تنقيح مرسوم الجمعيات في تونس.. محاربة للتمويل الأجنبي المشبوه أم تقييد للحريات؟

أثارت دعوة الرئيس التونسي، قيس سعيد، إلى تنقيح المرسوم المنظم لعمل الجمعيات وقطع التمويل الأجنبي عنها جدلا واسعا في تونس وغضبا من الجمعيات الحقوقية.
Sputnik
حيث جوبه القرار برفض من مكونات المجتمع المدني التي رأت فيه تضييقا على الحريات وتقييدا للعمل الجمعياتي، بينما يرى شق آخر أن هذا التنقيح أصبح ضروريا لمحاربة التمويلات الأجنبية المشبوهة والقضاء على التدخلات الخارجية التي تتم تحت غطاء جمعياتي.
وخلال الاجتماع الوزاري الأخير، دعا رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد إلى إعداد مرسوم يمنع تمويل الجمعيات من الخارج، قائلا: "في الظاهر هم جمعيات ولكنهم امتداد لقوى خارجية".
وأكد سعيّد أنه لن يسمح بدخول هذه الأموال الأجنبية إلى تونس عن طريق الجمعيات "للعبث بالدولة التونسية أو القيام بالحملات الانتخابية"، مشيرا إلى أن تونس دولة سيادة ولا يمكن التدخل في شؤونها باستخدام الضغط المالي.
تلجيم للمجتمع المدني
ونقلت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي لـ "سبوتنيك"، مخاوفها من تحول المرسوم الجديد إلى أداة للضغط على الجمعيات الحقوقية والتضييق على نشاطها.
وأضافت: "المرسوم 88 المنظم لعمل الجمعيات جاء نتاجا لنضالات مختلف مكونات المجتمع المدني التي شاركت في صياغته إبان الثورة، والذي سمح بإرساء حرية تنظم الجمعيات في تونس".
وقالت الزغلامي إن الجمعيات الحقوقية ستقف حائلا أمام تنقيح هذا المرسوم في اتجاه ضرب تكوين الجمعيات أو غلقها أو التضييق على نشاطها، معتبرة أن مشروع التنقيح الجديد يتضمن تضييقا ملموسا على الحريات وتلجيما للمجتمع المدني.
وأشارت الحقوقية إلى أن النشاط الجمعياتي يشغل 20 بالمائة من اليد العاملة في تونس، وتقتات منه المئات من العائلات، مضيفة أن الجمعيات تعاضد مجهود الدولة خاصة في الإحاطة بالفئات الهشة. وذكرت على سبيل المثال ضحايا العنف الذين توجه وزارة المرأة بـ 60 بالمائة منهم إلى خلايا الإحاطة بالجمعية.
وتابعت: "لا يمكن للجمعيات أن تكتفي بالتمويل الداخلي المحدود الذي توفره الدولة، وهو ما يدفعها إلى التعويل على التمويلات الخارجية"، مشيرة إلى أن الجمعيات الحقوقية لا تتعامل مع دول أو سفارات أجنبية إنما مع منظمات وجهات دولية تدعم حقوق الإنسان وليس لديها تعاملات مشبوهة أو توجهات مخالفة لسياسات الدولة التونسية.
وترى الزغلامي أن تنقيح مرسوم الجمعيات "حق أريد به باطل"، وأن الهدف منه ليس محاربة التمويل الأجنبي المشبوه الذي يوجه لدعم الإرهاب وإنما التضييق على النشاط الجمعياتي، على اعتبار أن المرسوم الحالي يسمح للسلطة التنفيذية بتطبيق عقوبات على الجمعيات المخالفة للقانون تصل حد حل الجمعية".
وتساءلت: "لماذا لا تفعل الدولة دورها الرقابي وهي التي لديها كل الإمكانيات للولوج إلى الجمعيات والتدقيق في تمويلها وأنشطتها؟ خاصة وأن الأموال الأجنبية تمر عن طريق البنك المركزي؟ ولماذا لم تحرك السلطات التونسية ساكنا أمام التجاوزات التي قامت بها مثلا جمعية القرضاوي (اتحاد العلماء المسلمين)؟".
