرا أن المسار الأنسب هو تعديل القانون الانتخابي نحو مزيد تشديد شروط الترشح وجعلها أكثر صرامة وجدية، بشكل يمنع قبول أصحاب السوابق العدلية وقضايا الفساد ودخول المال الأجنبي، مع الترفيع في العتبة الانتخابية بشكل يفضي إلى تكوين برلمان غير مشتت يضم كتلا وازنة قادرة على تشكيل الحكومات وإنفاذ الإصلاحات.
عبير موسي: نقوم بالضغط من أجل ألا تقع تونس في نفق مظلم
وانتقد الحجلاوي إعلان رئيس الجمهورية عن تكوين لجنة ستعنى بتأليف الإصلاحات السياسية وكتابة دستور جديد للبلاد، متسائلا "بأحق يكتب سعيد دستورا جديدا؟ ووفقا لأي معيار تم اختيار هذه اللجنة؟ وهل أن هذه اللجنة تمثل كل أطياف الشعب التونسي؟".
واستنكر الحجلاوي تحول تونس إلى حقل تجارب، منتقدا انفراد هذه اللجنة بكتابة الدستور على مقاس مريديه، متسائلا "هل أن الشعب التونسي قادر على قراءة كل نصوص الدستور وتقديم رأيه بشأنه؟ لأن المؤكد هو أن الشعب لن يصوت لصالح أو ضد الدستور وإنما لصالح الرئيس أو ضده، وبالتالي فإن الاستفتاء سيكون على الشخص وليس على النص".
توجه غير مطروح في ذهن الرئيس
ويرى المحلل السياسي بالحسن اليحياوي في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن الموضوع الأساسي ليس مدى ملائمة هذا النظام مع خصوصية التجربة التونسية، وإنما هل أن رئيس الجمهورية ماضٍ فعلا في تطبيق هذا النظام القاعدي الذي تحدث عنه خلال حملته التفسيرية؟ وهل أن حركة 25 يوليو جاءت تحديدا من أجل إقامة هذا النظام؟
ويعتقد اليحياوي أن هذا الأمر غير مطروح في ذهن رئيس الجمهورية، وأن المسألة تتعلق فقط بما عبّر عنه في العديد من المرات في تصريحاته ولقاءاته الرسمية، وهو أن تونس في حاجة إلى اصلاح بعض الأنظمة المتعلقة بالحالة السياسية ككل بدءً بالنظام الاقتصادي وصولا إلى النظام السياسي.
وأضاف "ما يمكن الحديث عنه هو الفصل نهائيا بين النظام البرلماني والرئاسي نحو الذهاب إما إلى نظام رئاسي صرف أو رئاسي بحت، لأن النظام الخليط الذي تم اعتماده خلال العشر سنوات المنقضية سبّب حالة من الصدام بين مختلف أجزاء السلطة التنفيذية".
اتحاد الشغل التونسي: محاولة زرع الفتنة بيننا وبين الرئاسة لا معنى لها
ويرى اليحياوي أن إقامة النظام القاعدي فكرة غير مطروحة لعدة أسباب، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي متصل أساسا بطبيعة المجتمع التونسي الذي ما يزال جزء هام منه ذو طبيعة عائلية أقرب إلى القبلية، وهو يصعب تجسيد فكرة البناء القاعدي في الحكم.
وأضاف "من المبكر جدا الحديث عن تطبيق هذا النظام في تونس وأعتقد أن رئيس الجمهورية يدرك هذه الجوانب بصورة جيدة.. ربما يتوجه سعيد إلى ارساء الديمقراطية من الأطراف نحو المركز ولكن ليس بمفهوم النظام القاعدي الذي يتحدث عنه البعض".
ويرى اليحياوي أن الإصلاحات التي تحدث عنها رئيس الجمهورية تتعلق أساسا بمحاولة إصلاح بعض الهنات في كشفت عنها العشرية الأخيرة، خاصة في علاقة بتوزيع السلطات والمهام.
مناقشة