وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن عددا من الشركات الأجنبية العاملة في السعودية بدأت في تقليص عملياتها أو تأخير خطط توسعها بعد تعرضها لتقييمات ضريبية مفاجئة، بلغت في كثير من الأحيان عشرات الملايين من الدولارات، مضيفة أن بيئة الأعمال في المملكة باتت أكثر عدائية.
وطرح البعض تساؤلات بشأن حقيقة هذه الانسحاب، ومدى تأثيرها على العلاقات الأمريكية السعودية، وعلى اقتصاد المملكة ورؤيتها الاقتصادية 2030.
انسحاب أمريكي
وقالت الصحيفة إن "أوبر تكنولوجيز" و"جنرال إلكتريك" و"بريستول مايرز سكويب" و"غلعاد للعلوم" وعدة شركات أجنبية أخرى في السعودية تعرضت لتقييمات ضريبية مفاجئة بلغت في كثير من الأحيان عشرات الملايين من الدولارات. ودفعت هذه الظروف الكثير من الشركات الأجنبية إلى تقليص عملياتها بالمملكة.
وأشارت إلى أنه ونتيجة لذلك ظل الاستثمار الأجنبي في المملكة العربية السعودية منخفضا بشكل كبير، في حين تقوم بعض الشركات بتقليص عملياتها أو تأخير خطط التوسع الموعودة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية 5.4 مليار دولار في عام 2020، أي أقل من نصف المستوى الذي كان عليه قبل عقد من الزمن وأقل بكثير من 19 مليار دولار التي كانت تستهدفها البلاد.
وأفادت بأن الرياض كانت في طريقها للوصول إلى أكثر من 6 مليارات دولار في عام 2021 بناءا على البيانات حتى الربع الثالث، ولا يشمل ذلك بيع حصة بقيمة 12.4 مليار دولار في شركة خطوط أنابيب سعودية لمستثمرين أجانب.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن أحد أسباب بقاء الرقم منخفضا هو المشاريع المخطط لها التي لم تحدث، حيث تلاشت خطط شركة "Apple" لفتح متجر رئيسي في وسط الرياض منذ عدة سنوات. كما تراجعت شركة Triple" Five Group" مطور مول أمريكا، عن بناء مجمع بمليارات الدولارات. كما تخلت شركة "AMC Entertainment Holdings" عن دور السينما عن سيطرة أكبر لشريكها في الحكومة السعودية لأنها تتخلف عن منافسيها المحليين.
شراكة أمريكية سعودية
اعتبر ماجد بن أحمد الصويغ، المستشار المالي والاقتصادي السعودي أن المملكة العربية السعودية باتت محط أنظار العالم سياسيا واقتصاديًا وماليًا ونفطيًا وصحيًا، كما أن الاهتمام بالمملكة أصبح أكثر رغبة وجاذبية للمستثمرين بسبب موقعها الجغرافي، والأمن والأمان والاستقرار الأمني، والإصلاحات الإدارية والمالية التي حصلت في المملكة في الأعوام الأخيرة، مما أدى إلى تحقيق نتائج إيجابية وسريعة نحو رؤية المملكة 2030، وجعل دول العالم تتفق على أن السعودية من أكبر دول العالم تقدمًا ونموًا واستقرارًا من جميع النواحي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، ما ذكرته صحيفة "وول سترتيت جورنال" من انسحاب شركات أمريكية من السعودية يحتاج إلى توضيح أكبر وليست دعاية إعلامية من أجل جذب القراء، ونشك فيما ذكرته الصحيفة من أسباب، وربما يكون غير صحيح، فلو كان هناك شركات أمريكية تود الانسحاب من المملكة فإن هذا لن يؤثر على توجه المملكة الاقتصادي لجذب الاستثمارات الأجنبية أو على رؤيتها 2030.
وتابع: "شهدت المملكة خلال الأعوام الماضية منتدى الاستثمار العالمي بالإضافة إلى تنظيم قمة العشرين، وكان هناك الكثير من التعاقدات والشراكات وعقد الاتفاقيات لشركات عالمية كبرى ومنها شركات أمريكية وأوروبية وأسيوية ومن جميع دول العالم دون استثناء".
