تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابات حول قدرة المبادرات ودعوات الحوار على إعادة الأطراف إلى المائدة المستديرة.. وهل يمكن إعادة الأوضاع إلى نصابها قبل فوات الأوان؟
بداية يرى المحلل السياسي السوداني، عبد الرحمن الأمين، أن وجود عبد الله حمدوك على رأس الحكومة بعد قرارات البرهان في أكتوبر/تشرين أول الماضي، أوجد نوعا من عدم وضوح الرؤية، باعتبار أن البعض كان يرى أنه استعاد المدنية، وأن كفة المدنيين في وجوده ستكون راجحة وعادلة، وبالتالي سارت الأمور متأرجحة بين العسكريين والمدنيين.
الرؤية واضحة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": إذا كانت هناك ميزة وحيدة لذهاب حمدوك، هو أنه جعل الرؤية واضحة و ضوحا شديدا وفرز المواقف ما بين المدنيين والعسكريين، ومن هذا التوقيت ستكون المواجهة واضحة، ولو كان هناك حوار بين كل الأطراف سيكون بنفس الوضوح، ولا يخفى على أحد التظاهرات التي تجوب الشوارع، لكن في كل الأحوال سيجلس الجميع في نهاية المطاف من أجل الحوار.
وتابع الأمين، في تقديري أن الحوار يقتضي تنازلات من العسكريين، والبرهان يعلم تماما أن الإجراءات التي ذهب إليها في أكتوبر/ تشرين أول الماضي لم تكن مفيدة ولم تقدم له أي فائدة ومن ثم عليه التراجع عنها والعودة إلى الوثيقة الدستورية وحق الحرية والتغيير في الشراكة وبعدها النظر في أي تنازلات يمكن إدخالها على الوثيقة، وأن يتم تضمين الوثيقة أن الحكم للمدنيين وأن وجود العسكريين هو ضمانة فقط.
حسم الأمور
وحول إمكانية عودة ثقة المدنيين في العسكريين بعد كل ما حدث يقول الأمين: بكل تأكيد الثقة لم تعد موجودة وأن حسم الأمور ليس كله بيد العسكريين أو قوى الحرية والتغيير، الشارع الآن بات له موازناته المختلفة عن المكونين وهو متقدم على الاثنين ورافض لفكرة الشراكة مع العسكريين، لكن ربما بالطمأنة وبناء بعض جسور الثقة يمكن أن يطمئن الشارع بعض الشىء ويقبل بتنازلات يقدمها العسكر.
وأكد المحلل السياسي أن دور رئيس الحكومة المستقيل عبد الله حمدوك انتهى لأن العسكر الآن لا يثقون به وكذلك المدنيون، ومن ثم لا يصلح أن يكون وسيطا الآن وسوف يغيب عن المشهد الحالي.
وأشار إلى أن التفكير الذي يسيطر على البرهان الآن هو تشكيل حكومة لملء حالة الفراغ، ولكن تلك الحكومة لن تحل له أزمة أو تسد فراغا ولن توقف الشارع، وعلى البرهان الآن أن يفكر في كيفية كسب ثقة الشارع والقوى السياسية.
مبادرة جديدة
من جانبه يقول الدكتور محمد مصطفى، مدير المركز العربي الأفريقي لبناء ثقافة السلام والديمقراطية بالسودان، إن المركز طرح مبادرة لحل الأزمة المتفاقمة في البلاد تعتمد على عدة نقاط من بينها، أن تكون حاضنة الحكومة الانتقالية القادمة "ثورية"، تضم كل لجان المقاومة في ربوع البلاد بعد التشاور مع الثوار الحقيقيين في الولايات لنخلص في النهاية لتشكيل مؤتمر عام لكل ولايات حسب الحصص المقررة في المبادرة، وأن ينعقد المؤتمر العام في مدة أقصاها شهرين من بداية عملية التنظيم ويتم انتخاب تنسيقية فدرالية ثورية من ثلاثين عضواً ومجلس فيدرالي ثوري من مئة عضو.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هذه التنسيقية الفيدرالية الثورية قد تحرك السودان كله في لحظة واحدة، وأن يشرف على عملية التنظيم أساتذتنا الأجلاء المشهود لهم بالنزاهة والوطنية والأخلاق السوية، يترافق ذلك مع حل المجلس السيادي ومجلس الوزراء إذا وجد واعتماد الحاضنة الثورية وبموجبها يتم تعيين المدنيين في المجلس السيادي وتشكيل الحكومة من تكنوقراط فاعل سياسياً برئاسة عبدالله آدم حمدوك، كما يجب تعيين المجلس التشريعي القومي فور تشكيل الحكومة".
