اضطراب الأسواق وهلع المستثمرين... لماذا يتجه الاقتصاد الأمريكي نحو أزمة عميقة؟

أكد خبراء أن حالة عدم الثقة في مستقبل الاقتصاد الأمريكي تسيطر على المشهد في الوقت الراهن، وأنها دفعت لهروب الاستثمارات الأجنبية بشكل تدريجي.
Sputnik
وبحسب الخبراء فإن الانهيار الذي عاشته "وول ستريت"، يوم أمس الخميس، مع تراجعات هائلة لأسهم أكثر من 95% في المئة من أكبر شركاتها، يرتبط بالعديد من الأسباب؛ منها سوء الإدارة والتخوفات من مستقبل الاقتصاد الأمريكي وحالة الركود المتزايدة.
ويرى الخبراء أن المؤشرات تشير إلى ارتفاع احتمال الركود في الاقتصاد الأمريكي، وهروب تدريجي تخوفا من فرض العقوبات الذي تنتهجه واشنطن.
"دويتشه بنك" يتوقع ركودا عميقا للاقتصاد الأمريكي

زلزال وول ستريت

في تعاملات يوم الخميس 5 مايو/ آيار، هبط مؤشر "داو جونز" الصناعي 1063 نقطة أو 3.12% إلى 32997.97 نقطة، وخسر "ستاندرد أند بورز 500" نحو 153 نقطة أو 3.56% إلى 4146 نقطة، فيما هوى مؤشر "ناسداك" المجمع 647.17 نقطة أو نحو 5% إلى 12317 نقطة.
من ناحيته قال الدكتور أيمن عمر إن الوضع تغير اليوم بالنسبة لعملية التأثير والتأثر بين الاقتصاد العالمي والأمريكي، وإن الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كورونا انعكست تداعياتها على الاقتصاد الأمريكي، المتوقع أن يُصاب بركود.
وتشير البيانات والتوقعات الرسمية إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سيتراجع إلى 3.7% عام 2022، وإلى نحو 2.3% عام 2023 بعد أن بلغ 5.7% عام 2021، وهو أعلى مستوى له منذ نصف قرن.
وبحسب الخبير اللبناني، زاد معدل التضخم في أسعار المستهلكين بمعدل سنوي 7.9% في شباط، وارتفعت أسعار المواد الغذائية 7.9%، وتكاليف السكن 4.7%، والملابس بنسبة 6.8%، وتكاليف الطاقة بنسبة 32%، والبقالة بنسبة 10%، وزيادة الإيجار بنسبة 4.4%.
ولفت إلى أن الفيدرالي الأمريكي لجأ إلى استعمال السياسة النقدية الانكماشية عبر زيادة الفوائد من أجل كبح لجام التضخم، معتمدا على النظرية الاقتصادية التقليدية التي تدعو إلى ذلك، حيث رفع سعر الفائدة القياسي بمقدار نصف نقطة مئوية، إلى نطاق يتراوح بين 0.75% و1% وهي أعلى زيادة في أسعار الفائدة منذ 22 عاما.
تباطؤ نشاط التصنيع في الولايات المتحدة وسط مخاوف من ركود اقتصادي
ويرى عمر أن الإجراء له انعكاسات عديدة على الداخل الأمريكي، حيث ستتوجه الفوائض المالية في المصارف الأمريكية للاستثمار في السندات الأمريكية، وخاصة قصيرة الأجل التي تبلغ حوالي 8 تريليونات دولار بعد توجه رؤوس الأموال نحو الملاذ الأكثر أمنا، وهو الذهب.
وأشار إلى أن تأثير هذا الأمر سيكون سلبيا على قيمة الدولار، في ظل السعي للحفاظ على القدرة الشرائية لرؤوس الأموال من التآكل بفعل التضخم وللحصول على مردود مالي منها.
وأوضح أن تداعيات الإجراء لن تقتصر على الداخل الأمريكي، بل تتعداه إلى الأسواق المالية العالمية وعلى المصارف المركزية، وهو ما تمثل في زيادة المصارف المركزية الخليجية لأسعار فوائدها تجنبا لهجرة أموالها إلى الولايات المتحدة.
وبحسب عمر فإن اتباع السياسة النقدية الانكماشية له انعكاسات سلبية على النمو الاقتصادي، إذ يؤدي إلى انكماشه أكثر فأكثر، وخاصة إذا لم تتزامن مع سياسات تحفيزية للاقتصاد.

