أعلنت وزارة الصناعة والمناجم ووزارة الطاقة والتجارة وتنمية الصادرات، مساء أمس، رفع أسعار بعض المواد البترولية من بينها البنزين والغازولين ابتداء من الأول من فبراير/ شباط الجاري، في إطار برنامج تعديل أسعار المواد البترولية المعتمد ضمن ميزانية الدولة لسنة 2022.
وحددت الزيادات بـ 60 مليما للبنزين الرفيع الخالي من الرصاص، و55 مليما للغازولين الخالي من الرصاص، بينما ارتفع سعر اللتر من الغازولين العادي بـ 50 مليما، لتصبح أسعارها على التوالي: 2.155 دينار (0.74 دولار)، و1.860 (0.64 دولار)، و1.655 دينارا (0.57 دولار)، وهي الزيادة الرابعة في ظرف سنة.
وبررت السلطات التونسية هذه الزيادة بارتفاع السعر العالمي للنفط الخام الذي "بلغ مستويات قياسية خلال الفترة الأخيرة بتجاوزه عتبة الـ 90 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ سبع سنوات".
ووفقا لنص البيان الصادر عن الوزارتين، فإن كل زيادة بدولار واحد في البرميل يترتب عنها احتياجات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بـ 140 مليون دينار (48.18 مليون دولار) في السنة.
الحكومة تناقض نفسها
يقول الخبير في الاقتصاد والمالية عز الدين سعيدان في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن قرار الرفع في أسعار المحروقات هو قرار سياسي مبني على تناقضات عدة.
وأوضح أن التناقض الأول يتمثل في أن الحكومة أعدت قانون المالية منذ شهر مضى على فرضية 75 دولار سعر برميل النفط، في حين أن كل الدراسات التي أعدت منذ الصيف الماضي توقعت أن يرتفع سعر البرميل وأن يتجاوز 100 دولار في بداية السنة.
وتابع: "التناقض الثاني، هو أن الحكومة أكدت للعموم قبل شهر واحد من اليوم أنها لا تفكر في الزيادة في سعر المحروقات، لكنها خالفت وعودها، ثم إن آلية التعديل الآلي تنص على تعديل سعر المحروقات كل شهر".
ولفت سعيدان إلى أن هذه الآلية تنص على أن تغيير سعر المحروقات سواء بالزيادة أو النقصان لا يتجاوز 1.5 في المئة، لكن هذه النسبة وقع تعديلها إلى 2 ثم إلى 5 في المائة بقرار سياسي وليس اقتصادي، وفقا لقوله.
وأشار سعيدان إلى أن قرار الزيادة يأتي في ظل عجز الحكومة عن توفير موارد مالية لسد العجز الحاد في الموازنة، مضيفا أن الحكومة اعتمدت في قانون المالية لسنة 2022 على فرضية تجميع قروض جديدة بقيمة 20 مليار دينار، منها 12 مليار دينار من الخارج، و7.5 مليار دينار من الداخل، في حين أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي متوقفة وقدرة الجهاز البنكي الداخلي لا تتجاوز 2 مليار دينار سنويا، وتساءل "من أين ستأتي تونس بفارق يتجاوز 5 مليار دينار؟".
ضريبة اجتماعية باهظة
ويرى سعيدان أن الزيادة في سعر المحروقات وضعت التونسيين أمام معادلة صعبة، فمن ناحية أولى هناك الوضع الصعب للمالية العمومية، ومن ناحية أخرى هناك الوضع الاجتماعي الهش الذي زاد تدهور القدرة الشرائية من حدته.
وأضاف: "في ظل الارتفاع الذي شهدته العديد من المواد والخدمات أصبحت قدرة المواطن على تحمل الأعباء المالية محدودة جدا، فكيف سيتعامل المواطن العادي مع هذه الزيادات الجديدة؟".
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، أكد القيادي في حزب التيار الديمقراطي لسعد الحجلاوي، أن الزيادة الجديدة في سعر المحروقات ستزيد من إثقال كاهل المواطن، منبها من كلفتها الاجتماعية الباهضة على الطبقات المتوسطة والضعيفة.
