فإلى أي مدى سوف ينجح الصدر في تخطي عقبة المالكي وتشكيل حكومة وطنية لإنقاذ البلاد؟
بداية يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، قيس النوري، أدركت الغالبية العظمى من شعب العراق أن الانتخابات الأخيرة والتي سبقتها، تدور جميعها في مربع، شخوصها أطراف العملية السياسية الفاشلة، لذلك فإنها لا تشكل الحل للوضع العراقي المأساوي.
سلوك منفلت
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" نتيجة للوضع السياسي المضطرب، فقد عبرت الجهة التي لم تحظ بالأغلبية بأسلوب إرهابي، تمثل بالتحرك لضرب أهداف في العاصمة بغداد، علاوة على التصعيد باستهداف العناصر الوطنية بالاغتيال، في محاولة من هذه الجهات لابتزاز الجهات الأخرى، وهو أسلوب طالما مارسته تعبيرا عن سلوكها المنفلت.
وأشار النوري إلى أنه، من المتوقع في حال عدم توصل الصدر إلى صيغة ترضي بعض الأطراف وتدفعها للمشاركة كأسلوب ترضية، فسوف تلجأ الأطراف الخاسرة إلى تصعيد العمل الإرهابي كوسيلة رخيصة لإثبات الوجود، مع ملاحظة أن الصدر نفسه وميليشياته المسلحة هو جزء لا ينفصل عن باقي المكونات، ومن ثم فإن سلوكه لا يخرج عن حالة الإبقاء على العراق في دوامة العنف والفوضى واللا دولة.
تحول نوعي
بدوره يرى المحلل السياسي العراقي، عبد الملك الحسيني، أن العراق يمر بتحول نوعي ومنعطف سياسي جديد، ولأول مرة منذ 18 عاما تبرز محاولة فعلية حقيقية لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، وهذا الأمر من الطبيعي سيجعل عدد لابأس به من الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة خارج الحسابات في تشكيل الحكومة، بل يضعهم حتماً في خانة المعارضة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، في مثل هذه الأجواء القلقة، من الطبيعي أن نشهد رياحا شديدة وأعاصير سياسية تدفع باتجاه حالة عدم الاستقرار السياسي كرد فعل طبيعي مقاوم ضد هذا التغيير المنشود.
اقتتال داخلي
وتابع الحسيني، هناك طرف ثالث خارج هذه اللعبة يحاول استغلال هذه الظروف من خلال السعي لإشاعة الفوضى وحصول اقتتال داخلي، ولكن معظم الأطراف السياسية الداخلة في الصراع رفضت مثل هذه الأعمال، وعدتها من قبيل التخريب والمؤامرة، لذا نقول أن مثل هذه الأحداث ستبقى ضمن إطارها المحدود.
خطورة الموقف
وأكد أن الجميع يدرك مدى خطورة الموقف إذا اتجه البلد نحو الفلتان الأمني، ولا أحد سيكسب الجولة وبالتالي ستكون فرصة الإرهاب حاضرة للعودة إلى المشهد.
ومن جهة أخرى، فإن معظم القوى المتصارعة تعتقد أن لديها مكتسب قد حققته خلال فترة ما بعد "صدام" ربما ستخسره إذا اتجهت الأمور نحو الفوضى.
وأشار الحسيني إلى أن هناك سعيا حثيثا، وتحركات يقوم بها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي مع معظم الأطراف السياسية، من أجل إيجاد مخرج يرضي جميع القوى والانتقال إلى مرحلة جديدة للمضي في تشكيل الحكومة.
التوافق والتقاسم
من جانبه يقول أمين اتحاد القبائل العربية بالعراق، ثائر البياتي، إن المتابع للشأن العراقي والعملية السياسية التي أسسها المحتل الأمريكي، يجد أنها مبنية على أعراف المحاصصة الطائفية، والتي لا أساس لها في الدستور، ولكنه عرف عملت به الأحزاب وغذته بكل المراحل الانتخابية السابقة، وتشكلت كل الحكومات السابقة وفق مبدأ التوافق والتقاسم والتخادم بين الأحزاب بمجملها.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، خلال الـ 18عاما الماضية، برز أمر مهم هو سلاح مليشيات الأحزاب، وبالأخص الأحزاب الشيعية والمليشيات المرتبطة بها والتي انقسمت إلى ثلاث قيادات وولاءات، مليشيات مرجعية السيستاني، مليشيات مقتدى الصدر، مليشيات الولي الفقيه علي خامنئي المرتبطة بالحرس الثوري، لكن ما حصل في الانتخابات الأخيرة وما نتج عنها غير قواعد اللعبة السياسية في العراق.
وتابع البياتي، برزت قوتين القوة الأولى عراقية الولاء "الصدر، البارزاني، الحلبوسي"، أما القوة الثانية، فهى إيرانية الولاء، "المالكي، العامري، قادة المليشيات الولائية، اليكيتي أكراد السليمانية، المنشقين من السنة"، والفرق بين القوتين أن الأولى اكتسحت البرلمان مجتمعة، وتشكلت وفق اتفاق عقد بين الأطراف بعد الانتخابات وفق تفاهمات واجتماعات كثيرة قبل الانتخابات، ونتج عنها رؤية جديدة لإدارة الدولة، وثبت قوتها وقدرتها بالجلسة الأولى للبرلمان، وفوز الحلبوسي برئاسة البرلمان مع نائبين الأول تابع للصدر والثاني للبرزاني.