وأشارت الزغلامي إلى أن المرسوم الجديد يهدد المكاسب الحقوقية خاصة وأنه لن يكون قابلا للطعن وسيصاغ بطريقة أحادية، قائلة: "حتى وإن تم تشريك المجتمع المدني فإن ذلك سيكون شكليا لأن رئيس الجمهورية أثبت سابقا أنه لا يعتد بآراء المجتمع المدني أو الأحزاب، واختياره لشخصية حكومية من خارج المشاورات خير دليل على ذلك". وأكدت أن الجمعيات الحقوقية لن تلتزم الصمت وأن ردها سيكون قويا.
نسف لمكاسب الثورة
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، لـ "سبوتنيك"، إن تنقيح المرسوم عدد 88 هو خطوة إلى الوراء، معتبرا أن هذا المرسوم مكسب أساسي من مكاسب الثورة.
وأضاف: "منظمات المجتمع المدني لا تعارض الرقابة على مسالك تمويل الجمعيات التي تفرضها الإجراءات القانونية والتي تدخل ضمن مهام الدولة، ولكنّ التجاوزات التي ترتكبها بعض الجمعيات المتورطة في الإرهاب أو في العمل السياسي لا تبرر نسف لمكسب من مكاسب الثورة أسهم بشكل كبير في إرساء حرية التنظم الجمعياتي".
ولفت بن عمر إلى أن محاربة التمويلات المشبوهة لا تقتضي إعداد مرسوم جديد بقدر ما تستوجب تعزيز الدور الرقابي للدولة خاصة على مستوى مراقبة مسار هذه التمويلات والتدقيق فيها.
واعتبر أن التنقيح هو محاولة لوضع اليد على الجمعيات تحت غطاء محاربة الجمعيات المشبوهة، خاصة وأن مشروع التنقيح تضمّن عبارات فضفاضة يمكن أن تمثل منفذا للتضييق على حرية عمل الجمعيات التي مثلت صمام أمان جنّب البلاد العديد من الهفوات خلال العشر سنوات الأخيرة، وفقا لقوله.
وأشار بن عمر إلى أن السلطات التونسية لم تقدم بديلا لتمويل الجمعيات من خلال تعزيز الدعم المالي المقدم لها، مضيفا "ثم إن التمويل الأجنبي ليست بدعة مقتصرة على الجمعيات لان مؤسسات الدولة تعتمد أيضا على التمويلات الخارجية".
خطوة إيجابية عبد الرزاق عويدات
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، يرى عضو حركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، أن مراقبة التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات التونسية أصبحت مسألة عاجلة وضرورية، معتبرا أن تنقيح المرسوم عدد 88 خطوة إيجابية.
وأضاف: "صحيح أن هناك تمويلات خارجية تقدم للجمعيات بغاية دعم حقوق الإنسان في تونس، ولكن في المقابل هناك أموال مشبوهة تستغلها بعض الأحزاب السياسية تحت غطاء جمعياتي".
وقال عويدات إن منع التمويلات الأجنبية المشبوهة خطوة أساسية لتنقية المناخ الاجتماعي والعمل الجمعياتي من شبهات التوظيف اللاحقوقي، مشيرا إلى أن التقارير الرسمية ومنها الصادرة عن محكمة المحاسبات أثبتت أن تمويل بعض الحملات الانتخابية عن طريق الجمعيات التي هي في الأصل واجهة خارجية لبعض الأحزاب السياسية.
ولفت إلى أن تفعيل المراقبة الحكومية على الأموال الأجنبية ومعرفة مصادرها ومسارها أصبح ضرورة ملحة لوقف فوضى التمويلات المشبوهة التي تتأتى من كل حدب وصوب.
ويرى عويدات أن المرسوم عدد 88 يتضمن العديد من الثغرات القانونية التي سمحت بدخول المال الأجنبي المشبوه وتوجيهه إلى مسارات غير قانونية، معتبرا أن تنقيح التشريعات هو الحل للقضاء على هذه الآفة.
ووفقا لمركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات، فإن العدد الإجمالي للجمعيات المسجلة بالسجل التونسي بلغ 24216 جمعية، معظمها تنشط بتونس العاصمة.
ويستند نشاط هذه الجمعيات إلى المرسوم عدد 88 المؤرخ في 24 سبتمبر/أيلول 2011، الذي ينص في الفصل الثالث عشر منه على إمكانية قبول الجمعيات للمساعدات والتبرعات والهبات والوصايا باستثناء الصادرة عن دول أجنبية لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية. كما يشترط المرسوم على الجمعيات نشر مصادر تمويلها الخارجية وقيمتها وموضوعها للعموم.
مناقشة