الرئيس التونسي يعلن بدء الحوار الوطني… فما هي ملامحه ومن سيشارك فيه؟

يعيش التونسيون على وقع حالة ترقب لمآلات الحوار الوطني الذي أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد انطلاقه، وسط تساؤلات عن فحواه وعن الأطراف المعنية بالمشاركة فيه.
Sputnik
وعلى الرغم من أن فكرة الحوار الوطني تحظى بإجماع واسع من مختلف الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني، التي ترى فيه مخرجا من حالة الجمود السياسي والهشاشة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إلا أن غالبيتهم يحملون توجسا من توجه الرئيس نحو إقصاء جميع الأحزاب بما فيها الداعمة لمسار 25 يوليو/ تموز ومن استغلال هذا الحوار كغطاء لتنفيذ "أجندته السياسية".
مسؤول تونسي: ارتفاع الأسعار أدى إلى انخفاض الاستهلاك لدى المواطنين
و قال رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، أمس الاثنين، خلال لقائه بعدد من البرلمانيين الأوروبيين إن "الحوار الوطني قد انطلق فعلا وسيكون على قاعدة نتائج الاستشارة الإلكترونية"، وذلك من أجل الإعداد لتنظيم الاستفتاء وإجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وخلال الأيام الأخيرة، كثف الرئيس قيس سعيد من لقاءاته مع ممثلي المنظمات الوطنية على غرار اتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، وعمادة المحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، واتحاد المرأة.
وحتى الآن، لم يستقبل الرئيس التونسي أي طرف سياسي سواء من الشق المساند له أو المعارض لتوجهاته، بل إنه رسم خطا أحمرا جديدا للمشاركين في الحوار يستثني "من حاول الانقلاب على الدولة وتفجيرها من الداخل ومس استمراريتها"، في إشارة إلى البرلمانيين الذين شاركوا في جلسة 30 مارس/ أذار لإبطال الإجراءات الاستثنائية.
فرنسا تدعو تونس للتوصل بسرعة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي
ويؤكد سعيد أن الحوار سيقتصر على "الوطنيين الصادقين المخلصين"، وأنه لن يتحاور مع "من نهب مقدرات الشعب ونكل به"، في وقت تؤكد فيه قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل أن "التشاركية ستكون سيدة الموقف لرسم مستقبل تونس مع القوى السياسية والمدنية التي تتقاطع في الأفكار".

