صحفيو تونس في مرمى التضييقات... 17 اعتداء خلال شهر مارس

يبدو أن مسلسل الاعتداءات على الصحفيين في تونس لا يعرف التوقف، إذ وثقت نقابة الصحفيين في تونس ارتفاعا جديدا للاعتداءات على المنتسبين إليها خلال شهر آذار/مارس المنصرم.
Sputnik
ورغم تعدد الجهات التي تمارس هذه الاعتداءات، من الأمن والقضاء والسياسيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الضحية واحدة وهم الصحفيون مع الاختلاف في الأسماء والمؤسسات الإعلامية التي ينتمون إليها.
17 اعتداء في شهر مارس
ومرة أخرى، سجّلت وحدة الرصد التابعة للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين 17 اعتداءً على الصحفيين من أصل 23 إشعارا بلغها خلال الشهر المنقضي.
وتؤكد عضو وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للصحفيين خولة شبح لـ "سبوتنيك"، أن منسوب الاعتداءات على العاملين في القطاع شهد ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة.
وقالت شبح إن "عدد الاعتداءات ضد الصحفيين خلال الشهر المنقضي ارتفع بمقدار خمس حالات عن الشهر الذي سبقه، والذي وثّقت فيه وحدة الرصد 12 اعتداءً على الصحفيين.
وأضافت: "خلال شهر مارس، تم منع الصحفيين من أداء عملهم في أربع مناسبات متتالية، وهناك ممارسة جديدة ظهرت خلال هذا الشهر، وهي اقتياد الشرطة للصحفيين إلى مراكز الأمن في مناسبتين، وتحرير محاضر بحث في حقهم، ثم تمريرهم إلى وكيل الجمهورية حيث يتم حفظهم".
واعتبرت شبح أن هذه الممارسات هي "مواصلة لسياسة الهرسلة (مصطلح مفرنس بمعنى المضايقة)" التي ينتهجها الأمنيون ضد الصحفيين.
وأشارت المتحدثة إلى تسجيل حالتي احتجاز تعسفي لصحفيين، و3 حالات هرسلة وتهديد واعتداء جسدي.
وأضافت: "نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي انخرطوا أيضا في مسلسل الاعتداء على الصحفيين، حيث تم تسجيل حالتي تهديد وتحريض ضدهم، إلى جانب اعتداءات أخرى صدرت من منتسبين لجمعيات رياضية، وسياسيين، ومسؤولين في شركات خاصة، وموظفين عموميين، باعتداء واحد لكل منهم".
شهر الملاحقات القضائية
ولفتت منسقة وحدة الرصد إلى أن شهر مارس المنصرم اتسم بظهور "صنف جديد" من الاعتداءات في المجال الاعلامي، وهو الملاحقات القضائية، مشيرة إلى تسجيل 6 ملاحقات للصحفيين، من بينها 3 إحالات لصحفيين من نفس المؤسسة على قانون مكافحة الإرهاب.
وتابعت: "سجلنا أيضا محاولة لتوصيف جديد لملف الصحفية شذى الحاج مبارك في علاقة بإحالتها إلى قطب مكافحة الإرهاب فيما يعرف إعلاميا بقضية شركة "إنستالينغو"، ولحسن الحظ ربحت هيئة الدفاع ملف النقض وتم إعادتها إلى صبغتها المدنية".
ونقلت شبّح قلقها من "دخول الجهات القضائية" بقوة على خط الاعتداءات على الصحفيين، سواء من خلال إحالة أهل المهنة خارج إطار المرسوم 115 المنظم لقطاع الإعلام، أو من خلال مصادرة حقهم في العمل"، مشيرة إلى القرار القضائي الذي صدر مؤخرا وتم بمقتضاه منع صحفيين من التصوير في الفضاء الخارجي للمحكمة في قضية رأي عام، وهي قضية الشاب عمر العبيدي، والتي يمثل الأمنيون طرفا متهما فيها.
طبيعة الاعتداءات المسجلة تكشف إرادة من السلطة لوضع القانون المنظم لقطاع الصحافة في الزاوية (إهماله)، وتعويضه بتشريعات بديلة تنطوي على "تضييقات عدة" على المهنة، وعلى محاولات "لتطويع الإعلام" في اتجاه واحد.
وأضافت: "هذا الارتفاع في منسوب الاعتداءات على الصحفيين طرح العديد من الأسئلة عن ارتباطه بالضمانات القانونية المتوفرة في التشريعات الحالية لحماية الصحفيين، سواء في مجال حرية العمل، أو حماية المصادر، أو التراخيص المنظمة لعمل الصحفيين، وهي محدودة".
