جريمة بشعة واعتداء سافر يضاف إلى سلسلة جرائم هذا الكيان، الذي على ما يبدو قرر الانتقال إلى مرحلة جديدة ألا وهي مرحلة قتل الصحفيين وإسكات أفواههم وأقلامهم، وهذه المرة وبكل وقاحة تأتي عملية القتل عمدا وبكل برود دم، ولا مجال للقول بأنها حدثت بطريق الخطأ أو أن الرصاصة أصابت الشهيدة لأنها لم تكن قد اتخذت ما يلزم من وسائل الحيطة والحذر.
فقد أكد الشهود ومن كان معها من الزملاء الصحفيين أن الفقيدة كانت ترتدي سترة الصحافة، التي تميزها عن غيرها من مدنيين وعسكريين، وأن شيرين كانت تغطي ورفاقها عملية اقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين، وأن الرصاصة أصابتها فور ترجلها من السيارة في محيط المخيم، في مكان خلا من أي أعمال قتالية، أو مقاومة فلسطينية تستدعي هجوما إسرائيليا.
كما تحدث الزميل الصحفي مجاهد السعدي، الذي كان برفقة شيرين ضمن المجموعة المستهدفة، عن تفاصيل الجريمة الإسرائيلية، مؤكدا أنه وزملاءه ذهبوا لتغطية الأحداث التي تجري في المخيم، وكشفوا أنفسهم للقوات الإسرائيلية وساروا مرتدين سترات مكتوبا عليها "صحافة" ولم يظنّوا أنهم سيتعرضون لوابل من الرصاص، لكن الجنود الأسرائيليين كان لهم رأي مغاير إذ بدؤوا بإطلاق النار على الصحفيين الذين حاولوا الهرب والاختباء ونجحوا جميعا باستثناء شيرين التي سقطت أرضا، في وقت استمر فيها إطلاق النار 3 دقائق كاملة، بشكل لم يسمح بإسعافها في الوقت المناسب، كما أصيب الزميل علي السمودي برصاصة في الظهر، لم تكن قاتلة والحمد لله. وقد أكد السعدي أن المنطقة كانت خالية من أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، حتى انه لم يُرمَ فيها حجر واحد من قبل الفلسطينيين.
هذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أننا أمام جريمة قتل متعمد، أمام فاجعة كبيرة تتطلب من جميع أصحاب الأقلام وأهل الرأي ورواد الصحافة أن يجتمعوا على كلمة واحدة، ألا وهي ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، عن هذا الاغتيال للكلمة، للرأي، للحقيقة، محاسبة المسؤولين عن جريمة اليوم من أكبر ضابط إلى أصغر عسكري.
إن هذا الاغتيال الذي تم خارج إطار القانون، لا بد وأنه جاء تنفيذا لتوجيهات وتعلميات من مسؤولين في مركز القيادة، هؤلاء هم أول من يجب أن يخضعوا للمساءلة. لقد حان الوقت لكي يظهر العالم- المرتمي في أحضان واشنطن- شيئا من الإنسانية، أن يحرك ضميره الميت، أن يقول كلمة الحق ولو مرة، أن يقف في وجه إرهاب الدولة الذي تمثله إسرائيل منذ نشأتها، وتغطيه الولايات المتحدة وتدعمه بكل قوة ووقاحة.
74 عاما والشعب الفلسطيني تمارس ضده كل أشكال القمع والتهجير والقتل والترويع والعالم ساكت يتفرج، لا بل في بعض الأحيان كان يشير إلى الضحية على أنها الجلاد، ويترك القاتل يسرح ويمرح ويستلذ في تعذيب الفسطنيين وتشريدهم.
حان الوقت لتنتفض شعوب العالم كلها في وجه هذا الاستكبار والفوقية، لا بد أن تكون جريمة اليوم دافعا لكي نرى المجرمين يساقون إلى المحاكم، لنشاهد الخير ينتصر على الباطل ولو لمرة. خاصة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها فلإسرائيل سوابق تاريخية في استهداف الصحفيين والإعلاميين، ومنذ أيام تقدم محامون ومنظمات حقوقية –وفقا لوسائل إعلام- بشكوى أمام محكمة الجنابات الدولية لمساءلة إسرائيل عن عمليات الاستهداف المنظم للصحفيين الفلسطينيين، وذلك بالنيابة عن 4 ضحايا هم أحمد أبو حسين وياسر مرتجى ومعاذ عمارنة ونضال اشتية الذين قتلوا أو أصيبوا من قبل قناصة إسرائيليين أثناء مظاهرات داخل قطاع غزة، على الرغم من أنه هؤلاء الضحايا مجتمعين كانوا يرتدون سترات مكتوبا عليها "صحافة" حينما أُطلقت عليهم النيران.
قضت شيرين شهيدة للصحافة رافضة أن تفارق الدنيا إلا من أرض المعركة، معركة الكلمة والحقيقة، فكتبت بذلك صفحة ناصعة تنير درب الأجيال القادمة، فهنئيا لها وهنيئا لنا بها، ونسأل الله أن يتقبلها ويرحمها ويسكنها فسيح جنانه مع الصديقين والصالحين.
المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط