في الذكرى الـ 19 للغزو.. كيف حولت أمريكا "العراق" إلى بلد فاشل؟
تسعة عشر عاما قضايا العراق تحت نير الاحتلال الأمريكي، الذي حول البلاد إلى شلال دماء سواء بيد العراقيين وبعضهم أو بيد الإرهاب الذي أكدت كل الشواهد أن صناعته تمت في أروقة الغرب.
Sputnikخلال عقدين من الزمان استطاع البيت الأبيض زرع الفتن والمؤامرات والثأر بين أبناء الرافدين، بل جعل البلد النفطي الأكبر في المنطقة يتسول رغيف الخبر، علاوة على انتشار البطالة والفساد والإرهاب المصطنع، بل
ضاعت الدولة سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، حيث انتشرت الظواهر السلبية المتمثلة في الإدمان وتجارة المخدرات والقتل والسرقة، وفقد العراق ثقله الإقليمي والدولي..فكيف استطاعت أمريكا وحلفائها هدم العراق وتحويله إلى دولة "فاشلة"؟
19 سبتمبر 2021, 20:02 GMT
بداية يقول رئيس هيئة إعلام المجلس الوطني للمعارضة العراقية، الدكتور اسماعيل الجنابي، الحادي والعشرون من شهر آذار/ مارس، من كل عام تمر على العراقيين ذكرى الغزو البربري الذي قادته عدوة الشعوب "أمريكا" وحلفاؤها على بلاد الرافدين.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، اليوم تحل علينا الذكرى التاسعة عشرة لهذا الغزو الذي كانت بدايته عام 2003 ، و كان ظاهره المزعوم جلب الديمقراطية ومحاربة الإرهاب في المنطقة ، بينما كان باطنه التعدي على أقدم بنك حضارة عرفتها البشرية منذ نشأتها، ودمار البلاد وقتل العباد وضرب نسيجه المجتمعي الذي كان متراصا منذ عشرات السنين، يضاف إلى ذلك نهب خيرات العراق وطمس معالمه وقتل وتهجير علمائه والسيطرة على موارده.
وتابع الجنابي، لم يكن في أبجديات هذا الغزو أي شيء ايجابي للعراق وشعبه، بل كان العكس منذ ذلك، حيث الفوضى والفساد الذي استشرى في مؤسسات الدولة واقامة نظام سياسي طائفي ولائي بعيد كل البعد عن المفهوم الوطني.
ولفت إلى أن هذا الأمر نتج عنه انعدام السيادة وتسيد أصحاب البنادق المأجورة على مفاصل الدولة وتحويلها إلى مكاتب اقتصادية لأحزابهم السياسية تدر عليهم مغانم شخصية، ليصبح البلد مرتعا لكل من هب ودب دون أي رادع يوقف نشاطهم واعمالهم الاجرامية، وكل هذا العمل الشنيع جرى ويجري أمام مرأى ومسمع المحتل الأمريكي الذي كان السبب الرئيسي في هذا الخراب والفشل الممنهج الذي لم يسلم منه "البشر والشجر والحجر".
وأشار رئيس هيئة إعلام المجلس الوطني، إلى أن أمريكا التي عاثت بأرض العراق فسادا وقتلا، هي نفسها اليوم التي تتباكى وتذرف دموع التماسيح على أوكرانيا التي ساقتها لحرب بالنيابة عن حلفها الأطلسي التوسعي ضد روسيا، التي كشفت ألاعيبها ونواياها الخبيثة التي لم تسلم البشرية منها.
وأوضح أن هذه هي أمريكا الشريرة التي تدعي الإنسانية وحقوق الإنسان حيث سقط قناعها المزيف أمام العراقيين، بداية من أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ومرورا بفضيحة "سجن أبي غريب" وجلب الإرهاب بكل عناوينه ومسمياته، وانتهاءا بتنصيبها للطبقة السياسية الفاسدة في العراق وما نتج عنها من مآسي للشعب العراقي وحرمانه من العيش الرغيد.