ممارسة شبه يومية
ويثير ارتفاع منسوب التضييقات على الصحفيين مخاوف لدى أهل المهنة من تحوّل هذه الممارسات إلى واقع يومي يتم التعامل معه على أنه مسألة عادية، كما يخشى البعض من العودة بقطاع الإعلام إلى مربع "تكميم الأفواه".
وتقول وحيدة قادر (29 سنة)، وهي صحفية بمؤسسة إعلامية أجنبية لـ "سبوتنيك"، إن "التضييق على الصحفيين بات حدثا شبه يومي يحدث على مرأى ومسمع السلطات وتوثقه أحيانا عدسات الكاميرا دون أن تحرك الجهات المعنية ساكنا".
وأضافت: "بالكاد يمر تحرك احتجاجي دون أن يقع فيه الاعتداء على الصحفيين، سواء من قبل الأمنيين، أو على يد المحتجين الذين يعمدون إلى الاعتداء الجسدي، أو اللفظي على الصحفيين، فقط لأن مؤسساتهم الإعلامية لا تتبنى توجه الحزب أو الجهة التي يدعمونها".
وتستغرب الصحفية التونسية زينة البكري في حديثها لـ "سبوتنيك" من "إمعان الجهات الأمنية" في هرسلة الصحفيين، وعدم احترام دورهم في إيصال المعلومة إلى المواطن، منتقدة ظهور "ممارسات جديدة" من قبيل مطالبة الأمنيين للصحفيين بالاستظهار برخصة التصوير في الأماكن العمومية، عوضا عن الاستظهار ببطاقة الصحفي المحترف التي تدعمها أصلا الهياكل الرسمية.
وقالت زينة إن "الجهات الرسمية أصبحت طرفا في الاعتداءات الممارسة على الصحفيين والتضييق على عملهم".
وأكدت أن عددا من الوزارات والهياكل الرسمية باتت تفرض على الصحفيين إرسال قائمة بأسمائهم لتغطية أنشطتهم، بينما كان الأمر يقتصر في السابق على رئاستي الحكومة والجمهورية وبعض الوزارات الحساسة.
وشددت على أن الحصول على المعلومة الرسمية بات مهمة عسيرة منذ 25 يوليو/تموز الماضي.
ضحايا التجاذبات السياسية
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، لفت الكاتب الصحفي، وعضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين، عبد الرؤوف بالي، إلى أن الصحفيين هم "الضحية الأولى" للمراحل التي تشهد ضبابية سياسية وتصعيدا في التجاذبات السياسية في تونس.
وتابع: "هذا الأمر ينعكس في ارتفاع وتيرة الاعتداءات على أهل القطاع، وهو ما لوحظ منذ 25 يوليو إلى اليوم"، مشيرا إلى وجود "استهداف واضح وممنهج" للصحفيين في الآونة الأخيرة.
طهران: المعلومات عن تزويد إيران لروسيا بالأسلحة "لا أساس لها من الصحة"
وقال بالي إن "هذه الاعتداءات تصدر من مختلف الأطراف سواء من قبل أنصار رئيس الجمهورية أو أنصار معارضيه أو من بعض أجهزة الدولة وخاصة وزارة الداخلية".
ويرى بالي أن هذه الممارسات باتت تمثل "خطرا حقيقيا" على حرية التعبير في البلاد، لأن تكرار محاولات الترهيب والتهديد قد يؤدي فعلا إلى تخويف الصحفيين وإثنائهم عن القيام بواجبهم في تقديم معلومة صحيحة ومتكاملة للمواطن.
واعتبر بالي أن الاعتداء على الصحفيين مرتبط بعقلية من حكموا البلاد منذ عام 2011 إلى اليوم، وعدم إيمانهم بأن الديمقراطية لا يمكن أن تبنى في غياب حرية التعبير، مشيرا إلى أن مسلسل الاعتداءات على الصحفيين انطلق زمن "الترويكا"، مع حركة النهضة وحلفائها، ومن ثم مع حركة "نداء تونس"، وتواصل مع الائتلاف الداعم لحكومة هشام المشيشي، واستمر في فترة ما بعد 25 يوليو.
ويعتقد بالي أن هذه الممارسات تعكس "غياب ثقافة الديمقراطية" في المجتمع السياسي التونسي، مشيرا إلى أن معالجتها "لا تتم فقط على مستوى التصدي القانوني والقضائي"، وإنما من خلال ترسيخ ثقافة حرية التعبير لدى النخبة السياسية التي ترفض تبني الفكر الديمقراطي والحق في حرية التعبير وفي الاختلاف.
مناقشة