حوار لمصلحة الشعب

وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، قال طارق الماجري، رئيس تنسيقية مساندة لقيس سعيد منذ الانتخابات الرئاسية، إن الحوار الوطني كان مطلبا شعبيا دعا إليه المواطنون تحت رقابة رئيس الجمهورية.
تونس... "صمود" يدعو إلى تعجيل الإعلان عن لجنة صياغة البدائل السياسية
وشدد على أن هذا المطلب ترافق منذ البداية مع شرط أساسي وهو "عدم مشاركة أي حزب من الأحزاب التي حكمت البلاد في العشرية الأخيرة وتسببت في خرابها وعلى رأسها حركة النهضة وقلب تونس وتحيا تونس إلى جانب المنظمات الفاسدة".
وأضاف: "لن نقبل بعودة هذه الأطراف التي نكلت بالشعب والتي تسعى حاليا إلى العودة إلى المشهد السياسي من خلال الحوار الوطني مستخدمة أساليب قذرة مثل الاستقواء بالخارج والإضرابات العشوائية التي شملت العديد من القطاعات الحيوية مثل نقل القمح".
وأكد الماجري على ضرورة القطع مع الحوارات السابقة، مشيرا إلى أن الشعب طالب بحوار يفضي إلى إيجاد حلول لمشاكله وليس لمشاكل الأحزاب السياسية الراغبة بالمشاركة فيه.
وأضاف أن الحوار الوطني سيضم فقط الشخصيات المعروفة بنظافة اليد وبخلو رصيدها من الفساد ومن سوابق تزوير الانتخابات وأنه يستثني من ساهم في تدمير الدولة.
ولفت الماجري إلى أن الحوار مع الشعب انطلق فعلا من خلال عرض مقترحات المواطنين عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بالاستشارة الشعبية بعد أن تمت مساءلتهم في محاور شتى تتعلق بالجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف أن الحوار يجب أن يفضي إلى إصلاح المسار السياسي من خلال تعديل نظام الاقتراع من القائمات إلى الأفراد تجنبا لصعود لوبيات المال والفساد وتمكينا للشباب من المشاركة في الحياة السياسية وتمثيل جهتهم بطريقة ديمقراطية وتحت رقابة هيئة مستقلة للانتخابات، قائلا: "نريد أن نقطع مع الانتخابات المزورة التي يتم فيها استخدام أصوات الموتى والمواطنين غير المسجلين".
الحوار لم ينطلق
على الجانب الآخر، يرى الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي في حديثه لـ "سبوتنيك" أن الحوار الوطني لم ينطلق كما صرح بذلك رئيس الجمهورية، قائلا: "الحوار ينطلق فعلا حينما تجلس الأطراف السياسية والمدنية على طاولة الحوار وتطرح 3 محاور أساسية وهي النظام السياسي، ومنظومة الانتخابات بما فيها نظام الاقتراع، والوضع الاقتصادي".
ويرى المغزاوي أن حديث رئيس الجمهورية عن الحوار هو أمر مهم ولكن يجب أن يتم تجسيمه على أرض الواقع من خلال إشراك جميع الأطراف التي دافعت عن مسار 25 يوليو واعتبرته فرصة لإنقاذ البلاد من المأزق الذي وقعت فيه.
وتابع: "رئيس الجمهورية يؤكد أن الحوار سيكون مع الصادقين والمخلصين ونحن نوافقه في ذلك، وما عليه سوى تجميع هذه الأطراف والتحاور معها من أجل المرور إلى الاستحقاقات الانتخابية القادمة، إذ لا يمكن إجراء الاستفتاء والانتخابات في ظل حالة الركود السياسي التي تعيشها البلاد".
وشدد المغزاوي على ضرورة تأمين المناخ الملائم لإجراء هذه الاستحقاقات من خلال فتح باب الحوار حول القضايا الكبرى وعلى رأسها المسألة الاقتصادية، وذلك لتشجيع المواطنين على الإقبال على العملية السياسية التي يجب أن يرى فيها تأثيرا إيجابيا على حياته اليومية.
ولفت المغزاوي إلى أن الهدف من الحوار الوطني هو خلق هذه الديناميكية من أجل الذهاب إلى انتخابات في أسرع وقت ممكن وإنهاء الفترة الاستثنائية.

فرض لمشروع الرئيس

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري طلال حفظ الله إن المنهج الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية لا يمكن أن يصنف كحوار وطني، مشيرا إلى أن الحوار يفترض لقاء بين مختلف الفرقاء السياسيين والمدنيين وطرح تصورات مختلفة والاتفاق على طريق مشترك للخروج من الأزمة، لا أن يكون لقاء بين من يشتركون في نفس التوجه.
ولفت إلى أن أحد أهم دواعي الحوار هو خفض منسوب التوتر وتحقيق الاستقرار السياسي لتوفير أرضية ملائمة للإصلاحات الكبرى، مضيفا: "إقصاء المنافسين والمعارضين لن يفضي إلى نتيجة بل إنه سيعمق حالة التوتر السياسي".
وقال حفظ الله: "يجب أن يكون الحوار تحت إشراف شخصية جامعة، في حين أن رئيس الجمهورية هو طرف في النزاع ولا يمكن أن يلعب دور الخصم والحكم في نفس الوقت، وكان من الأجدى إدخال طرف ثالث على غرار اتحاد الشغل".
عبير موسي: قدمنا شكاوى ضد الاستشارة الإلكترونية لكن القضاء رفضها لعدم إحراج قيس سعيد
ويرى حفظ الله أن رئيس الجمهورية تجنب إدارة اتحاد الشغل للحوار خوفا من أن يخرج على الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها، قائلا: "من الواضح أن الرئيس لا يرغب في الحوار لأنه مصر على فرض سياسة الأمر الواقع والمضي في مشروعه الشخصي المتمثل في تغيير النظام السياسي واعتماد النظام القاعدي".
ويعتقد حفظ الله أن الحوار الوطني ليس سوى واجهة لخفض ضغط الأطراف الأجنبية التي تصر على إشراك مختلف القوى المدنية والسياسية في الحوار وفي مختلف المحطات القادمة.
مناقشة