ينظر إلى 2022 باعتباره العام الذي سيكتشف فيه العالم ما إذا كان اقتصاده قويا بما يكفي للاستعانة بمساعدات أقل من الحكومات والبنوك المركزية، وما إذا كان التضخم نتيجة ثانوية مؤقتة للوباء أم مشكلة أكثر إلحاحا، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
خطر جديد مع تلاشي كوفيد
في استطلاع رأي أجرته الوكالة لنخبة من الاقتصاديين، أجمع الخبراء على أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 4.4% في عام 2022، بعدما انتعش بنسبة 5.8% في عام 2021.
وبدءا من عام 2023 فصاعدا، يتفق معظم هؤلاء الاقتصاديين على أن النمو العالمي سيعود إلى معدله طويل الأجل عند نحو 3.5%، كما لو أن جائحة "كوفيد- 19" لم تحدث قط.
ومع ذلك فهناك مشكلة واحدة فقط؛ وهي أنه لا شيء في هذا الاقتصاد يبدو طبيعيا بعد الآن، وأصبح خارج عن السيطرة تماما، وإذا ظل هو الحال خلال 12 شهرا، فمن شبه المؤكد أن صناع السياسة أخطأوا.
بالنظر مثلا إلى سوق العمل، كان هناك ما لا يقل عن 10 ملايين وظيفة شاغرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة بنهاية عام 2021، حيث يكافح كل مدير مطعم ورئيس عمال مصنع ورئيس تنفيذي لاستكمال فرق العمل. هناك ما لا يقل عن 5 ملايين أمريكي بالغ لا يعملون اليوم ممن كانوا موظفين بأجر في بداية عام 2020.
الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يفتقر إلى العمالة، حيث كان لدى المملكة المتحدة أكثر من مليون وظيفة شاغرة في نوفمبر/ تشرين الثاني، ونحو 600 ألف شخص خرجوا من سوق العمل مقارنة ببداية عام 2020، ويرفضون تولي العمل حتى مع ارتفاع الأجور.
سواء تعلق الأمر بالنوادل أو سائقي الشاحنات أو الرقائق الدقيقة أو الجبن الكريمي، فقد أصبح عدم التوافق بين العرض والطلب هو الفكرة السائدة في التعافي الاقتصادي من آثار "كوفيد 19".
إنه إرث 18 شهرا مجنونة، شهد أكبر اقتصاد في العالم خلالها انكماشا بنسبة 20% تقريبا خلال ستة أشهر ثم استعاد كل ذلك بحلول منتصف عام 2021.
مكاسب وخسائر
الرابحون الكبار من هذا الانتعاش التاريخي هم الأسر الأمريكية، التي ارتفعت ثروتها بفضل ازدهار أسواق العقارات والأسهم (أي أولئك الذين لديهم ثروة في البداية).
بشكل جماعي، كان لدى الأمريكيين مدخرات إضافية تقدر بنحو 2.6 تريليون دولار في حساباتهم المصرفية اعتبارا من منتصف العام الماضي، وهو ما يعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
على أي حال، خلال معظم عام 2021، شعر صانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي والعديد من البنوك المركزية الأخرى بالثقة في التقليل من مسألة نقص العمالة واختناقات سلسلة التوريد باعتبارها عواقب قصيرة الأجل ناتجة عن الوباء.
في الحقيقة، كان الخوف المستمر من الفيروس والأموال الإضافية في الحسابات المصرفية للأسر، تثني العديد من العاطلين عن العمل عن العودة إلى وظائفهم، وتراهن البنوك المركزية أن هذه المشكلة ستعالج من تلقاء نفسها مع الوقت.
صدمة التضخم
يبدو أن جزءا كبيرا من "مفاجأة" التضخم في عام 2021 كان بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، مما أدى إلى تراخي الفيدرالي والبنوك المركزية في مسألة تشديد السياسات، لأن ارتفاع تكاليف الوقود بشكل عام، يميل إلى إبطاء النمو.
ولكن بحلول عيد الشكر، كان تضخم أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة يبلغ 6.8% سنويا، وهو أعلى مستوى منذ أن تولى رونالد ريغان منصب الرئيس، ونحو ثلاثة أضعاف توقعات الاحتياطي الفيدرالي في بداية عام 2021.
لذا، في ديسمبر/ كانون الأول، تحولت لهجة صناعة السياسة من القول إن التضخم "مؤقت" إلى أنه "سيستغرق الأمر وقتا طويلا للمضي قدما، وقد يحتاج إلى دفعة"، ولذلك تراهن الأسواق الآن على أن الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة ثلاث مرات على الأقل في عام 2022.
بنك إنجلترا، الذي يتوقع أن يتجاوز التضخم في المملكة المتحدة 6% في الأشهر المقبلة، كان أول من يبادر، وفي اجتماع السياسة الأخير لعام 2021، قرر رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. يتوقع المستثمرون أربع زيادات أخرى في عام 2022.
لم يرفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة في سياسته منذ أكثر من عقد، وقالت رئيسة البنك كريستين لاغارد إن الزيادة ليست واردة هذا العام أيضا.
لكن تعتبر منطقة اليورو التي تضم 19 دولة أقل عرضة للتضخم من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن تعافيها الاقتصادي كان أقل قوة.
ومع ذلك، بعد صدور أحدث البيانات التي أظهرت أن أسعار المستهلكين ارتفعت بوتيرة قياسية بلغت 5% في العام حتى ديسمبر، فقد يتعرض البنك المركزي الأوروبي أيضا لضغوط لرفعالفائدة.
لذا فجميع الخبراء يعلمون الآن، أن أهم بنك مركزي في العالم (الفيدرالي) سيسحب الدعم عن الاقتصاد، وقد لا يتخلف الآخرون كثيرا، ما يعني أن مسار عام 2022 سيتشكل من خلال ما إذا كان ذلك أكثر من اللازم للتعافي أو ما إذا كان قليلا جدا ومتأخرا جدا.
إذا لم يكن العام 2022 مليئا بالمفاجآت والصدمات سواء تلك التي ترتبط بالجائحة أو ربما ذات الصلة بالتجارة وسلاسل التوريد أو حتى بالأوضاع الجيوسياسية، فإن سياسات البنوك المركزية الكبرى والتي ستنعكس بطبيعة الحال على الأسواق الناشئة وتلك الأقل تطورا.
هذا ما سيحدد مصير الاقتصاد العالمي، وما إذا كان قادرا على نفض الغبار والمضي قدما، ولكن بشكل أكثر صحة، الذي يلحق فيه الجميع بالركب، وتعمل فيه كل القطاعات على النحو الأمثل.