الحشد الشعبي
وأشار أمين اتحاد القبائل إلى أنه بعد فشل كل المحاولات من مجموعة الإطار "القوة الثانية" الخاسرة في الانتخابات بإلغاء نتائجها أو تغيير المعادلة بعدد المقاعد، ستكون المرحلة القادمة هي الهدف من خلال فتح ملفات قياداتهم الحزبية أو الميليشياوية، مما سيكون سببا في إزاحتهم بشكل نهائي من المشهد، وبالأخص التسريبات التي تحدثت عن نية الفائزين بحل "الحشد الشعبي" الذي أصبح يشكل خطرا على وحدة العراق، بل على دول المنطقة برمتها، وتنامي قدراته العسكرية وارتباطه بالمشروع الإيراني التوسعي، لذا كانت ردات الفعل واضحة من خلال سياسيين وإعلاميين ومواقع إخبارية مرتبطة بمجموعة الخاسرين الولائيين، بإطلاق التصريحات والتسريبات بتهديد الكرد والسنة الحلقة الأضعف، وعدم المواجه المباشره مع الصدر من أجل تفكيك التحالف وإضعاف موقفه.
منزلق خطير
وأوضح أن استهداف منزل الحلبوسي لم يكن صدفة، أو قرارا متسرعا بل جاء بعد عدة عمليات إرهابية، تمت باستهداف قوات الجيش والشرطة في مناطق السنة.
وتوجيه الاتهام لساسة السنة بالتواطؤ والتعاون مع داعش"المحظور في روسيا وعدد من الدول"، لم يجد نفعا، فتحولوا إلى استهداف بيت الحلبوسي بشكل مباشر وتهديد أعضاء تحالف "تقدم وعزم" السنيتين، سبق ذلك تسريبات عن تسمم أصاب الحلبوسي، وأشيع عن عملية اغتيال بالسم وخرج مكتب الحلبوسي ليعلم عن إصابة الحلبوسي بمتحور أوميكرون.
الأمور تسير إلى منزلق خطير، بعد فشل قاأني وكوثراني بتغيير موقف الصدر المتشدد، بالأخص المتعلق بإزاحة نوري المالكي من المشهد السياسي، وهو الحليف الأكبر للإيرانيين في العراق.
هيكلة المؤسسات
وأوضح أن هناك أكثر من ذلك، بالتوجه نحو هيكلة مؤسسات الدولة وإنهاء دور الدولة العميقة التي أسسها المالكي بإشراف الإيرانيين، من أجل ضمان نفوذهم وسيطرتهم على الدولة العراقية، أعتقد أن الصدر موقفه أقوى وممكن أن يغير الموقف والمشهد السياسي في العراق لسببين: الأول قوته الجماهيرية والعسكرية الكبيرة، وتحالفه مع البارزاني ذو النفوذ السياسي الكبير داخليا وخارجيا، إضافة إلى قوات البيشمركة التي تعتبر القوة العسكرية الضاربة، ثم الحلبوسي الذي يمثل المجتمع السني، والذي ذاق الويلات على يد المليشيات الولائية وأحزابهم الإقصائية من تهميش وقتل وتغييب واعتقالات، وتدمير أملاك وسرقة ممتلكات ومنع أكثر من مليون و200 ألف من العودة إلى مناطقهم، واتهام أكثر من 500 ألف بتهم إرهابية كيدية، والأكراد الذين أصبحوا هدفا لصواريخ وطائرات الدرون للمليشيات، واستهداف مقراتهم وسياسييهم.
البحث عن الخلاص
ولفت أمين اتحاد القبائل إلى أن الجميع أصبح ناقما، والجميع يبحث عن الخلاص من النفوذ الإيراني المتمثل بأحوال الإطار التنسيقي والمليشيات، لهذا لم يتبق خيار أمام المليشيات إلا إشاعة الفوضى الأمنية، من خلال الاستهداف المباشر أو التخادم مع داعش لتنفيذ أجندتهم.
من ناحيته حذر زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، من استهداف مصالح الِشعب، معتبرا أن ذلك "خط أحمر".
جاء ذلك في بيان مقتضب للصدر كتبه بخط يده، نشره مساء الجمعة الماضية، على حسابه بموقع تويتر، وقال الصدر: "لا تستهدفوا مصالح الشعب، فالشعب والوطن خط أحمر"، مضيفا "مستمرون بحكومة أغلبية وطنية، مع شركائنا في الوطن".
ولم يوضح زعيم التيار الصدري، الذي تصدر تياره نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الجهة التي يعنيها برسالته.
لكنها جاءت بعد ساعات من تعرض مطار بغداد الدولي لهجوم بـ6 صواريخ "كاتيوشا".
وأعلن الصدر في أكثر من مناسبة تمسكه، بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، داعيا قوى الإطار التنسيقي إلى المشاركة فيها شريطة استبعاد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
فيما يرفض الإطار التنسيقي (تحالف شيعي يضم قوى بينها ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح)، هذا الطرح، ويطالب بدلا عن ذلك بحكومة توافقية بمشاركة كافة القوى السياسية داخل مجلس النواب كما جرت العادة خلال الدورات السابقة.