وأكد أن هناك أكثر من 44 شركة عالمية نقلت مقراتها الإدارية إلى الرياض كما أن هناك 19 ترخيصًا لشركات أمريكية لملكية كاملة في الفترة الأخيرة للاستثمار في المملكة، و8 شركات أمريكية مستثمرة في المملكة غير معروفة للجميع، ولكنها ذات شهرة عالمية كبيرة مثل شركة إس كيم وشركة الإشارات الرقمية وبلاك آند فيتش، وشركة بيكر ماكنزي وشركة أوربتال وغيرها من الشركات الكبيرة.
وأضاف: "لا أعتقد بأن ما تبحث عنه الصحيفة الأمريكية يتوافق مع العقل والمنطق لما يحدث في المملكة العربية السعودية من زيادة الاستثمارات الأجنبية خاصة الأمريكية منها، فالمملكة وأمريكا حلفاء استراتيجيين سياسيين أمنيين منذ عقود طويلة، ولن تلغيها أقاويل صحفية من كتاب يبحثون عن الظهور الإعلامي على حساب المملكة ورؤيتها.
وأكد أنه في حال كان هناك أي عمليات انسحاب أو إعادة هيكلة أو جدولة لتلك الشركات ومشاريعها في المملكة فإن ذلك سيكون بسبب ما آلت إليه تلك الشركات الأم في مقراتها بالولايات المتحدة الأمريكية من ضربة اقتصادية جراء فيروس كورونا وما تبعه من أحداث وخسائر اقتصادية، فربما يكون هناك إعادة هيكلة وإغلاق بعض الفروع خارج الولايات المتحدة من أجل تقليل التكلفة عن طريق الاستغناء عن الموارد البشرية والفروع الخارجية، ومن ثم يتم إعادة الجدولة وفتح فروع جديدة لمناطق أقل كلفة.
رؤية 2030
بدوره اعتبر الدكتور فواز كاسب العنزي، المحلل السياسي والاستراتيجي السعودي، أن انسحاب بعض الشركات الأمريكية من المملكة يأتي كنوع من عدم التكيف مع ما تقوم به المملكة من سياسات اقتصادية، وعلاقاتها ببعض الدول وقد يكون هذا الانسحاب ضمن سياق السياسة الخارجية الأمريكية، منذ وجود الرئيس بايدن في البيت الأبيض فهناك تغير في هذه السياسة وقد يكون هناك نوع من الحملة الإعلامية على ما تقوم به المملكة من إصلاحات وتطور.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، استراتيجية المملكة 2030 ليست قائمة على وجود الشركات الأمريكية وإنما تعتبر من ضمن المتغيرات الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية التي تأتي من ضمن أهداف الرؤية، والتي من الممكن عدم تحقق جميع استراتيجيتها بشكل كامل، بل تطرأ بعض المتغيرات.
وتابع: "استراتيجية المملكة لديها الخصائص لإنجاح رؤيتها الوطنية 2030 وهناك أيضا الخيار مفتوح أمام المملكة للكثير من الشركات الأجنبية في الدول الأوروبية والروسية والآسيوية وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول، حيث أصبحت السعودية بيئة جاذبة للاستثمار ورأس المال الأجنبي".
وأكد العنزي أن انسحاب هذه الشركات لا يؤثر على مسيرة الرؤية والتي بدأت في مرحلتها الثانية كما أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد نجاح المرحلة الأولى التي استهدفت البنية التحتية والتغيير والحوكمة غيرها من الأهداف التي تحققت بالفعل.
ويرى المحلل السعودي أن المملكة تعيش مرحلة تنمية كبرى سياسية واقتصادية وبيئية واجتماعية، وانسحاب بعض الشركات منها لن يكون له أي تأثير على المستوى الاقتصادي، وربما يأتي في سياق السياسة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط وخاصة السعودية.
وفي شهر أكتوبر الماضي، أعلنت السعودية، أن 44 شركة عالمية تسلمت تراخيص مقراتها الإقليمية في العاصمة الرياض لمزاولة نشاطها في المملكة.
السعودية 2030 والتحرر من النفط
© Sputnik / Mohamed Hassan