ولأن السلطة الأوكرانية الجديدة رأت في روسيا "عدوا"، فإن هذه المراكز انكبت على تدبير عمليات معلوماتية تخريبية في روسيا.
عناصر الحرب النفسية
وتعود بدايات هذه المراكز إلى عام 2004 عندما كانت جزءا من جهاز المخابرات التابع للقوات البحرية الأوكرانية. وبعد وقوع الانقلاب في عام 2014 نُقلت تبعيتها إلى قوات العمليات الخاصة.
وتفيد وثائق نُشرت على شبكة الإنترنت بأن قوات العمليات الخاصة الأوكرانية ضمّت أربعة مراكز من هذا النوع في مدينة بروفاري ومدينة غويفا ومدينة لفوف ومدينة أوديسا.
وقام كل من هذه المراكز بتجميع معلومات يراد لها أن ترسم صورة إيجابية لأوكرانيا وتلوث سمعة "العدو" وتتيح تنظيم العمليات النفسية ضده، أي أن نشاط مراكز العمليات النفسية الأساسي تمثل في دعم عناصر الحرب النفسية في أراضي "العدو" وأراضي "الشركاء والحلفاء" المحتملين.
معايير الناتو
ولا يُخفي أحد أن فنون الحرب النفسية تعلّمها ضباط الجيش الأوكراني من كتب أمريكية عن الحرب المعلوماتية. وأكد ذلك مستشار مكتب الرئيس الأوكراني زيلينسكي، أليكسي أريستوفيتش، مشيرا إلى أن الكتب التعليمية الأمريكية تحدد المهمة الرئيسية لمنفذي العمليات النفسية في السيطرة على زمام المبادرة.
واعتمدت مراكز العمليات النفسية الأوكرانية تصنيف حلف شمال الأطلسي (الناتو) للأخبار المزمع نشرها.
وأوضح ضابط أحد المراكز في مقابلة صحفية، أنه توجد أخبار "بيضاء" وأغلبها بيانات صادرة عن المصادر الرسمية أو صانع القرار أو جهات مرتبطة به، وأخبار "رمادية" وهي معلومات مستقاة من مصادر يصعب تحديدها، وأخبار "سوداء" وهي معلومات يجب أن يقول مَن ينشرها أنها وردت من العدو.
روسيا
وخصص كتاب التعليمات الصادرة للعاملين في مراكز العمليات النفسية الأوكرانية بندا كاملا لمواجهة "الدعاية الروسية".
وجاء في هذا البند إن على العاملين في المراكز أن يستخدموا جميع الوسائل المتاحة لشن حملات إعلامية فعالة ضد روسيا.
الإرهاب عبر الهاتف
لعل أبرز نشاطات مراكز العمليات النفسية الأوكرانية في روسيا إرهاب المواطنين عبر الهاتف من خلال إخطارهم بضرورة إجراء عمليات محددة، مثلا، على بطاقاتهم الائتمانية حسب "توجيهات" بنك التوفير وبنوك أخرى والسلطات الأمنية.
ولم تهدف تلك العمليات إلى سرقة أموال الناس فحسب، بل هدفت أيضا إلى غرس بذور الخوف والذعر في نفوسهم.
والأغلب ظنا أن عمليات الإرهاب عبر الهاتف كانت توطئة لعمليات أخرى أكثر خطورةً.
مثال على رسالة تهديد، وردت في تقرير مركز المعلومات النفسية الأوكرانية
أين تقع مراكز الإرهاب عبر الهاتف؟
المثير للاهتمام أن نشاط الإرهابيين عبر الهاتف انحسر عندما واجهت العاصمة الأوكرانية كييف انقطاعات التيار الكهربائي والإنترنت بعدما بدأت روسيا عمليتها الخاصة في أوكرانيا لحماية الناس من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها السلطات الأوكرانية منذ عام 2014.
وقد يأتي هذا من باب المصادفة، ولكن رجال الأمن الروس عثروا في مدينة بيرديانسك الأوكرانية المحررة، في أبريل/نيسان 2022، على ثلاثة مراكز لعمليات الاحتيال فيها تعليمات تصف كيفية سرقة الأموال من بطاقات المواطنين الروس.
