صحفيو تونس ينتفضون ضد "محاولات تركيع الإعلام وهرسلة السلطة الرابعة"

صحفيون تونسيون يرفعون لافتات كتب عليها "حرية الصحافة خط أحمر" و "سلطة رابعة لا راكعة" خلال تظاهرة خارج المقر الرئيسي لوكالة الأنباء التونسية تونس أفريقيا برس، 15 نيسان/ أبريل 2021
الاحتجاج والإضراب العام في قطاع الإعلام العمومي، هي آخر الخطوات التي ‏اتخذتها نقابة الصحفيين في تونس دفاعا عن استقلالية المهنة ورفضا لما تصفه ‏بالمحاولات المستمرة لتركيع الصحفيين وخدمة أجندة الرئيس.‏
Sputnik
ويتخوف الصحفيون في تونس من تصاعد وتيرة المضايقات التي تطال العديد منهم والتي بلغت حد استعمال العنف "البوليسي" والإيقاف غير المبرر وإحالة البعض منهم على التحقيق في قضايا إرهابية.
وفي يوم الاثنين الماضي، أوقفت السلطات التونسية مراسلا لإذاعة "موزاييك" الخاصة وأحالته على القسم القضائي لمكافحة الإرهاب مدة 5 أيام، على خلفية نشره لمقال إخباري كشف فيه عن تفكيك خلية إرهابية بمحافظة القيروان، ورفضه الكشف عن هوية المصدر الذي أطلعه على هذه المعلومة.
وقبل 4 أيام، أوقفت الشرطة أيضا مصورين صحفيين كانا بصدد تصوير تحرك احتجاجي لحملة "تعلم عوم" (حملة منددة بالانتهاكات البوليسية ضد جماهير الرياضة)، رغم استظهارهما برخصة التصوير. كما وُجهت لهما برقية للتحقيق دون ذكر التهمة.
ويندد الصحفيون التونسيون بارتفاع منسوب الاعتداءات التي تمارس عليهم، والتي بلغت، بحسب وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، 30 اعتداءً خلال شهر يناير/كانون الأول و12 اعتداءا خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، معظمها أثناء تغطية الاحتجاجات.
كما تمثل الوضع الذي يعيشه قطاع الإعلام العمومي مصدر قلق بالنسبة للعاملين فيه الذين استنكروا المحاولات المتكررة الرامية إلى تغيير خطه التحريري في اتجاه خدمة أجندة الرئيس.
ومنذ تاريخ 25 يوليو/ تموز 2021 الذي أقر فيه الرئيس التونسي، قيس سعيد، تجميد نشاط البرلمان وإقالة الحكومة، لم يسمح لأي شخصية سياسية سواء كانت من المعارضة أو من داعمي الرئيس بدخول التلفزيون التونسي الرسمي.
هذا الوضع دفع نقابة الصحفيين إلى اتخاذ قرار الإضراب العام في قطاع الإعلام العمومي يوم 2 نيسان/ أبريل المقبل، إلى جانب تنظيم وقفات احتجاجية دفاعا عن استقلالية المهنة وتحييدها عن التجاذبات السياسية.
القضاء التونسي يفرج عن صحفي بعد أسبوع من احتجازه لرفضه ‏الإفصاح عن مصدره
رسالة لترهيب الصحفيين
وترى نائبة رئيس نقابة الصحفيين، أميرة محمد، في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن "قطاع الإعلام يعيش على وقع تهديد حقيقي للحريات الصحفية".
واعتبرت أن "هذه المخاطر تهدد بتراجع منسوب الحريات إلى مستوى يسبق حتى تاريخ ثورة 14 يناير، مشيرة إلى وجود محاولات متعددة لترهيب الصحفيين".
وتعتبر محمد أن "محاكمة زميلها خليفة القاسمي أمام قطب مكافحة الإرهاب والاستناد إلى قانون الإرهاب عوضا عن المرسوم 115 المنظم للمهنة هو رسالة واضحة المعالم من السلطة والقضاء ومن وزارة الداخلية ومن رئيس الجمهورية لترهيب الصحفيين وتخويفهم".
وأضافت: "مفاد هذه الرسالة هو إذا أراد الصحفيون التعبير عن رأيهم أو الكشف عن الحقائق فإنهم سيكونون عرضة للإحالة على قانون مكافحة الإرهاب أو على المجلة الجزائية أو على مجلة الاتصالات".
وقالت إن "هذه الممارسات غير المسبوقة هي فصل جديد من فصول محاولات تركيع الإعلام بعد الثورة، ومواصلة للنهج الذي اتبعته المنظومة السابقة طيلة العشر سنوات المنقضية".
