لقاء بين نائبة وزير الخارجية الأمريكية والأمين العام لاتحاد الشغل يثير الجدل في تونس

خلافا لما دأب عليه كبار المسؤولين الأجانب، استهلت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية، عزرا زيا، زيارتها إلى تونس بلقاء مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في خطوة وصفها البعض بأنها خروج عن العرف الدبلوماسي.
Sputnik
والتقت زيا، التي بدأت زيارتها إلى تونس منذ 24 مارس/ آذار 2022، بأمين العام للمنظمة الشغيلة قبل لقائها برئيس الجمهورية وبوزيريْ الداخلية والخارجية وبممثلين عن عدد من المنظمات والهيئات الدستورية.
واعتبر محللون وأطراف سياسية أن هذا اللقاء قد يفتح النار أمام صراع جديد بين المنظمة النقابية التي تحظى بتمثيلية شعبية واسعة وبين رئيس الجمهورية الذي وجّه في أكثر من مناسبة أسهم الاتهامات إلى بعض الأطراف السياسية بالاستنجاد بالخارج وانتهاك سيادة الدولة التونسية وضرب استقلالية قرارها.

خروج عن العرف البروتوكولي

قال الباحث في الشؤون الجيوسياسية، رافع الطبيب، في تعليق لـ "سبوتنيك"، إن لقاء وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان عزرا زيا بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي هو خروج عن العرف البروتوكولي.
واعتبر الطبيب أن الدبلوماسية التونسية أصبحت تعيش في فوضى كبرى على مستوى العلاقات الخارجية بشكل يطرح نقاط استفهام كبرى حول مدى استقلالية القرار الوطني.
وأضاف "أصبح الاعتزاز بالاستقلال الوطني من الماضي بالنسبة للجميع، ويبدو أن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عُرف بتمسكه بالثوابت الوطنية أضاع البوصلة التي كان يقتاد بها سابقا".
ويرى الطبيب أن هذا اللقاء يُفهم من زاوية الاستنجاد بالخارج واستخدام الأطراف الأجنبية للضغط على رئيس الجمهورية، متابعا "دخلت تونس حاليا مرحلة حرب الكل ضد الرئيس، والتي سيتم فيها استغلال العلاقات الخارجية كورقة للضغط على الرئاسة بوصفها نقطة ضعف".

انفلات دبلوماسي

وقال الخبير في الشأن الدولي فريد العليبي في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن تونس تعيش على وقع انفلاتات متكررة على الصعيد الدبلوماسي، انطلقت مع تحركات قادتها حركة النهضة مع أطراف خارجية، آخرها لقاء رئيسها راشد الغنوشي بمسؤولين بريطانيين.
ولفت إلى أن لقاء الطبوبي بوكيلة وزير الخارجية الأمريكية لم يكن اللقاء الأول على مستوى العلاقات الخارجية، حيث سبقته لقاءات مع سفراء أجانب ومع ممثلين عن صندوق النقد الدولي.
وأضاف "هذا الانفلات بات يستخدم من قبل قوى دولية، واتحاد الشغل ينظر إلى المسألة من زاوية أنه إذا ما تم فض التحالف بينه وبين رئيس الجمهورية، فإن ظهر قيس سعيد سيصبح عاريا".
ويرى العليبي أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى التعامل مع الوضع التونسي من خلال ورقات مختلفة، أولها الإسلام السياسي، وثانيها المنظمات النقابية واسعة التمثيلية، من أجل تطويع الرئاسة في اتجاهات تتلاءم مع سياساتها، خاصة وأن الرئيس التونسي قيس سعيد أعطى إشارات تدل على ابتعاده عما تريده الولايات المتحدة مقابل الاقتراب من المحور الجزائري أو الانفتاح على الشرق وبالأساس روسيا والصين، وفقا لقوله.
وقال العليبي إن زيارة المسؤولة الأمريكية تفهم أيضا من جانب مواصلة الضغوط الأمريكية على رئاسة الجمهورية التونسية في علاقة بإجراءات 25 يوليو التي أبدى الأمريكيون امتعاضهم منها، خاصة وأن مجال تخصصها يتصل بحقوق الإنسان والأمن المدني.
وأكدت المسؤولة الأمريكية خلال لقائها بالطبوبي الذي استمر أكثر من ساعة على أهمية احترام الحقوق النقابية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وقيم الحريات العامة والفدية والديمقراطية، مثمنة دور الاتحاد الذي وصفته بالتاريخي في كل الأزمات التي مرت بها تونس.
كما التقت عزرا زيا بوزير الخارجية التونسية عثمان الجرندي، الذي أبلغته بضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة في تونس، وبأهمية حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير في البلاد.

زيارة متعددة الأبعاد

ويرى الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني، أن لقاء وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية بوزير الشؤون الخارجية التونسية ليس بالحدث العابر وأنه يحمل أبعادا متعددة.
ومن ناحية الشكل، قال الجويني إن تأخر قبول وزير الخارجية لاستضافة المسؤولة الأمريكية وتضارب مواعيد عودته من الخارج قد يكون سببا وراء انفتاحها على أطراف أخرى مثل اتحاد الشغل، في خطوة وصفها بأنها خارجة عن نطاق العرف، دون أن يستبعد الرسائل السياسية التي تقف خلف مقابلتها مع المنظمة النقابية.
وأشار الجويني إلى أن غياب ندوة صحفية مشتركة أو بلاغ مشترك للقاءات التي أجرتها المسؤولة الأمريكية مع الجانب التونسي فتح المجال أمام تأويلات مختلفة ومتباينة، "خاصة أن بلاغات الخارجية التونسية اتسمت منذ مدة بالاعتماد المبالغ فيه على لغة فضفاضة حسب متابعين مختصين".
وقال الجويني إن تركيز وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية على"الأهمية الَتي توليها الإدارة الأمريكية الحالية لمسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان في سياستها الخارجية" يمكن أن يفهم منه أن الجانب الأمريكي يحاول لفت النظر لمعالم السياسة الحالية في قطيعة مع سلفه ترامب.
وبيّن خبير العلاقات الدولية، أن تأكيد وزير الخارجية التونسية عثمان الجرندي على التزام تونس باحترام الحقوق والحريات (في بيان الخارجية التونسية) بما فيها حرية التعبير والتجمع والعمل الجمعياتي، دليل على أن هذه الجوانب كانت محل تساؤل من الجانب الأمريكي، خاصة في ظل تواتر محاكمات رأي لمدنيين أمام القضاء العسكري وتغيير المجلس الأعلى للقضاء.
ويعتقد الجويني أن زيارة المسؤولة الأمريكية ليست ببعيدة عن المسار السياسي الذي رسمه رئيس الجمهورية قيس سعيد، وأن استخدام مصطلحات "الشفافية والصراحة"عقب تأكيدها على "ضرورة أن يكون المسار في تونس تشاركيا"، هو إشارة واضحة إلى مشاريع الإصلاح السياسي التي يقودها رئيس الدولة دون الأحزاب والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني.
ويذكر أن زيا التقت أمس بأعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ودعت السلطات التونسية إلى تونس إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقالت في تغريدة على حسابها على تويتر "نحن ندعم هذه المؤسسة الديمقراطية الرئيسية في أداء دورها المنصوص عليه دستوريا لإجراء الاستفتاء والانتخابات".
مناقشة