وتابع: "هذه الزيادة ستؤثر على المواطن بشكل سلبي ومباشر، خاصة وأنها تتزامن مع ارتفاع حاد في جل المواد الاستهلاكية، ومع تدهور غير مسبوق للقدرة الشرائية".
وأشار الحجلاوي إلى أن الإشكالية الحقيقية تكمن في تبعات هذه الزيادة، مضيفا: "من المعلوم أن الرفع في سعر المحروقات سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات والخدمات ذات الصلة بمجال الطاقة وهي عديدة وأولها النقل".
وقال إن الطبقات المحدودة تعاني أصلا من أزمة مالية حادة، وهو ما يجعلها عاجزة كليا عن تحمل أعباء إضافية خاصة وأن الأجور أصبحت تصل إلى الموظفين بشكل متأخر عن السابق، حيث أن عددا هاما من موظفي وزارة التربية لم يحصلوا على أجور شهر يناير/ كانون الثاني الماضي إلى حد اليوم، وفقا لتأكيده.
ولفت الحجلاوي إلى أن الإشكالية الأكبر تكمن في أن تونس تعيش عزلة دولية نتيجة الوضع السياسي الراهن الذي يتسم بعدم الاستقرار، وهو ما يجعل المؤسسات المالية الدولية تحجم عن تقديم قروض لها لتمويل ميزانيتها.
زيادات شهرية مرتقبة
وقالت الخبيرة الاقتصادية جنات بن عبد الله في حديثها لـ "سبوتنيك" إن الزيادات الجديدة في سعر المحروقات لن تكون الأخيرة في هذه الفترة، مشيرة إلى أن الحكومة ستقر زيادات دورية وشهرية لأسعار المحروقات في حدود 3 في المائة.
وأضافت: "حتى وإن استقر السعر العالمي لبرميل النفط في حدود 90 دولارا، فإن الفارق سيبقى ضخما بين الفرضية التي اعتمدتها الحكومة في قانون المالية لسنة 2022 (75 دولار سعر برميل النفط) وبين الأسعار الحقيقية"، مشيرة إلى أن فارق 15 دولارا هو فارق كبير جدا سيدفع الحكومة إلى رفع أسعار المحروقات بشكل مستمر.
ولفتت جنات بن عبد الله إلى أن الزيادة التي أقرتها الحكومة في سعر المحروقات كانت متوقعة، على اعتبار أنها مبرمجة في إطار تعهدات الدولة التونسية تجاه صندوق النقد الدولي والتي تقضي برفع الدعم تدريجيا عن المحروقات والكهرباء والمواد الأساسية.
واعتبرت الخبيرة الاقتصادية أن قدرة حكومة الرئيس قيس سعيد على تسيير شؤون البلاد أصبحت على المحك، بعد أن أثبتت فشلها في امتحان الواقعية والجدية منذ الشهر الأول على صدور قانون المالية لسنة 2022.
ولفتت بن عبد الله إلى أن الحكومة اعتمدت فرضية خاطئة وبعيدة جدا عن التقديرات العالمية لسعر برميل النفط، وهو ما جعلها في مواجهة عجز جديد في الموازنة، على اعتبار أن كل زيادة بدولار واحد في سعر البرميل تؤدي إلى ارتفاع اعتمادات الدعم بـ 140 مليون دولار في السنة.
وأكدت أن هذه الزيادات ستؤدي إلى الرفع في سعر الكهرباء، ومزيد تدهور القدرة الشرائية للمواطن وإفلاس المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي ستكون عاجزة عن تحمل ارتفاع كلفة الإنتاج.
وشددت بن عبد الله على أن الخروج من الأزمة لا يجب أن يكون من زاوية وصفة صندوق النقد الدولي التي وصفتها بأنها قنبلة موقوتة ستؤدي إلى تدمير الدولة وإدخال البلاد في حالة احتقان اجتماعي عميق، وإنما من زوايا أخرى على غرار إيقاف باب التوريد وإلغاء قانون استقلالية البنك المركزي والوقوف إلى جانب القطاعات المنتجة وعدم التفريط في المؤسسات العمومية والإسراع في إعادة هيكلتها ومراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
أسعار البنزين في الدول العربية