ويرفض رجال الدين في لبنان، والعديد من المذاهب والطوائف فكرة إصدار قانون للزواج المدني في لبنان حتى ولو كان اختياريًا، فيما ينادي البعض بضرورة إقرار القانون في الفترة النيابية الحالية، وسط وجود نواب جدد يرحبون بالمشروع ويرون ضروريته الآن.
واللافت في الأمر، أن الدولة اللبنانية تعترف بزواج اللبنانيين مدنيا في أي دولة خارج لبنان، بل ويسمحون بتسجيله في سجلات الأحوال الشخصية، ويتدخل القضاة في حل الخلافات القائمة على هذا الزواج وفقا لقوانين الدولة التي عقد فيها هذا الزواج في حين لم يسمح حتى الآن بعقد الزواج المدني في الأراضي اللبنانية.
وطرح البعض تساؤلات بشأن ماهية مشروع قانون الزواج المدني المقدم في لبنان، والسبب في الجدل الدائر حوله، ولماذا يرفضه رجال الدين في ظل سماح الدولة بتوثيق عقود الزواج التي أبرمت بالخارج.
موجود ومعترف به
قالت رندى يسير، مستشارة دولية بالتخطيط الاستراتيجي والمراقبة والتقييم، والخبيرة اللبنانية في قضايا الجندر، إن في إطار الجدال الدائر في لبنان اليوم حول مطلب الزواج المدني، يجب التوضيح أن هذا المطلب لم يأت خارج السياق، بل هو واقع وممارس في لبنان منذ سنوات عديدة، بل مطبق ويحترم القانون المدني للزيجات التي عقدت خارج لبنان في الدول الأوروبية والأمريكية والأجنبية، وينظر في القضايا التي تكون خلافية بين الأزواج وفقا للقانون المدني للدولة التي تم عقد القران فيها في المحاكم اللبنانية، الزواج موجود ومعترف به ويتم تسجيله بالدوائر الرسمية.
وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، لبنان له خصوصية معروفة في المحيط، حيث أن الدولة اللبنانية تعترف بـ 18 طائفة لكل منها قانون للأحوال الشخصية مستقل عن الآخر، حتى في الطوائف الإسلامية المتعددة، نرى داخل المذاهب اختلاف الأحكام الخاصة بالأسرة، من الزواج والطلاق وأمور مرتبطة بسن الحضانة وقانون الإرث، وكذلك في الطوائف المسيحية هذه الخلافات حتمية وموجودة.
وتابعت: "لذلك عندما تختلف القوانين والإجراءات لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك يخالف الدستور اللبناني الذي أكد على المساواة بين جميع اللبنانيين، ومعظم القوانين الموجودة في قوانين الأحوال الشخصية تؤكد على وجود خلافات بين المواطن والمواطنة في لبنان بالمذاهب والطوائف المتعددة، ولذلك يطرح دائما تساؤلات عن قدسية هذه الأعراف والأحكام، فإذا كانت واضحة فلماذا تختلف القوانين والاجتهادات لا سيما على مستوى كل طائفة؟".
واستطردت: "لا بد أن نؤكد أن لبنان دولة تضمن بدستورها حرية الاعتقاد وضمان حرية الاختيار، لا سيما وأن الدولة اللبنانية من الدول التي وافقت على جميع المواثيق الدولية والمبادئ وأكدت على مبدأ حماية المواطن وحقوقه وفق هذه المواثيق التي وقع عليها، ومن ضمنها ترتبط بحقوق الطفل والمرأة التي جعلت قوانين الأحوال الشخصية من هاتين الفئتين أكثر الفئات المهمشة، وأكثر الفئات التي جاءت قوانين الأحوال الشخصية لهضم حقوقها، وهذه الإشكاليات جعلت من بعض الآباء والأمهات وبسبب وجود هذه الاختلافات إلى تغيير مذاهبهم وطوائفهم للوصول إلى أحكام الطلاق أو تغيير أحكام سن الحضانة، أو أي نوع من الامتيازات التي قد تكون موجودة في طائفة دون أخرى".
وأكدت ندى أن موضوع الزواج المدني اختياري، مثل الزواج الديني الاختياري، فهناك العديد من الزيجات التي عقدت القران على مستوى القانون المدني وعلى مستوى الزواج الديني، وعندما لا يريدون اختيار الزواج الديني ذهبوا لدول أوروبية وأمريكية وأجنبية قريبة من لبنان وعقدوا قرانهم على مستوى القانون المدني، مشيرة إلى أن لبنان بحاجة إلى هذا الموضوع لأن هناك العديد من الزيجات المختلطة بين الطوائف والمذاهب المتعددة، ويلجأ اللبنانيون للزواج المدني لكي يحافظ كل شخص على دينه ومذهبه، لكن عقد الزواج المدني يساعدهم على تأسيس العائلة واستمراريتها.
