فما الذي حققته تلك الاحتجاجات وهل أثرت على السلطة الحالية التي يقودها البرهان وحمدوك بعد الاتفاق بينها نهاية الشهر الماضي، وإلى أي الطرق سوف يتجه السودان؟
بداية، يقول سكرتير العلاقات الخارجية والدبلوماسية للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية بالسودان، بكري عبد العزيز، إن "خروج أعداد كبيرة في 25 ديسمبر تحت شعار جديد يحمل "لا تفاوض مع الجيش"، يحمل أبعاد ودلالات كثيرة، أولها الرفض الواضح للحكومة التي وصفوها بـ"الانقلابية" والتي يمثل فيها الجيش عنصرا أساسيا".
المظاهرات مستمرة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "رغم انتشار الجيش والقوات الأخرى في الشوارع وإغلاق الكباري، إلا أن أعداد ضخمة استطاعت أن تصل إلى محيط القصر الجمهوري، وتعد تلك المقاومة الكبيرة رسالة في بريد السلطة الحاكمة الآن خصوصا الشق العسكري، وتوضح أيضا قوة الشارع وقدرته على تغييرالأوضاع حتى وإن تمت مواجهتهم بالقوة المفرطة كما شاهدنا".
وأوضح السياسي السوداني أن المظاهرات التي خرجت خلال ديسمبر الجاري، كانت رسالة قوية للعالم بأكمله، أن الشعب قادر على مناهضة من هم في الحكم حتى وإن كانوا مدعومين خارجيا، ورغم قيام السلطات بقطع الإنترنت إلا أن هذا لم يمنع من انتشار فيديوهات وصور توضح الانتهاكات الجسدية التي تعرض لها المتظاهرين، وهذا يدل على أن السلطة الحالية تجلس بالقوة على كرسي الحكم دون موافقة الشارع ودون حتى الاستماع إليه، وهذا الأمر سيخلق المزيد من الرفض والمقاومة.
حكومة مدنية
وأشار عبد العزيز إلى أن مقاومة الوضع الراهن "مستمرة" ولن تتراجع، والدليل على استمرار المقاومة إعلان مليونية في 30 ديسمبر الجاري، فهناك آمال كبيرة لدى الشارع والثوار في قيام حكومة مدنية في البلاد وتكون مهمة الجيش فيها حماية البلاد دون التدخل في شؤون الحكم، نظرا لما تسبب فيه بعض القادة العسكريين من تهديدات للفترة الانتقالية الأمر الذي بات يؤرق السودانيين ويجعلهم أكثر حرصا على حراسة ثورتهم لضمان الانتقال الديمقراطي وتهيئة البلاد للانتخابات التي تمنح السلطة للمدنيين.
إرباك سياسي
من جانبه، يقول المحلل السياسي السوداني، ربيع عبد العاطي: "المظاهرات عبارة عن تقليعات شبابية ولا توجد لها قيادة ولا برنامج، شباب يستغلهم اليسار ولا يعبرون عن أي نسبة يمكن تصنيفها بأنها ذات وزن سياسي، ويغلب عليها الهتاف الذي يحمل الطابع المنفلت، والسلوك الغير حضاري، من تخريب الشوارع وحرق الإطارات والعبارات التي لا تحمل مضامين واعية أو سياسية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هناك شارع آخر يمثل الغالبية في كل مدن السودان يقف متفرجا على ما يحدث من هذه القلة، أغلب المتظاهرين أطفال أو في سن المراهقة أو لم يتجاوزوها بعد، وهي ظاهرة في الخرطوم لا يمكن أن تشكل عنصرا في أي تغيير سياسي، ربما تشهد الأيام القادمة حراكا جادا و مقدرا يعيد الأمور إلى نصابها، ويحسم ما نسميه السجال والجدل وحالة الإرباك السياسي الذي تعيشه البلاد.
لا عودة للوراء
وأكد المحلل السياسي أنه لا يعتقد أن هناك رجوع لما قبل 25 أكتوبر/تشرين أول الماضي، حيث لا يوجد طرف آخر وإذا افترضنا أن هناك هذا الطرف فهو أحزاب لا وزن لها، كالشيوعي والبعثي والمؤتمر السوداني وجماعات هي عبارة عن لافتات، هم يخشون من الإنتخابات لأنهم قد لا يفوزون بدائرة انتخابية واحدة، لذلك يثيرون زوابع ويرفعون الصوت عاليا لأنهم يريدون الحكم لأطول فترة دون تفويض شعبي غير أن حلمهم قد تبدد.
ونوه عبد العاطي إلى أن المطلوب هو أن يسرع حمدوك والبرهان ومن هم في السلطة لتشكيل الوزارة، والمجلس التشريعي ومفوضية الانتخابات والمحكمة الدستورية وبقية هياكل الانتقال والتجهيز للانتخابات، لتفويض حكومة مدنية من قبل الشعب، وإن لم يحدث ذلك فإننا قد ندخل مرحلة أخرى لا نأمل أن نرتادها لأنها عالم الصراع و التفتت والانقسام.
وحول استقالة حمدوك من منصبه، يقول المحلل السياسي:
لو استمر الوضع هكذا ربما يقال أو يستقيل و كلا الاحتمالين وارد، ومستقبل الدول لا يبنى على أشخاص، فقد ذهب عبود والنميري والصادق المهدي والبشير وإسماعيل الأزهري وذهب المحجوب وذهب سوار الذهب، والأمثلة تترى في عالمنا العربي ولا نحتاج لذكر أمثلة.
في 25 أكتوبر، أعلن البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، لينهي بذلك الاتحاد الذي شكله المدنيون والعسكريون لإدارة الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
ووقع رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، ورئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، في يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتفاقا سياسيا جديدا يقضي بعودة حمدوك إلى منصبه بعد نحو شهر من عزله.
وتتوالى على مدن السودان خاصة العاصمة الخرطوم، تظاهرات رافضة للاتفاق السياسي الموقع بين رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان.