والآن، وبمرور الوقت، تحولت شركة "نيو" المدرجة في بورصة "ناسداك" الأمريكية إلى أحدث فئة من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة في الصين، وهم المسؤولون الشيوعيون، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
رأس المال المغامر هو أحد المفاهيم الاستثمارية التي نشأت في الغرب حديثا، ويقوم خلاله المستثمرون أصحاب رأس المال الوفير بضخ النقود في الأعمال الناشئة، في عملية تنطوي على مخاطرة كبيرة.
ويرجع ذلك إلى حقيقة أن هذه الأعمال تكون عرضة للفشل ما يعني ضياع رأس المال الخاص بهم، لكنها إذا نجحت، يضمن المستثمرون زيادة قيمة استثماراتهم – ربما أضعاف عدة - علاوة على تحقيق الأرباح المستقبلة.
في شرق الصين، تعهدت حكومة بلدية خفي، بتقديم 5 مليارات يوان (787 مليون دولار أمريكي) للاستحواذ على حصة 17% في الأعمال الأساسية لشركة "نيو".
نقلت الشركة المديرين التنفيذيين الرئيسيين من شنغهاي إلى المدينة، رغم أنها تبلغ نصف حجم الأولى وتبلغ 300 ميل من الداخل، وبدأت "نيو" في إنتاج المزيد من السيارات هناك. انضمت الحكومة المركزية ومقاطعة آنهوي بضخ استثمارات أصغر في الشركة.
هيمنة أم استثمار حقيقي؟
قد يبدو الأمر وكأنه محاولة للاستئثار بالسلطة، والذي يراه بعض المراقبين على أنه سمة مميزة للرئيس الصيني شي جين بينغ؛ حيث تتبنى الدولة نهجا حازما وتفرض قائمة متزايدة باستمرار من الإملاءات على الشركات الخاصة المبتكرة التي ربما تؤدي إلى تثبيط ريادة الأعمال.
لكن في الحقيقة، لم تجر القصة على هذا النحو، حيث حققت "نيو" أول ربح لها في أوائل عام 2021 وباعت أكثر من 90 ألف سيارة بحلول نهاية العام.
وبدلا من تعزيز من حصتها لتأكيد السيطرة، استفادت حكومة خفي من ارتفاع سعر سهم الشركة لتسييل معظم حصتها في غضون عام من شرائها، لتحقق عائدا يصل إلى 5.5 أضعاف استثمارها، تماما مثلما يفعل المستثمر العادي في لندن أو نيويورك.
يو أيهوا، كبير المسؤولين الشيوعيين في المدينة، ظهر في حدث متلفز في يونيو/ حزيران جالسا على منصة مرتديا بدلة رجال الأعمال بين جمع من رواد الأعمال بما في ذلك مؤسس "نيو" وليام لي، وقال: "كسب المال للحكومة ليس إحراجا، إنه كسب المال للناس".
التحول الرأسمالي
كانت خفي رائدة في التحول نحو المفاهيم الرأسمالية الصينية على مدى السنوات الأخيرة، حيث اشترت الحكومات المحلية بشكل متزايد حصص أقلية في الشركات الخاصة.
منذ الخمسينيات من القرن الماضي، كانت المدينة مركزا للبحث العلمي، لكن استثماراتها الذكية اليوم حولتها من منطقة منعزلة نسبيا إلى مدينة صاخبة تضم نحو 5 ملايين شخص.
فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، يبدو أن ما تسميه وسائل الإعلام الصينية "نموذج خفي" ناجح. في العقد المنتهي عام 2020، كانت خفي أسرع المدن الصينية نموا من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
تتحكم الحكومات المحلية في الصين في مبيعات الأراضي، وتتلقى الأرباح من الشركات المملوكة للدولة، ولها علاقات وثيقة مع البنوك المملوكة للدولة.
على مدى عقود، دعم الحكومات الشركات الخاصة من خلال منحهم الأراضي الرخيصة وغيرها من الإعانات، والإعفاءات الضريبية، والقروض لتشجيع الاستثمار.
وساعد ذلك المسؤولين المحليين، الذين يُحكم عليهم إلى حد كبير على أساس الأداء الاقتصادي، على الفوز بترقية الحزب الشيوعي الحاكم.
