التصريحات الإعلامية التي يطلقها أطراف الصراع يتهم كل طرف الآخر بأنه المستفيد من الهدنة، في الوقت الذي تنفي كل الأطراف تحقيق مكاسب.. إلى أي مدى يمكن أن تستمر تلك الهدنة وما الذي قد يدفع الأطراف المتحاربة لقبول ذلك؟
بداية يقول الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني بصنعاء، العميد عزيز راشد، بالنسبة للهدنة الجارية الآن، فقد سعت كل من حكومة صنعاء والمبعوث الأممي إلى إخراج تلك الهدنة منذ البداية وفق ما تم الاتفاق عليه من مطالب رئيسية تتمثل في فتح المطارات والموانئ أمام السفن والمشتقات النفطية وكذلك بالنسبة للعالقين والمسافرين والمرضى.
نوايا جادة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن كل تلك الوعود والمطالب لم ينفذها الجانب الآخر، بل استمر في منع وصول الطائرات من القاهرة والأردن إلى مطار صنعاء، وبالتالي الهدنة التي تم الاتفاق عليها لم يتم تنفيذها على الإطلاق، إنما هناك مراوغة من الطرف الآخر ومحاولة لفرض مزيد من الضغط الاقتصادي الخانق على الشعب اليمني، الأمر الذي كشف هدف "العدو" من الهدنة وهى أن يأخذ استراحة محارب من أجل لملمة قواه وأوراقه المتناثرة والمتناقضة وجمعها فيما يسمى "المجلس الرئاسي"، لكي يؤهلهم ويجند مرتزقة جدد والقيام بأعمال أخرى فيما بعد ما يسمى بالهدنة "غير المنفذة".
وأكد الخبير العسكري، أنه "لم تكن هناك نوايا ورغبات جادة من قبل العدو لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، إنما أرادوا أن يداهنوا من أجل إعداد أنفسهم خصوصا في ظل الأزمة الدولية الحالية، ونحن ندرك ذلك ولدينا جاهزية كبيرة رغم أننا نسعى إلى السلام الحقيقي وعدم القتال، إلا أن هناك رغبات أمريكية صهيونية لا تريد إنهاء الحرب ورفع الحصار، كما أن هناك قلقا صهيونيا أمريكيا، ظهر ذلك مؤخرا بتواجد الأسطول الأمريكي والفرقاطات في البحر الأحمر والبحر العربي كي يكون هناك فهم مرسوم حسب السياسات الغربية، وإعطاء السعودية فرصة لتجميع قواها والزج بمرتزقتها، وبكل أسف كان هناك أكثر من 4 آلاف خرق للهدنة من جانب العدوان، ولم تنقطع خروقاتهم حتى اليوم وليس على مستوى تلك الهدنة فقط، بل أيضا على اتفاق ستوكهولم والمتعلق بمحافظة الحديدة".
الجانب الإنساني
وتابع راشد، أن "دول العدوان لم تكن يوما جادة في أي من الملفات، حتى المتعلقة بالجانب الإنساني، فلم يكونوا جادين في ملف الأسرى "الكل مقابل الكل" أو إطلاق مجموعات مقابل مجموعات، ومؤخرا أعلنوا عن إطلاق عدد من الأسرى واتضح بعدها أنهم من المقيمين غير الرسميين بالسعودية".
وحول المكاسب التي حققتها صنعاء من تلك الهدنة يقول الخبير العسكري، بالفعل هناك استفادة لنا من تلك الهدنة على المستوى العسكري تمثل في التدريب والتأهيل والإعداد الكامل، أما على المستوى الإنساني فليست هناك أي مكاسب، نحن ندرك ما بعد الهدنة لذا نعد أنفسنا بشكل جذري ورئيسي وعلى أعلى المستويات وأيدينا على الزناد إن لم تكن هناك جدية ورغبة حقيقية للسلام لدى الطرف الآخر.
خروقات للهدنة
وعلى جانب آخر، يقول الخبير العسكري اليمني، العميد ثابت حسين، في اعتقادي أن تلك الهدنة حتى الآن لم تحقق شيئا ملموسا وبشكل نوعي على الأرض فيما عدا وقف إطلاق النار المصحوب بالكثير من الخروقات من جانب الحوثيين "أنصار الله" وبشكل خاص في جبهة الضالع.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، لا شيء ولا مكاسب واضحة من تلك الهدنة سوى وصول بعض شحنات النفط وبعض الرحلات الجوية وهذه لا تعبر عن المكاسب التي كانت مأمولة من وراء تلك الحرب.