ووجدت مراكز الإرهاب عبر الهاتف في مدينة دنيبر أيضا. وأظهر التحقيق الذي أجراه الصحفي الأوكراني فلاديسلاف بوفتروك أن عمليات هذه المراكز التي أشرفت عليها القوات المسلحة الأوكرانية استهدفت المواطنين الروس في الغالب.
وكانت وزارة الداخلية الروسية قد كشفت أن القوات المسلحة الأوكرانية أجرت حملات استدعاء الأوكرانيين للعمل في مراكز الإرهاب عبر الهاتف التي تنشر المعلومات الكاذبة عن تلغيم المدارس ورياض الأطفال والمحلات التجارية والدوائر الحكومية. ووصلت غالبية هذه البلاغات الكاذبة من أوكرانيا.
ولفت البنك المركزي الروسي إلى انحسار عمليات الاحتيال عبر الهاتف في روسيا بعد 24 فبراير/شباط الماضي، عندما بدأت روسيا عمليتها الخاصة في أوكرانيا.
الإزراء بهيبة الحكومة
وأفادت وثائق نشرتها مجموعة "بيريغيني" للرصد الإلكتروني أن مركز العمليات النفسية الأوكراني 72 قام منذ عام 2020، بإجراء العملية الهادفة إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية في روسيا والتي كان يجب جذب مواطنين مهتمين بالنشاط السياسي تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاما إليها.
وكان يجب تنظيم ثلاث مظاهرات مناوئة للحكومة في موسكو، مثلا، ومظاهرتين في مدينة خاباروفسك ومظاهرة واحدة في نيجني نوفغورود وست مظاهرات في يكاترينبورغ خلال عام 2020.
وهدفت عملية أخرى قام بإجرائها نفس المركز إلى تلويث سمعة الحرس الوطني والشرطة في روسيا.
وكان من المفروض أن تحثّ معلومات كاذبة ورسوم كاريكاتير يجري نشرها على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي السكان في روسيا على الانضمام إلى مظاهرات مناوئة للحكومة يزمع تنظيمها في المدن الروسية وخاصة موسكو وبطرسبورغ ونيجني نوفغورود وياكترينبورغ.
مثال على المحتوى الذي أنتجه ووزعه مركز المعلومات النفسية الأوكرانية للقوات المسلحة الأوكرانية.
عملية "فولوديا"
وهدفت العملية التي حملت اسم "فولوديا" وبدئ بتنفيذها في عام 2021 في مناطق روسية تتاخم أوكرانيا إلى ضرب سمعة السلطات في المناطق الحدودية الروسية وضرب معنويات عناصر القوات المسلحة الروسية وإعاقة عمل حرس الحدود الروسي.
وهدفت نفس العملية إلى تلويث سمعة مرشحي حزب "روسيا الموحدة" للانتخابات المحلية في مقاطعة فورونيج.
كما استهدفت عملية "فولوديا" تهديد مرشحي الحزب الشيوعي الروسي وحزب "رودينا" باعتبارهم منافسين لمرشحي الحزب الحاكم (روسيا الموحدة)، لكي يتراجعوا عن الترشح للانتخابات.
ومن التهديدات التي وجهها العاملون في مراكز العمليات النفسية الأوكرانية إليهم، مدعين أنهم يمثلون السلطة الروسية، "اغتيال أقاربك أو اغتصابهم".
وكانت الفكرة أن مرشحي أحزاب المعارضة سيتحدثون عن "ضغوط السلطة" ويحثون مؤيديهم على الخروج إلى الشوارع في مسيرات احتجاجية.
تحريف حقائق التاريخ
ولم تُهمل مراكز العمليات النفسية الأوكرانية الجوانب المتعلقة بتاريخ روسيا والثقافة الروسية، وأقبلت على تحريف الحقائق التاريخية، وتلاعبت بتسمية "روس – أوكرانيا".
ونظمت مراكز العمليات النفسية الأوكرانية حملات دعائية أخرى أيضا يهدف جميعها إلى زعزعة الاستقرار السياسي في روسيا.