وباتت الرغبة في تحسين العلاقات أكثر إلحاحا بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ تحاول واشنطن ودول غربية أخرى إقناع السعودية، أكبر مُصدر للنفط في العالم، بزيادة الإنتاج لتعويض الفاقد المحتمل في الإمدادات الروسية.
وحتى قبل الهجوم، عندما كانت الحشود العسكرية الروسية قريبة من الحدود الأوكرانية، كان المسؤولون الأمريكيون يطرقون باب الرياض، لكن رد الفعل الأولي من السعوديين كان فاترا.
وذكرت تقارير أن السعودية تشعر بإحباط وخيبة أمل من طريقة تعاطي الإدارات الغربية وفي مقدمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع التهديدات الأمنية التي تواجهها المملكة، وقد ظهر ذلك في مستوى استقبال رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، إذ كان في استقباله نائب أمير منطقة الرياض.
وكانت الولايات المتحدة تقدم معلومات استخباراتية وتدريبا ودعما فنيا بشأن أنظمة الأسلحة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن ضد جماعة "أنصار الله"، إلى جانب إعادة تزويد طائرات حربية بالوقود أثناء تنفيذ ضربات جوية.
ولكن مع تنامي حصيلة الضحايا المدنيين جراء الضربات وتفاقم أزمة إنسانية باليمن، أصبح الصراع نقطة توتر بين المملكة والولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن.
وبعد فترة وجيزة من توليه منصبه في عام 2020، أوقف بايدن دعم عمليات التحالف الهجومية، وشرع في مراجعة مبيعات الأسلحة للسعودية وكلف مبعوثا خاصا بالضغط على الرياض لرفع حصار التحالف على المناطق التي تسيطر عليها "أنصار الله" من أجل التوصل إلى هدنة.
كما رفض بايدن التعامل مباشرة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باعتباره الحاكم الفعلي للسعودية، وهو ما أغضب ولي العهد.
ونقلت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية عن 3 مصادر متطابقة، أن "إدارة بايدن حاولت ترتيب مكالمة بين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي، لكن توتّر العلاقة بين البلدين أصبح عميقا لدرجة أن الأمر سيستغرق بعض الوقت".
وأكدت الوكالة ما تضمنته تقارير سابقة من أن إعادة بناء العلاقات بين واشنطن والرياض لن تكون سهلة، خاصة أنّ "ولي العهد النافذ في المملكة أصبح ينظر إلى قرار بايدن بتجاوزه والتعامل مع والده الملك سلمان فقط، على أنه إهانة شخصية".
"كما يستاء قادة البلاد أيضًا من الاهتمام الذي أولته الولايات المتحدة لجارتهم الصغيرة قطر، بعد أن أدركوا أن الولايات المتحدة تتصل فقط عندما تحتاج إلى خدمة"، وفقا لبلومبرغ.
الآن تريد أمريكا مساعدة السعودية، لكن السعودية لا تبدي الحماس اللازم.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في تغير الموقف الأمريكي المخاوف من توثيق العرى في علاقات دول الخليج مع الصين وروسيا ضمن محاولتها تنويع مصادر الأسلحة.
ويجتهد المسؤولون الأمريكيون في إبراز الطبيعة الدفاعية للدعم العسكري المقدم لدول الخليج، لكن خبراء يقولون إن هذا الدعم قد يتوسع بحيث يشتمل على عمليات هجومية ضد أنظمة أسلحة "أنصار الله"، وفقا لوكالة رويترز.
لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قالت في نوفمبر/تشرين الثاني، إنه في مواجهة الواقع الجيوسياسي الجديد، وافقت واشنطن على بيع صواريخ ونظام دفاع مضاد للصواريخ للسعودية، بما في ذلك 280 صاروخا جو-جو بقيمة تصل إلى 650 مليون دولار.
وقال مصدران مطلعان لرويترز إن واشنطن أرسلت صواريخ باتريوت وعتادا آخر خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى المملكة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن عملت مع الرياض وجيرانها خلال الأشهر الماضية لمساعدتهم على تعزيز دفاعاتهم، من خلال مبيعات عسكرية أجنبية ومبيعات تجارية مباشرة وتحويلات من أطراف ثالثة، والتي تسمح للدول المجاورة بنقل أسلحة أمريكية الصنع عند الضرورة.
وقال المتحدث "بدعم من الولايات المتحدة، تعترض المملكة العربية السعودية حاليا ما يقرب من 90 بالمئة من هذه الهجمات الجوية (الحوثية)، لكننا بحاجة إلى استهداف 100 بالمئة".
وقالت أنيل شيلين، وهي باحثة زميلة في معهد كوينسي، "بالرغم من أن بايدن، خلال الحملة الانتخابية، أظهر اختلافا بينه وبين ترامب.. إلا أن هذه النبرة تفسح الطريق لمقاربة ترتكز على رغبة أمريكية في الحفاظ على علاقات وثيقة مع هذه الحكومات وعدم المخاطرة بالتراجع وإفساح المجال أمام الصين".