ما دلالات إقرار الحكومة اللبنانية لخطة التعافي وهل تسهم في حلحلة الأزمة

قبل ساعات من إعلان تحويلها لحكومة تصريف الأعمال، أقرت الحكومة اللبنانية، أمس الجمعة، خطة التعافي المالي.
Sputnik
ويشمل قرار الحكومة إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف التجارية وحل المصارف غير القابلة للاستمرار بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ورغم انتظار الشارع اللبناني لإقرار هذه الخطة لأكثر من 3 سنوات منذ الأزمة المالية، أصدرت الحكومة الخطة قبل وقت قصير من حلها، بعد انتهاء "ماراثون" الانتخابات النيابية.
عون يطلب من الحكومة الاستمرار في عملها إلى حين تشكيل حكومة جديدة
ولم يجد المراقبون في الخطة ما يؤكد إمكانية مساهمتها في حلحلة الأزمة، بل أكدوا ضرورة تزامنها مع إجراءات اقتصادية "جريئة" لإنقاذ الأوضاع، منها إقرار قانون الكابيتال كونترول وحل أزمة الودائع وتوزيع الخسائر.
خطة التعافي
وتشمل الإصلاحات الواردة في خريطة الطريق خططاً لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة بعض مدخرات المودعين بالعملة الصعبة، وهي ضمن إجراءات أساسية لإفراج صندوق النقد الدولي عن تمويل مطلوب.
وتتوقع الخطة إجراء مراجعة كاملة للوضع المالي للمصرف المركزي بحلول يوليو/تموز عبر إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف وذلك لخفض العجز في رأسمال مصرف لبنان، وحددت الخطة حجم احتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة وإعادة صياغة ميزانياتها، كما ستعاد رسملة داخلية كاملة للمصارف من خلال مساهمات كبيرة من مساهمي المصارف وكبار المودعين، وفقا للشرق الأوسط.
وستوحد الحكومة سعر الصرف الرسمي لليرة وتنهي وجود أسعار صرف مختلفة.
اشتباك سياسي واقتصادي
اعتبر زياد ناصر الدين، الباحث الاقتصادي اللبناني، أن توقيت إعلان الحكومة اللبنانية لخطة الإنقاذ الاقتصادية يحتاج للتدقيق، فلم يكن المطلوب أن تقر الحكومة خطة التعافي بهذه السرعة من دون مناقشتها، وإقرار الخطة كان يجب أن يترافق مع رؤية وخطة اقتصادية.
نائب عن "قوى التغيير": نعيد نهج المعارضة ونعمل على أكبر تكتل للضغط بشكل فعال في البرلمان اللبناني
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هناك الكثير من التساؤلات التي تطرح نفسها الآن، ما الدور الاقتصادي القادم للبنان، ولماذا لم تأخذ الحكومة بالاعتبار أهمية النفط والغاز، ولماذا تم التوجه لصندوق النقد الدولي بهذه السرعة وفي هذا التوقيت والمناخ دون رؤية؟.
وأكد أن لبنان يحتاج إلى خطة تعافي، وإلى التعامل العادل مع المودعين، بدلا من تحميلهم خسائرهم غير مسؤولين عن الوصول إليها، بل يجب محاسبة من قام بتوزيع هذه الفوائد الهائلة التي استنزفت الاقتصاد اللبناني، ويجب طرح إصلاحات ضرورية في ملف الكهرباء، وباقي الملفات التي تستنزف الاقتصاد "المدولر" والاستهلاكي.
وتابع: "كان هناك اعتراض من قبل وزراء مهمين على خطة التعافي التي سمتها الحكومة خطة الخسائر، ومن الممكن أن يشكل هؤلاء الرافضون مقومات أساسية لاحقا لواقع اقتصادي جديد، يكون فيه الدفاع عن موضوع النفط والغاز، ويكون فيه دور للبنان أكبر وأبعد مع روسيا في ظل نشأة نظام عالمي جديد، فهناك فئة في لبنان تعلن أن الواقع الاقتصادي فقط مع الغرب".
وأكد أن توقيت إعلان الخطة الحكومية سياسي أكثر منه اقتصادي، وفرض الرسوم والضرائب عملية غير مشجعة، ولا يستطيع الواقع اللبناني تحملها، مشددا على ضرورة إيجاد مخارج للأزمة عبر تثبيت أو خفض سعر صرف الدولار، وطرح خطة اقتصادية حقيقية، مضيفًا: "هناك مخاوف من أن يكون الإعلان مقدمة لبيع أصول الدولة، ويبدو أن لبنان سيدخل على اشتباك سياسي اقتصادي كبير خلال الأشهر الستة المقبلة.
