وما أن أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في الصيف الماضي عن قرار باستجلاب مازوت إيراني إلى الأسواق اللبنانية لتزويد مولدات الكهرباء الخاصة به بأسعار تفاضلية وبالليرة اللبنانية، حتى اندفع الأمريكيون لمحاولة قطع الطريق على إغراق الأسواق اللبنانية بالمازوت الإيراني، فقد سارع الأمريكيون إلى الاستعانة بثلاث جهات إقليمية هي مصر والأردن والعراق.
وفي البداية، حصل لبنان والعراق على غطاء أمريكي باستقدام النفط العراقي، وجرت مفاوضات مكوكية بين بيروت وبغداد، بالتنسيق مع واشنطن، قادها المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم عن الجانب اللبناني، ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي عن الجانب العراقي، وأفضت إلى صياغة أولية استكملها وزراء النفط والمال في البلدين، حيث اتفق العراق ولبنان على استقدام نفط عراقي يُصار إلى استبداله بوقود صالح لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء في لبنان.
ووصلت شحنة النفط العراقية إلى لبنان في الأسبوع الأول من أيلول/ سبتمبر الماضي، إذ جرى استبدال 84 ألف طن من النفط الأسود الخام (العالي الكبريت) بـ30 ألف طن من الفيول الثقيل، و33 ألف طن من الغاز المسال لمصلحة معامل الكهرباء اللبنانية في البداوي شمالاً، وزوق مكايل في جبل لبنان، والزهراني في جنوب لبنان.
وقال وزير الطاقة اللبناني السابق ريمون غجر (وهو يعمل حالياً مع إحدى مؤسسات الأمم المتحدة في مشروع يتعلق بقطاع الكهرباء في سوريا)، لوكالة "سبوتنيك"، إن "لبنان يحتاج سنوياً إلى ثلاثة ملايين طن من الفيول لتشغيل الكهرباء بأقصى قدرة وقد أعطانا العراقيون مليون طن (خام) سنوياً، أي حوالي 750 ألف طن صالح للاستعمال، وبالتالي نحتاج إلى أكثر من طنين إضافيين".
ويعاني لبنان من انهيار قطاع الكهرباء منذ ثلاثة عقود من الزمن، غير أن التقنين في العاصمة والمناطق كان يتراوح بين 18 و21 ساعة قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر، وهو تاريخ اندلاع الانتفاضة اللبنانية ضد فساد الطبقة السياسية في لبنان.
وبعد هذا التاريخ، وصل التقنين إلى حد الاكتفاء بساعة واحدة من التغذية عبر معامل مؤسسة كهرباء لبنان، لا بل سجل للمرة الأولى في تاريخ لبنان توقف المعامل كلياً في بعض الأيام.
ووصل الطلب على الكهرباء إلى أكثر من 3000 ميغاواط في العام 2021، بينما تستطيع المعامل (في حال توفر الفيول) إنتاج 1500 ميغاواط فقط، وبالتالي ثمة حاجة إلى 1500 ميغاواط إضافي.
وقد لجأت الحكومة الأمريكية إلى كل من مصر والأردن، الدولتان اللتان سارعتا إلى التجاوب مع الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة حسان دياب، ثم الحكومة الحالية برئاسة ميقاتي، فتم إقرار تزويد لبنان بالغاز المصري لمصلحة معمل دير عمار في شمال لبنان (تزويده بغاز يجعله يؤمن 4 ساعات تغذية أضافية بالتيار الكهربائي)، وبالتيار الكهربائي الأردني (250 ميغاوات) لمصلحة الشبكة الكهربائية على الأراضي اللبنانية بدءاً من "كسارة" في البقاع اللبناني.
وقال وزير الطاقة اللبناني وليد فياض لوكالة "سبوتنيك" إن "اجتماعاً لبنانياً سورياً أردنياً لتوقيع اتفاق جر الكهرباء من الأردن للبنان، سيعقد قبل نهاية الشهر الحالي، في العاصمة السورية على الأرجح من أجل توقيع العقد النهائي بين هذه الدول الثلاث".
وفهم أن الإشكالية الأساسية التي حالت دون تسريع جر الكهرباء من الأردن والغاز من مصر تتصل بالعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا في إطار ما يسمى "قانون قيصر".
وقد قدم الأمريكيون ضمانات إلى كل من الأردن ولبنان والبنك الدولي باستثناء الكهرباء الآتية من الأردن من "قانون قيصر".