ولفت الجنابي إلى أن أمريكا حولت العراق إلى بلد فاشل، بعدما كان ينعم شعبه بالأمن والأمان والاستقرار، فبعد بعد 19 عاما على الحرب والاحتلال، بات العراق بلدا متشظيا وغير مستقر سياسيا، أضعفه الصراع الطائفي الذي أفضى إلى ظهور جماعات ارهابية متشددة، جاء بهما الاحتلالين "الغربي والشرقي" وأصبح السلاح المنفلت هو الأكثر سطوة ونفوذ واجرام على رقاب الأبرياء.
من جانبه يرى المحلل السياسي العراقي، أياد العناز، أنه بعد عقدين من الزمن على احتلال العراق وبداية المشروع الأمريكي، الذي أكد حقيقة النوايا والأهداف العدوانية في مواجهة العراقيين واستهداف حضارتهم وتاريخهم بعد بث مغالطات وأكاذيب سوفت لعملية الغزو البربري، ولكنها لم تتمكن من إقامة ما كانت تحلم به من واحة خضراء وأسس ديمقراطية لتكون نموذج لمنطقة الشرق الأوسط، بسبب الرفض الشعبي للاحتلال واستمرار المقاومة الوطنية المناهضة للعدوان والأساليب العدوانية التي اتبعتها أدوات الشر الأمريكية.
23 ديسمبر 2021, 17:02 GMT
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، الأساليب العدوانية للإدارة الأمريكية فضحت ادعائها أنها أتت لتحرير الشعب العراقي بعد فشلها في إقامة الواحة الخضراء في بغداد وجعلها أنموذجا ميدانيا للمشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والتي لم تكن إلا مزيدا من القتل والتجويع والاغتيال وسفك الدماء والعديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أثقلت كاهل المواطن العراقي وساهمت في زيادة معاناته ومكابداته.
وقال إن الإدارة الأمريكية فشلت في إقامة نظام سياسي ديمقراطي في العراق، واعتبار العراق واحة ديمقراطية للشرق الأوسط و نموذجا للعلاقة بين الشعب وحكومته، فلم يتمكن القائمين على الملف العراقي في الإدارة الأمريكية من تحقيق هذه الأحلام والأمنيات، فأصبح العراق بلدا ضعيفا منهكا وشعبه يكابد ويعاني ويصارع ضنك العيش وانعدام الخدمات والعناية الصحية والرعاية الاجتماعية وزيادة البطالة وانتشار الرشوة والمحسوبية والفساد والافتقار لأبسط مستلزمات العيش الكريم.
وأشار العناز إلى أن الإحتلال الأمريكي أسس لمفاهيم إنعدام دولة المواطنة، وأصبحت الأدوات التي تقود البلاد هي مجموعة من عناصر وشخصيات تنتمي لأحزاب سلطوية هدفها الطموحات الشخصية والغايات الفئوية والمصالح التي تدر عليها الأموال والمنافع الذاتية، فعم الفساد السياسي والإداري والاقتصادي في العراق، وأصبح السمة الأساسية في المشهد وابتعدت الكثير من المفاهيم والقوانين التي كانت تدار بها الدولة قبل الإحتلال، وبدأ المواطن العراقي يلمس حقيقة وطبيعة وحجم الأخطار المٌحدقة التي جاءت بها العملية السياسية في العراق، والتي رعتها وساعدتها الإدارة الأمريكية، التي كانت هي العنصر الفعال في إرساء دعائم وركائز هذه العملية التي تخدم مسارات السياسة الأمريكية واستراتيجيتها في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط .
وأوضح المحلل السياسي، لم يترك الغزو الأمريكي للعراق مجالا إلا وكان له تأثير عليه فعلى الصعيد الاجتماعي والإنساني، كانت من نتائج الغزو الأمريكي للعراق أن بلغت نسب تفشي الأمية وتدهور العملية التربوية وانعدام وسائل التعليم والبحث العلمي مستويات متدنية، عكست حقيقة الأهداف العدوانية للاحتلال مع وجود آثار أكثر حزنا وألما تتعلق بحياة المرأة والعائلة العراقية الكريمة، وأبعادها نتيجة العمليات العسكرية والمداهمات والتحري وإلقاء القبض والمتابعات الأمنية، التي أدت أن تكون نسبة الأيتام في العراق أعلى المؤشرات ارتفاعا بعد مؤشر الضحايا، فالتقديرات الأخيرة الصادرة عن الأمم المتحدة تؤكد تجاوز عددهم الخمسة ملايين يتيم، وهو ما يعادل نحو ثلث أيتام العالم المسجلين، فيما تؤكد أرقام برلمانية صادرة عن لجنة المرأة ارتفاع عدد الأرامل إلى أكثر من مليوني أرملة، يعاني أغلبهم من العوز المادي وقلة الاهتمام الحكومي.
وتحدث في الموضوع أيضا، عمر الفرحان، مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قائلا: خلف الاحتلال الأمريكي تركة كبيرة على المجتمع العراقي من خلال احتلال العراق والقيام بممارسات لاإنسانية، ومن دون أي شك فإن السياسة التي اعقبت الاحتلال والتي لا تزال تدار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، جعلت العراق في مصاف الدول الأكثر فسادا ومن أوائل الدول تخلفا و عدم استقرار، وهذا ما أثر بشكل مباشر على المجتمع العراقي وحقوق الإنسان فيه.
وكنتيجة لهذا الاحتلال وهذه السياسات الخاطئة ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 25 بالمائة، ونشطت تجارة المخدرات وبلغ عدد المغيبين فيه أكثر من 250 الف مغيب، وأصبحت السجون مسالخ تنتزع فيها كرامة الإنسان تحت مسمى الإرهاب والذي اتخذت من الطائفية غطاء لها في تنفيذ سياسة تفككية للمجتمع العراقي، حيث توفي الآلاف من المدنيين تحت التعذيب بدوافع طائفية.
وتابع الفرحان لـ"سبوتنيك"، علاوة على ما سبق برزت مشاكل أخرى تتمثل في ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة، وارتفعت أيضا معدلات الإصابة بالسرطان بين صفوف المدنيين الذين تعرضوا للأسلحة الأمريكية، هذا الاحتلال يعد الأسوأ منذ سقوط بغداد عام 656م عندما دخل هولاكو بغداد، وفي الذكرى التاسعة عشر لاحتلال بغداد لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة بشكل مباشر على ما يجري في العراق من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتدمير المجتمع العراقي، وهي مطالبة باعتذار رسمي للشعب العراقي، والعمل على تصويب أوضاع العراقين ودفع تعويضات وترك العراقيين لبناء مؤسسة سياسية وعسكرية ومدنية وطنية من غير تبعية لأمريكا أو إيران ومحاسبة جميع الذين تسببوا في جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.
أما مسؤول المكتب السياسي لقوى البديل الثوري للتغيير في العراق، علي عزيز أمين، فيقول:، حين قرر الغرب بقيادة أميركا غزو العراق فإنه كان يسير وفق منهج صهيوماسوني للقضاء على بلد الحضارة صاحب السبعة آلاف عام، لتأمين استمرار تفوق الكيان الصهيوني وتحقيق أمنه، وهو الذي لم يتخلَ عن شعار "من النيل إلى الفرات"، وحيث إنه لم يكتفِ بطرفي النيل بل فرض نفوذه حتى على منابع النيل كما في اثيوبيا، فإنه لن يكتفي كذلك بطرفي الفرات، بل هدفه بابل التي يروج على أنها مدينته وإرثه.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، بدأت مؤامرات الغزو منذ العام 1990حين استدرجونا بدفع عملائهم بالكويت بسرقة نفطنا فجرى الذي جرى وكان لهم ما أرادوا، فشنوا عدوانهم عام 1991 بقيادة حلف الناتو وفرضوا حصارا جائرا، وهذه طرقهم الخسيسة بتجويع الشعوب تمهيدا لهدم المجتمعات والقضاء عليها، وحين قررت قيادتنا الانسحاب من الكويت قصفوا أرتال الجيش المنسحب فقتل الآلاف من العراقيين، وهو ما شكل مخالفة قانونية واضحة وصريحة للقانون الدولي ولاتفاقية خيمة سفوان بين العراق ممثلا بوزير الدفاع المرحوم سلطان هاشم، وبين قائد جيوشهم شوارسكوف، كذلك واصلوا جرائمهم بحق الشعب ومنها سياسة التجويع، إذ استمرت طائراتهم برمي المشاعل الحرارية على حقول القمح.
وعاد أمين بالذكرة، موضحا كيف قصفوا ملجأ العامرية وقتلوا المئات من النساء والأطفال وكبار السن حتى جاء عدوان عام ٢٠٠٣ الغاشم دون موافقة الأمم المتحدة، فاحتلوا العراق وحلوا جيشنا بعد أن نصبوا حاكما مدنيا اسمه بول بريمر، كما حلوا جميع أجهزتنا الأمنية، وأعدموا قيادتنا الوطنية أمام صمت مطبق من كل العالم وذهول صادم لما يجري من وحشية وإجرام النظام الأميركي الصهيوني.
وتابع: كما لا يخفى على الجميع جرائم الاحتلال في أبو غريب وما اقترفوه من انتهاكات وحشية لا أخلاقية تجاه العراقيين الأحرار، لكن أبناء العراق انتفضوا بثورة تشرين ليحرروا العراق من النظام العميل الذي نصبته أميركا في بلدنا ومن كل الذيول والعملاء التابعين لهم، وكان قرار الثوار أما النصر أو النصر ولا طريق آخر أمامنا.
بدورها قالت السياسية العراقية، الدكتورة ألاء العزاوي، منذ العام ٢٠٠٣ المنصرف ونحن نستحضر ذكرى العدوان الهمجي في العشرين من آذار، اليوم الذي بدأت به عملية غزو العراق من قبل أميركا و جحافلها المكونة من ٣٤ دولة ليحيل أكبر بنك للحضارة عرفه التاريخ إلى مسرح تعبث به المليشيات والإرهاب، نعم لقد أحالت بلاد الرافدين إلى دولة فاشلة، ولنا بذلك دلالات كثيرة أولها بربرية الهجوم الذي قضى على البنى التحتية للبلد وأحالتها رمادا، حل الجيش العراقي الوطني الذي بني على أسس عقائدية تقدس الوطن وترابه، و استبداله بميليشيات تخضع لأجندات حزبية وطائفية مختلفة المناهل، القضاء على مؤسسة الدولة التي استغرق بناؤها آلاف السنين، فالعراق لم يبنى بثمانين عاما كما يشاع وإنما بني وشيد منذ الحضارات الأولى التي نشأت على أرضه.
وأضافت لـ"سبوتنيك"، عمدت قوات الاحتلال الغاشم و عملائها الذين استخدمتهم لإدارة غزوها بمسرحية تسليم السيادة الهزيلة إلى تهشيم المنظومة المجتمعية ونشر ثقافات غريبة واشاعة الفساد والرشوة و السرقات، فضلا عن جعل العراق وشعبه أرضا خصبة للمخدرات تعاطياً وتجارةً، بعد أن كان نظيفا معافى من امراضها، وتم نشر الإرهاب و عسكرة العراقيين باصطفاف طائفي ضد بعضهم، كان أسلوبا بربريا لنشر الكراهية بين أبناء البلد الواحد، انه غزو بربري
بكل المقاييس، كان هول الصدمات التي تلقاها العراقيون من قبل المحتلين واعوانهم عظيمًا، لكنهم جابهوا المحتل بكل مواقع العراق و لنا في عمليات المقاومة العراقية الباسلة خير دليل، و من ثم جاءت ثورة تشرين العظيمة لتوحد العراقيين تحت راية العراق الواحد، ضد كل معتد سولت له نفسه هدم أرض بابل العظيمة وتحويلها إلى دولة فاشلة، نحن ابناء بابل سنعيد بناء صروحنا وسننهض من جديد.