إجراءات عاجلة
اعتبر الخبير الاقتصادي اللبناني، عماد عكوش، أن العملية الانتخابية الأخيرة لم يكن لها الأثر الاقتصادي الذي توقعه البعض، وأن تغييرًا أساسيًا لن يحصل بسبب نظام المحاصصة والمستمر لغاية اليوم، بالرغم من دخول دماء جديدة للبرلمان، وذلك لأن لبنان محكوم بالتوافق، الذي يعطل كل القرارات الاقتصادية الجريئة التي يمكن أن تحرك الأوضاع.
الأزمات المعيشية تشتد في لبنان...عودة طوابير الخبز والبنزين
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، على رأس هذه القرارات المطلوبة، ضرورة الانفتاح على الجار الأقرب والطبيعي للبنان والشريك الأكبر اقتصاديا، وهو سوريا، لكن لا يزال الفرقاء يستغلون هذا الملف للضغط على الجانب اللبناني، لتمرير قرارات سياسية ويخدمون أطرافا دولية معروفة.
ويرى عكوش أن المطلوب أكثر من الانتخابات النيابية، خطة جريئة تعيد التوازن للاقتصاد اللبناني، وتسمح للاستثمارات الكبيرة الدخول للبنان، وهي التي لا تزال ممنوعة لغاية اليوم، بسبب التهديدات الأمريكية التي تبدأ بشركات التنقيب عن الغاز وتنتهي بمنع روسيا والصين من الاستثمار على مستوى البنية التحتية في لبنان.
تسريبات
وعن خطة التعافي التي أقرتها الحكومة اللبنانية في اجتماعها الأخيرة، أكد عكوش أن التسريبات تؤكد أنه لم يطرأ أي تعديلات جوهرية على الخطة القديمة، وهي التي كانت توزع الخسائر بشكل نسبي على مجمل الأطراف، الحكومة 10 مليار دولار، ومصرف لبنان 8 مليار، والمصارف 14 مليارًا، والمودعين 32 مليار دولار، بمجموع 64 مليار دولار، لكن للأسف الخسائر تتراكم وتتزايد، وهي اليوم تتجاوز الـ 80 مليار دولار، بالتالي لا بد من إعادة توزيع جديد لهذه الخسائر، إضافة إلى أن هذه الخطة اصطدمت سابقا برفض من القطاع المصرفي بتحمل حصته من الخسائر.
وأوضح أن التعافي لن يكون فقط بتوزيع الخسائر وتخفيض حجم الدين العام بل يكون عبر إعادة هيكلة الاقتصاد وإعادته لحيويته الإنتاجية والخروج من الاقتصاد الريعي الذي أوصلنا لذلك المأزق، ولتحقيق هذا يجب إقرار قانون الكابيتال كونترول، وتعويم سعر الصرف بشكل متوازي مع رفع الأجور، وهيكلة القطاع العام لا سيما قطاع الكهرباء الخاسر والمفلس، والدخول في استثمارات كبيرة في مشروع ربط النقل مع سوريا والخارج عبر مرفأ بيروت، والإصرار على التنقيب عن الغاز، وإعادة هيكلة قطاع المصارف، وقبل كل ذلك الإصلاح السياسي الذي يضمن عدم التعطيل، وكذلك الإصلاح القضائي والإداري لمنع الفساد.
حملة "اللولار...عملة العمايل" رد فعل في لبنان على واقع اقتصادي مزري (فيديو وصور)
خطة للتعافي
ويعتقد عكوش أن هذه النقاط يجب أن تكون ضمن خطة شاملة للتعافي وإلا سيبقى لبنان يقوم بتجزأة الحلول والوقوع في مطبات لاحقة تمنع العلاج، لا سيما في ظل تراكم الخسائر وانخفاض احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعب، فلعبة الوقت ليست في صالح الاقتصاد اللبناني، ولا بد من وقف النزيف، وإلا سنتوجه إلى الانهيار الكامل لكل مؤسسات الدولة وتفكك محتمل للهيكل الذي يلم جميع اللبنانيين، مؤكدًا أن الارتفاع في سعر الصرف سيستمر في ظل عدم وجود المعالجات، والقدرة الشرائية ستستمر في الانخفاض، وصندوق النقد الدولي لن يكون العلاج بمفرده، والذي يجب أن يبدأ بالداخل ومن الداخل.
وتوصل لبنان في أبريل/ نيسان الماضي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من تسهيل الصندوق الممدد لمدة 46 شهرا، وطلب لبنان بموجبه الوصول إلى ما يعادل نحو 3 مليارات دولار.
مناقشة