تطور التطور
في الآونة الأخيرة، جرى تحديث هذا النموذج لعصر يعتمد على الاستثمار التكنولوجي والابتكار من أجل النمو، فمع تباطؤ الاقتصاد الصيني ومحاولة بكين كبح جماح الديون، برز دور الحكومات المحلية الغنية بالسيولة والشركات المملوكة للدولة على أنها "الفرسان البيض"، لإنقاذ الشركات الخاصة المتعثرة.
في كثير من الحالات، تتخذ الحكومات المحلية نهجا سلبيا تجاه هذه الاستثمارات، مع تزايد عدد الرهانات التي يُحصل عليها من خلال الصناديق الاستثمارية بدلا من الشراء المباشر.
اليوم، تستثمر خفي في عشرات الشركات التي تعمل في مجال أشباه الموصلات والحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي.
تقع هذه الصناعات في قلب خطط الحزب الشيوعي لمضاعفة حجم الاقتصاد الصيني بحلول عام 2035، ومن المحتمل أن تتفوق على الولايات المتحدة على طول الطريق، وسيكون نموذج خفي وجهود المدن الأخرى لتكراره أمرا حاسما لتحديد ما إذا كان هذا الطموح قد تحقق أم لا.
قدمت خفي أول رهان رابح لها على "بي أو إي تكنولوجي غروب"، وهي شركة تصنيع شاشات إلكترونية تأسست في 1993.
عندما كانت الشركة في مشكلة بعد الأزمة المالية لعام 2008، ألغت المدينة خططها لأول خط مترو أنفاق وبدلا من ذلك استثمرت مليارات اليوانات في الشركة بشرط أن تبني مصنعا محليا.
بنت "بي أو إي" بالفعل مصنعا متطورا لشاشات الكريستال السائل (إل سي دي)، وبحلول عام 2011 امتلكت خفي حصة 18%. وافقت المدينة على التصويت مع الإدارة على القرارات الرئيسية.
الكل رابح
حلل باحثون في جامعة شيكاغو وجامعة تسينغهوا في بكين والجامعة الصينية في هونغ كونغ كل شركة مسجلة في الصين - أكثر من 37 مليون منهم.
ووجدوا أن هذه الشركات مملوكة في نهاية المطاف من قبل 62 مليون فرد – يشكلون بصفة أساسية القائمة الكاملة للرأسماليين الصينيين - بالإضافة إلى نحو 40 ألف وكالة حكومية من الحكومة المركزية وصولا إلى المدن وحتى القرى.
تعمل الشركات المملوكة لأجهزة الدولة، ومعظمها على مستوى الحكومة المحلية، على زيادة شراكاتها مع الشركات الخاصة، وفي المتوسط يستثمر المساهم الحكومي الآن في الشركات المملوكة لما يقرب من 16 مالكا خاصا، ارتفاعا من ثمانية قبل عقد من الزمن.
نظرا لأن متوسط عدد المالكين لكل شركة ثابت، فإن هذا يشير إلى أن كل صاحب مصلحة حكومي (مساهم) ضاعف تقريبا عدد الشركات الخاصة التي يستثمرها خلال تلك الفترة، كما يقول تشانغ تاي هسيه، الأستاذ في كلية بوث للأعمال بجامعة شيكاغو وأحد باحث في المشروع.
نتيجة لذلك، أصبح أكبر رواد الأعمال في الصين أكثر ارتباطا بالدولة، وفي عام 2019، من بين 7500 مالك فردي ثري، كان لدى أكثر من نصفهم نشاطا تجاريا واحدا على الأقل يتضمن وكالة حكومية من بين مستثمريها.
أكبر ست شركات ناشئة في مجال السيارات الكهربائية في الصين، والتي باعت مجتمعة أكثر من 435 ألف سيارة في عام 2021، خمس منها لديها حكومات محلية كمستثمرين أقلية.
قبل ثلاثين عاما، أنتجت الشركات المملوكة للحكومة أشياء لم يرغب أحد في شرائها، ويقول هسيه: "إنهم الآن أشبه بشركات رأس المال المغامر"، حيث تستثمر الحكومات من خلالهم في الشركات الخاصة. سهلت هذه الشراكة على رواد الأعمال القيام بمشاريعهم وفي نفس الوقت تزويد السوق بمنتجات يحتاجها المستهلك.