وتابعت: "لم يتغير شيء بعد الثورة، الأسماء فقط هي من تتغير، ولكن الممارسات بقيت على حالها".
وأشارت أميرة محمد إلى أن "المرسوم عدد 115 وضع على الرفوف، وتم استبداله بقوانين أخرى منها قانون مكافحة الإرهاب، لمجرد تمسّك زميل بالدفاع عن شرف المهنة وحماية مصدره".
وأضافت: "أصبح الصحفيون يحاكمون وكأنهم إرهابيون، على الرغم من أن الخبر الذي تم نشره صحيح مائة بالمائة ومصادره مؤكدة، وعلى الرغم من أن هذه المصادر باتت معلومة لقطب مكافحة الإرهاب، فقد تواصل إيقاف الصحفي مدة 5 أيام وهو ما يثبت النية المبيتة لضرب حرية الإعلام".
ويخضع الصحفيون في تونس إلى العقوبات التي يحددها المرسوم عدد 115 عند ارتكاب تجاوزات، وينص الفصل 11 من هذا المرسوم على أنه "لا يجوز مطالبة أي صحفي أو أي شخص يساهم في إعداد المادة الإعلامية بإفشاء مصادر معلوماته إلا بإذن من القاضي العدلي المختص وبشرط أن تكون تلك المعلومات متعلقة بجرائم تشكل خطرا جسيما على السلامة الجسدية للغير وأن يكون الحصول عليها ضروريا لتفادي ارتكاب هذه الجرائم وأن تكون من فئة المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى".
اعتداءات متكررة على الصحفيين
وصرّح نقيب الصحفيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، لـ"سبوتنيك"، بالقول إن هذه الخطوات التصعيدية تأتي في إطار الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين الذين يتعرضون لصعوبات يومية تعيق عملهم.
وأضاف: "نحن في وضع تنتهك فيه الحريات وكثرت فيه الانتهاكات والاعتداءات على الصحفيات والصحفيين، خاصة أثناء تغطيتهم للأحداث الميدانية والمظاهرات".
وقال إن "الصحفيين باتوا يُلاحقون قضائيا فقط لأنهم نشروا مقالات إخبارية أو تمسكوا بحقهم في الحفاظ على مصادرهم". وتابع "هناك تسخير مبالغ فيه للأجهزة الأمنية و القضائية من أجل اسكات الصحفيين وتخويفهم وثنيهم عن القيام بمهامهم وواجبهم المهني والأخلاقي".
ويرى الجلاصي أن "الحرية في تونس أصبحت مهددة، قائلا إن واجب النقابة هو الدفاع عن منظوريها من الصحفيين والإعلاميين والمصورين وعن حرية الصحافة والتعبير بوصفها آخر قلاع الحرية في تونس".
واعتبر الجلاصي أن "إحالة صحفي على قطب مكافحة الإرهاب هي سابقة خطيرة لم تعهدها تونس"، مؤكدا أنه "تم التحقيق مع الصحفي "خليفة القاسمي" في قضية إرهابية يحاكم فيها 28 شخصا، بينهم متهمون بالإرهاب".
وفي 25 مارس الجاري، وتزامنا مع الوقفة الاحتجاجية التي نفذها الصحفيون، تم الإفراج عن الصحفي خليفة القاسمي، مع الإبقاء عليه في حالة سراح.
نقابة الصحفيين التونسيين تدعو لوقفة احتجاجية لمواجهة "انحراف الخط التحريري" لمؤسسة التلفزة
إضراب عام يوم 2 أبريل
وقال نقيب الصحفيين إن الصحفيين سيواصلون تحركاتهم دفاعا عن استقلالية الإعلام، مؤكدا استعدادهم لإنجاح إضراب 2 أبريل، الذي قال إنه يأتي على خلفية تواتر التضييقات على الصحفيين خاصة في مؤسسة التلفزة الوطنية، مشيرا إلى أن النقابة ستبقى منفتحة على التفاوض قبل هذا التاريخ.
وتتمثل مطالب الإضراب في "رفض تعيين رؤساء مديرين عامين لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، ولمؤسستي التلفزة والإذاعة التونسيتين، حسب عقود برامج وأهداف تتقاطع مع سياسات المحاباة".
كما تطالب النقابة ومنظوروها، بإنهاء كل أشكال "الانحراف بالخط التحريري لمؤسسة التلفزة التونسية، بوصفها مرفقا عموميا يتطلب التوازن والاستقلالية والتعددية، والنأي به عن أي تجاذبات سياسية وسلطوية".
كما تدعو النقابة الحكومة إلى "تفعيل كل الاتفاقيات السابقة الممضاة بين نقابة الصحفيين والمؤسسات المذكورة التي تشمل الحقوق المهنية والمادية للصحفيين".
مناقشة