وأوضحت أن إثارة موضوع الزواج المدني، حاول من البعض استغلاله في الانتخابات النيابية الأخيرة وكأنه وسيلة لإحراج المرشحين التغييريين، ولكن على الرغم من ذلك كان المشروع سببًا في انتخابهم ووصولهم لقبة البرلمان، حيث يعبر عن الرغبة لدى المواطنين اللبنانيين بوجود من يمثلهم بالمجلس النيابي، ويبقى الموضوع يأخذ المنحى التشريعي في المجلس النيابي بالتصويت له أو ضده، ومجلس النواب اليوم يضم فئات متعددة من البرلمانيين الذين سوف يصيرون صوت المواطنين لكي يتحول في الإطار التشريعي لقوانين تحمي حقوقهم وتلبي طموحهم في وطنهم.
وأنهت حديثها قائلة: "أمام هذا الاستحقاق سوف نرى أن اللعبة الديمقراطية يجب أن تأخذ مجراها، وتقديم المشاريع في مجلس النواب ومناقشتها، وأخذ بعين الاعتبار الشريحة المجتمعية الكبيرة التي كانت ما قبل طرح القانون تستخدم القانون المدني للزواج في الدول الخارجية وتعترف به الدولة اللبنانية، نحو التشريع والقبول بأن يسجل ويعقد الزواج المدني في لبنان وهو مسار طبيعي تلبية لرغبات المواطنين الذين يرغبون بهذا الخيار وهو اختياري وليس إلزاميا.
خلافات مستمرة
بدوره قال سركيس أبوزيد، المحلل اللبناني، إن موضوع الزواج المدني مطروح منذ فترة طويلة، وتمت الموافقة عليه في مجلس النواب، ولكن رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري أبقاه في رئاسة الحكومة ولم يحيله للمجلس، لأن الموضوع له حساس، خاصة في ظل رفض رجال الدين والقوى الطائفية الموجودة في لبنان.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، كل فترة يعاد طرح موضوع الزواج المدني، حيث يطرح البعض أن يكون اختياريًا، فيما يطرح آخرون زواجًا ملزمًا، لكن الأخير يبقى مستحيلا في ظل التركيبة الطائفية في لبنان، وفي ظل الشروط والأوضاع التي عليها القانون الآن.
وتابع: "لذلك من الممكن أن يكون الزواج المدني الاختاري هو الأنسب، لا سيما في ظل أن الزواج المدني الذي يسجل خارج لبنان، الدوائر الرسمية في لبنان تعترف به وتسجله رسيمًا، فليس من المنطقي أن يُسمح بالزواج المدني خارج الأراضي اللبنانية ويمنع في الداخل".
وأكد أن لبنان مقسوم بين القوى التقليدية والطائفية ورجال الدين يرفضون المشروع والبعض الآخر يعتبر أنه ضرورة لأن هناك الآلاف من عقود الزواج التي تعقد سنويًا خارج الأراضي اللبنانية ويتم الاعتراف بها، بالإضافة أن عددا كبيرا من اللبنانيين الموجودون بالخارج يعقدون الزواج المدني ويسجلونه في لبنان.
وبشأن إعادة طرح القانون الآن، يرى سركيس أن البعض يطرحه من باب الإحراج، وامتحان بعض القوى التي تطرح العلمنة لكنها ضد الزواج المدني، والقوى التي تطرح إلغاء الطائفية السياسية ولكنها لا تريد أن تصوت على الزواج المدن الاختياري.
وتابع: "لذلك مطلوب من المجلس الجديد، في ظل وجود كتلة نيابية تطرح نفسها على أنها تمثل المجتمع المدني أن يكون هناك قانون أحوال شخصية اختياري، ويطرح بشكل موضوعي حتى يتم إقراره، خاصة أن الدوائر تعترف بهذا الزواج بالخارج لكنها لا تعترف به في الداخل".
وتعد أول محاولة لإرساء قانون أحوال شخصية مدني في لبنان هي التي قدمها الرئيس الراحل إلياس الهراوي، في عام 1988، إلا أنه قوبل بردود فعل عنيفة، ورغم موافقة مجلس الوزراء على المشروع، اضطر رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري لعدم إرساله لمجلس النواب، بعد معارضة رجال الدين، لا سيما دار الفتوى.