غير أن الإشكالية الأكبر تتعلق بالغاز المصري للبنان، فهي احتاجت إلى موافقة الأردن وسوريا أولاً ثم البنك الدولي الذي قرر تغطية هذه العملية وفق شروط معينة، غير أن الإشكالية الأبرز هي كيفية التنصل من ارتدادات "قانون قيصر"، حيث اشترطت شركة الغاز المصرية الحصول على أكثر من "إفادة" صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، لكن الإدارة الأمريكية التي تتابع الملف من خلال مسؤول ملف الطاقة في وزارة الخارجية آموس هوكشتاين، اعتبرت أن اشتراط الحصول على إعفاء عن الكونغرس قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم تتوافر الأكثرية، وبالتالي يجب الاكتفاء بضمانة "رسالة التطمين" الأمريكية التي وصلت نسخة منها أيضا لكل من شركة كهرباء لبنان وشركة الكهرباء الأردنية.
وناقش وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، هذه النقطة تحديداً مع منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، مطلع هذه السنة، في اجتماع بينهما في البيت الأبيض.
وتبلّغ بو حبيب أن "الإدارة الأمريكية وجهت رسالة إلى المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، تتضمن عدداً من الأسئلة، أبرزها الحصول على ضمانة وصول التيار الكهربائي الآتي من مصر والأردن إلى مستحقيه وليس إلى أي جهة أخرى (إرهابية) في إشارة مبطنة إلى حزب الله وسوريا".
وطلب ماكغورك "الاكتفاء اللبناني برسالة التطمين الأمريكية وعدم المطالبة بضمانات أخرى".
وفيما يتجه لبنان للقبول بالرسالة الأمريكية، لم تحسم مصر موقفها حتى الآن، ذلك أنها تخشى من "إجراء أمريكي يمس دورها كدولة محورية في تصدير وتسييل الغاز"، لذلك، جرى التواصل بين الأمريكيين (هوكشتاين) والبنك الدولي والحكومة المصرية والحكومة اللبنانية، عبر برنامج "الزوم" لأجل إيجاد مخرج في الأيام المقبلة، تمهيدا للبدء بضخ الغاز المصري للبنان.
وعلمت "سبوتنيك" أن "وفداً رسمياً سورياً يضم عدداً من كبار الموظفين الفنيين في وزارة الطاقة، زار لبنان سراً قبل نهاية السنة الماضية وأجرى فحصاً على الشبكتين اللتين سيضخ عبرهما الغاز المصري والكهرباء الأردنية".
وفي وقت لاحق، باشرت فرق فنية لبنانية ومصرية بإجراء التصليحات اللازمة للأنابيب التي تربط معمل دير عمار في شمال لبنان بأحد معامل الغاز في حمص التي سيُضخ عبرها الغاز السوري للبنان، فيما يدخل الغاز المصري عبر "الخط العربي" إلى المعامل السورية.
وثمة سباق مع الوقت، قبل موعد الانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في أيار/ مايو المقبل، فحكومة ميقاتي تريد أن تجعل معامل الدولة اللبنانية تنتج ساعات تغذية إضافية بالتيار الكهربائي (12 من 24 ساعة)، قبيل فتح صناديق الاقتراع، لكن ثمة محاذير عديدة تقف بالمرصاد، حسب خبير اقتصادي لبناني، وهي موافقة الأمريكيين، وقبول المصريين برسالة التطمين الأمريكية، وتعديل تعرفة الكهرباء في لبنان، وهذا من أبرز شروط البنك الدولي التمويلية.
باختصار، يقول دبلوماسي عربي بارز في بيروت إن "لعملية مد خط الغاز من مصر وخط الكهرباء من الأردن، أربعة أبعاد متوازية، أولها، البعد السياسي (الضوء الأخضر الأميركي)، وثانيها البعد القانوني، أي إزالة الموانع القانونية ولا سيما كيفية تخطي مفاعيل قانون قيصر، وثالثها، البعد الفني، أي توافر البنى التحتية الكفيلة بجعل لبنان قادراً على الاستفادة من مازوت العراق وكهرباء الأردن والغاز المصري، ورابعها البعد المالي".
وهنا تبدو المسؤولية محصورة بكل من لبنان والبنك الدولي، وكلما أسرع لبنان في توقيع اتفاقه مع صندوق النقد الدولي كلما صارت ظروف استفادته من مشاريع القروض الخارجية أكبر وأسهل، بدليل أن الحكومة العراقية بدأت في الآونة الأخيرة، تطالب بدفع أول فاتورة لبنانية مقابل تزويد لبنان على مدى أربعة أشهر بالفيول العراقي الخام بواسطة شركة "إينوك" الإماراتية.