حرية سلام وعدالة
وأشار مصطفى إلى أن المكون العسكري في الحكومة الانتقالية والحرية والتغيير بنسختيها والأحزاب خارج الحرية والتغيير والقوى الثورية المسلحة، وكل القوى السياسية والمدنية تؤكد دعمها ووقوفها مع الثورة السودانية لتحقيق شعاراتها "حرية سلام وعدالة"، إذن على كل هذه المكونات إذا كانت هي فعلا صادقة فيما تصرح به، أن تدعم تنظيم الثوار وهيكلتهم ليكونوا حاضنة ثورية حقيقية تنقذ البلاد من الانتكاسة والردة فإن خيبات ما بعد 21 أكتوبر 1964 و6 أبريل 1985م مازالت حاضرة وقد تعيد نفسها.
ونوه إلى ضرورة إعلان نتائج تحقيق مجزرة فض اعتصام ساحة القيادة العامة فورا، ومحاكمة المتورطين وإجراء تحقيق شفاف في جرائم قتل المتظاهرين في مظاهرات ما بعد قرارات 25 أكتوبر مع دمج كل القوات التي تمتلك أدوات الإرغام والإكراه في قوات نظامية وطنية مدربة ومؤهلة، تأتمر بأوامر قيادة مركزية موحدة، وأن يشارك الثوار مشاركة فاعلة في التعداد السكاني وإعداد السجل الانتخابي وتقسيم الدوائر والإشراف على الإنتخابات لمنع أي محاولة للتزوير.
تجاوز المرحلة
وفي نفس السياق يقول سكرتير العلاقات الخارجية والدبلوماسية للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية بالسودان، بكري عبد العزيز، إن "الشارع تجاوز مرحلة النظر إلى الأشخاص، وعندما رجع عبد الله حمدوك عاد بالاتفاق السياسي والذي قال وقتها إنه لحقت دماء السودانيين، بعد التوقيع سقط أكثر من 15 متظاهر، مع رحيل رئيس الحكومة لم يعد أمام البرهان أي سند شرعي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "البرهان جاء بحمدوك بعد الانقلاب من أجل أن يعطيه شرعية دولية، لكن كانت استقالته كاشفة لكل كواليس العسكر، وقد وضعت تلك الاستقالة حدا للمطالبين بالتفاوض مع العسكر وأكدت على صعوبة ذلك إن لم يكن مستحيلا، بعد أن سقط أكثر من 57 شهيدا من الثوار".
وأشار عبد العزيز إلى أن: "الشارع الآن لديه جداول تصعيدية في مواجهة الانقلاب، وقد ساهم رحيل حمدوك في اختلال كفة العسكر، حيث كان يعطيهم شرعية، لذا فإن الشارع مستمر في انتفاضته حتى يتم إسقاط الانقلاب الذي أعاد الثورة إلى المربع الأول".
وفي وقت متأخر من مساء الأحد الماضي ، أعلن رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، استقالته رسميا من منصبه.
وكشف حمدوك عن استقالته في ختام خطاب متلفز في ذكرى ثورة ديسمبر، مؤكدا أن "حل الأزمة في السودان لن يكون إلا بجلوس جميع الأطراف على مائدة المفاوضات".
وأشار رئيس الوزراء المستقيل إلى أن "الأزمة اليوم في البلاد سياسية في المقام الأول... لكنها في الطريق لتصبح أزمة شاملة"، مضيفا: "حاولت تجنيب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة، ونمر حاليا بمنعطف خطير يهدد ببقاء السودان كليا".
يأتي هذا في الوقت الذي يحتشد فيه السودانيون في عدة مدن وولايات بينها العاصمة الخرطوم، وأم درمان، وغيرها، في تظاهرات دعا إليها تجمع المهنيين السودانيين وقوى سياسية أخرى تعارض الإجراءات التي اتخذها البرهان في 25 أكتوبر/تشرين أول 2021 والتي تضمنت إعادة تشكيل المجلس السيادي واعتقال عدد من المسؤولين والإطاحة بحكومة حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية، قبل أن يعيده إلى منصبه بموجب اتفاق بينهما في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
وقبل أيام، وجّه رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، بالشروع في الإجراءات العملية للانتخابات في تموز/يوليو 2023، إلا أن عددا من القوى السياسية الفاعلة في الشارع ترفض الحديث عن أي إجراءات انتخابية في الوقت الحالي، معتبرة أن المناخ السياسي والأمني يحتاج إلى تهيئة أفضل.