وأوضح حسين أن تمديد تلك الهدنة وارد، خاصة وأن كل الأطراف سواء الشرعية أو الأطراف الدولية ترغب في ذلك، وبالنسبة للحوثيين رغم أنهم لن يلتزموا بأي هدنة وينتظروا أي فرصة لخرقها أو التخلي عنها، لكن ما قد يدفعهم لقبول تمديد الهدنة، أن لديهم مشاكل كثيرة متعلقة بالوضع الاقتصادي والمعيشي وضعف الدعم اللوجستي، علاوة على أن موقفهم مرتبط بقدر كبير بالموقف الإيراني.
وحذر نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عبد الله العليمي، أمس الاثنين، من انهيار هدنة الأمم المتحدة في اليمن المعلنة لشهرين، متهماً جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) باستمرار الخروقات العسكرية وعرقلة استئناف الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء.
هدنة عسكرية
وقال العليمي في لقائه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غرونبرغ، في العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن، وفقاً لما نقلته عنه وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" الحكومية، إن "استمرار الاختراقات العسكرية الحوثية اليومية للهدنة العسكرية والتعنت الكبير وغير المبرر في فتح منافذ مدينة تعز، وفتح الحصار الظالم على المدينة، والإصرار على عرقلة تشغيل رحلات مطار صنعاء وفقاً للإجراءات المتفق عليها مع المبعوث الدولي كل هذا يهدد بنسف الهدنة وجهود المبعوث الخاص".
وأضاف أن "الحكومة اليمنية ملتزمة بما تم الاتفاق عليه بكل حرص، ولن تكون سبباً في تعطيل هدنة إنسانية، وتتعاطى بشكل إيجابي ومرن ومسؤول مع أي مقترحات من شأنها التخفيف من المعاناة الإنسانية على أن تكون بعيدة عن الانتقائية باعتبار أن القضايا الإنسانية كل لا يتجزأ".
وشدد العليمي على "دعوة الميليشيات الانقلابية [في إشارة إلى جماعة الحوثيين] للالتزام بما تم الاتفاق عليه وإعطاء فرصة حقيقية لإنجاح الهدنة والبعد عن المزايدات والمراهنات السياسية بعيداً عن معاناة الشعب ومآسيهم"، على حد تعبيره.
وحدة وطنية
وقال نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، إن "الحكومة تعمل بكل جهد وإخلاص من أجل السلام وستظل يدها ممدودة للسلام العادل والمستدام الذي يحافظ على الدولة ومؤسساتها ونظامها الجمهوري ووحدتها الوطنية، ويعزز المواطنة المتساوية والحرية والعدالة الاجتماعية وفق تطلعات الشعب اليمني".
وطالب العليمي، المبعوث الأممي بـ "أن يضع العالم كله أمام الصورة الحقيقية لما يجري في اليمن ومن يعرقل جهود الهدنة وجهود عملية السلام".
وأشاد المسؤول اليمني بـ "جهود ودعم تحالف دعم الشرعية لجهود السلام التي يقودها المبعوث الخاص".
التحالف العسكري
وفي الثاني من أبريل/نيسان الماضي، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرونبرغ، بدء سريان هدنة في اليمن لمدة شهرين قابلة للتجديد، تتضمن إيقاف العمليات العسكرية الهجومية براً وبحراً وجواً داخل اليمن وعبر حدوده.
ويشهد اليمن منذ أكثر من 7 أعوام معارك عنيفة بين جماعة "أنصار الله" وقوى متحالفة معها من جهة، والجيش اليمني التابع للحكومة المعترف بها دولياً مدعوماً بتحالفه عسكري عربي، تقوده السعودية من جهة أخرى لاستعادة مناطق شاسعة سيطرت عليها الجماعة بينها العاصمة صنعاء وسط البلاد أواخر 2014.
وأودى الصراع الدائر في اليمن منذ اندلاعه بحياة 377 ألف شخص، 40 % منهم سقطوا بشكل مباشر، حسب تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.