وأشار العلماء إلى أن هذا الاكتشاف يحل أحد أكثر الالغاز التي حيرت علماء التاريخ حول طبيعة الحيوانات التي جرت العربات الحربية الثقيلة في تلك الحقبة القديمة جدا، حيث لم يروض الإنسان الأحصنة فيها.
وأدى تحليل الحمض النووي القديم من عظام الحيوانات المكتشفة في مناطق شمالي سوريا، إلى جواب عن هذا السؤال القديم، حيث جرت حيوانات قوية العربات الحربية والعتاد الحربي الثقيل.
وبحسب الدراسة الجديدة، فقد استخدم سكان بلاد ما بين النهرين (منطقة تمتد من سوريا إلى العراق وبعض المناطق جنوبي تريكا) طريقة التهجين لإنتاج حيوانات قادرة على تنفيذ هذه المهمة القاسية.
"بعد دراسة الهياكل العظمية، علمنا أنها مجموعة، حيوانات شبيهة بالحصان، لكنها ليست أحصنة، كما أنها لم تتناسب مع قياسات الحمير ولم تتناسب مع قياسات الحمير البرية السورية... لذلك كانوا (الحيوانات المكتشفة) مختلفين إلى حد ما، لكن لم يكن الفرق واضحا".
أظهرت الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة "Science Advances" العلمية، أن السكان القدماء في تلك المناطق هجنوا حيوان يطلق عليه العلماء اسم "الكونغاس" أو (Kungas )، وهو حيوان هجين من الحمير المستأنسة والحمير البرية، وكانت قوية وسريعة مع هدوء الحمار المنزلي (المدجن) وقوة وسرعة ذكر حمار بري سوري، أو "Hemione"، وهو صنف من الخيليات عاشت في المنطقة.
وتشير السجلات القديمة، بحسب المقال المنشور في مجلة "Live Science" العلمية، إلى أن حيوانات الكونغاس أو الكونجاس هي حيوانات ذات قيمة عالية ومكلفة للغاية، وهو ما يمكن تفسيره من خلال عملية تكاثرها الصعبة إلى حد ما، بحسب العلماء
الأمر الذي زاد من حدة المشكلة، بسحب العلماء، هون أن هذا الحيوان الهجين كان عقيما، لذلك كان لابد من إنتاجه عن طريق تزويج أنثى حمار منزلي مع ذكر حمار بري، والذي كان من الصعب أسره في البراري.
"كانت تلك مهمة صعبة جدا، وبشكل خاص لأن الحمير البرية يمكن أن تجري أسرع من الحمير وحتى من حيوانات الكونغاس، وكان من المستحيل ترويضها. لقد قاموا بتصميم هذه (السيارات) الهجينة بيولوجيًا... كانت هذه أقدم الأنواع الهجينة على الإطلاق وكان عليهم فعل ذلك في كل مرة لكل كونغاس يتم إنتاجه، وهذا ما يفسر سبب كونها ذات قيمة كبيرة".
تم ذكر الكونغاس في العديد من النصوص القديمة في الكتابة المسمارية على ألواح طينية من بلاد ما بين النهرين، وقد تم تصويرها في الرسوم مع العربيات الحربية المزودة بأربع عجلات والموجودة على إحدى أشهر اللوحات التي تحمل اسم "Standard of Ur" الشهيرة، وهي فسيفساء سومرية تعود إلى حوالي 4500 عام وهي معروضة الآن في المتحف البريطاني في لندن.
وبحسب المصادر العلمية، انقرضت هذه الأنواع، ومات آخر حمار بري سوري، لا يزيد ارتفاعه عن متر (3 أقدام)، في عام 1927 في أقدم حديقة حيوانات في العالم، وهي حديقة "Tiergarten Schönbrunn" في فيينا بالنمسا، وحفظت بقاياه في متحف التاريخ الطبيعي إلى يومنا هذا.
ويعتقد المؤرخون أن السومريين كانوا أول من قام بتربية الكونغاس قبل 2500 قبل الميلاد، أي قبل 500 عام على الأقل من إدخال الخيول المدجنة الأولى القادمة من شمال جبال القوقاز، وفقًا لدراسة أجريت عام 2020 ونشرت في مجلة "Science Advances".
وتُظهر السجلات القديمة أن الحضارات والدول التي خلفت السومريين، مثل الآشوريين، استمرت في تربية وبيع الكونغاس لعدة قرون، وتظهر لوحة حجرية منحوتة من العاصمة الآشورية نينوى، والموجودة الآن في المتحف البريطاني، قيام رجلين بقيادة حمار بري.
وعثر على عظام الكونغاس الجديد والتي تمت دراستها في مجمع دفن أميري في تل أم المرة شمالي سوريا، والذي تم تأريخه إلى حوالي العصر البرونزي المبكر بين 3000 قبل الميلاد و2000 قبل الميلاد، ويُعتقد أن الموقع هو أطلال مدينة طوبا القديمة المذكورة في النقوش المصرية.