فخ "فولكر"

تخوفات أخرى ترتبط بإمكانية وقوع الاقتصاد الأمريكي مجددا في فخ "فولكر" كما حدث بين أعوام 1979- 1981، عندما لجأ رئيس الفيدرالي الأمريكي آنذاك بول فولكر إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية بلغت 20% للجم التضخم الذي اجتاح الولايات المتحدة، وكانت النتيجة ركود اقتصادي كبير في الولايات المتحدة.
في الإطار قال الخبير الاقتصادي عماد عكوش، إن العديد من الأسباب وراء تراجع أداء الاقتصاد الأمريكي منذ نحو عامين. وبحسب حديث عكوش لـ"سبوتنيك"، يأتي على رأس هذه الأسباب وباء كورونا، والذي كان له كبير الآثر على الاقتصاد الأمريكي.
خبير مصري: الولايات المتحدة تحرق العالم بنار التضخم ورفع سعر الفائدة
أما السبب الثاني يتمثل في ارتفاع اسعار الطاقة، الذي أدى إلى تضحم أسعار السلع الاستهلاكية وتراجع الإنتاج، الذي اتضح من خلال مؤشرات الاستهلاك.
سبب ثالث تمثل في ارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقابل اليورو الأوروبي واليوان الصيني، بنسبة تزيد على 15%، مما أدى إلى تراجع المنافسة التصديرية للسلع الأمريكية في الخارج، بحسب الخبير.
ويذكر عكوش أن السبب الرابع يتمثل في رفع معدل الفائدة، والتي اعتمدها الفيدرالي وأدت إلى الهروب من البورصات إلى التوظيف في المصارف على شكل ودائع، طمعا في الحصول على معدلات فوائد مرتفعة.
أما السبب الخامس يرتبط بضعف الآداء، والذي ترجم في ارتفاع قيمة الدين العام الأمريكي، إذ تجاوز خلال أزمة كوفيد حجم الناتج القومي، مما يهدد أداء الاقتصاد في المستقبل. وأشار إلى أن هذه المؤشرات تعني عدم ثقة في مستقبل الاقتصاد الأمريكي، ويدفع المستثمرين إلى الهروب من السوق الأمريكية.
ولفت عكوش إلى أن السبب السادس مرتبط بـ"العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا" التي تركت آثارها السلبية على واقع الاقتصاد الأمريكي، وأدت لتخوف المستثمرين الأجانب، وخاصة التابعين لدول مهددة بعقوبات واشنطن، ما دفع إلى الانسحاب تدريجيا من السوق الأمريكية.
البنك المركزي الأمريكي يعلن عن أكبر رفع لسعر الفائدة منذ عام 2000

الروبل يهدد الدولار

فيما قال سواهلية أحمد، الاقتصادي الجزائري، إن معدلات التضخم في أمريكا لم يشهدها الاقتصاد هناك منذ أكثر من 30 عاما، والذي جاء نتيجة ارتفاع السلع واسعة الاستهلاك.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن نسبة التضخم في الاقتصاد الأمريكي صعدت لأعلى مستوى، ما دفع الفيدرالي الأمريكي لمحاولة الحد من التضخم.
ولفت إلى أن وتيرة رفع الفائدة الأخيرة كانت الأعلى منذ مدة طويلة، ما يعني أن الإجراء الذي اتخذته واشنطن معني باستقطاب الكتلة النقدية، وهو ما يترك المزيد من الآثار الوخيمة للاقتصاد الأمريكي، وأنه ينفر الاستثمارات الأجنبية بقدر كبير.
ويرى أن ضعف الدولار أمام بعض العملات وعلى رأسها الروبل الروسي، يضعف السياسة النقدية الأمريكية. ولفت إلى أن الإجراءات التي اتخذها الجانب الأمريكي تساهم في إضعاف الاستثمار وتدفع نحو زيادة احتمالات الركود، خاصة مع الاضطراب في سلسلة التوريدات العالمية.
مناقشة