وخلال زيارته إلى إيطاليا قال تبون في ندوة صحفية مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، إن بلاده مستعدة للتعاون مع إيطاليا من أجل مساعدة تونس وكذلك ليبيا على العودة إلى الطريق الديمقراطي والخروج من الوضع الذي تقبعان فيه، في إشارة إلى الأزمة السياسية والدستورية التي تمر بها تونس وحرب التنازع على السلطة التي تعيشها ليبيا.
ومنذ تاريخ 25 يوليو/تموز 2021 الذي أعلن فيه الرئيس التونسي عن تجميد عمل البرلمان وأعقبه بخارطة طريق تتمثل في تنظيم استفتاء حول الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، لم تصدر الجزائر موقفا رسميا واضحا بشأن الإجراءات التي تتخذها السلطات في تونس.
واكتفى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإبداء تفهمه لخطوات نظيره التونسي قيس سعيد، حتى أنه وصفه ذات لقاء صحفي في أكتوبر المنقضي بأنه رئيس "مثقف وديمقراطي ووطني إلى النخاع".
وفي أغسطس الماضي، أعرب تبون عن رفضه للضغوطات الخارجية التي تمارس على تونس، قائلا "إن تونس قادرة على حل مشاكلها بمفردها دون أي ضغط، ونحن لا نقبل أن يضغط عليها من الخارج من أي طرف كان".
رسالة إلى تونس وإلى الداخل الجزائري
وبينما يرى مراقبون أن الجزائر اتخذت موقفا معارضا لما كانت عليه في السابق، يعتقد المحلل السياسي غازي معلا أن الموقف الجزائري لم يتحول إلى الضد وإنما تم الإفصاح عنه في العلن.
وقال معلا "لم يُسمع للجزائر أي تصريح رسمي سابق يؤيد مسار 25 يوليو أو يرفضه"، مشيرا إلى أن الجزائر كانت تكتفي بدعم تونس كدولة وبدعم رئاسة الجمهورية التونسية بوصفها مؤسسة رسمية منتخبة.
ويرى معلا أن الجزائر كانت تُبدي في الظاهر موقفا محايدا مما يحصل في تونس من تطورات سياسية ودستورية، غير أنها كانت تعتقد منذ البداية أن ما أقدم عليه الرئيس التونسي غير شرعي.
وأشار معلا إلى أن تصريح الرئيس الجزائري كان واضحا وصريحا هذه المرة ولا يقبل التأويل، وأنه يعتبر أن تونس خرجت عن طريق الديمقراطية.
ولفت المحلل السياسي إلى أن حديث تبون ليس موجها لتونس فقط وإنما أيضا للداخل الجزائري، موضحا "صحيح أن الوضع في الجزائر شبه مستقر حاليا ولكنه ليس استقرارا دائما، ولا ننسَ أن الجزائر عاشت حراكا احتجاجيا قويا ومظاهرات أسبوعية ومطالب سياسية واجتماعية أجلتها الجائحة الصحية، وهي اليوم تعيش بوادر حراك جديد"، مشيرا إلى أن الرئيس الجزائري يسعى إلى تقديم رسالة إلى شعبه مفادها أنه لا يقبل أن تكون الجزائر دولة خارجة عن الديمقراطية.
ويرى معلا أن تصريحات الرئيس الجزائري لن تجد لها صدى في تونس، على اعتبار أن الرئيس التونسي قيس سعيد أثبت مرارا أنه لا يتراجع وأن الضغوطات الخارجية لا تزعزعه ولا تغير من برنامجه السياسي.
موقف براغماتي
وفي تعليق حول الموضوع، قال الدبلوماسي السابق جلال الأخضر لـ "سبوتنيك"، إنه يمكن النظر لتصريحات الرئيس الجزائري من زاوية براغماتية وهي أن الجزائر قلقة من تأزم الوضع في تونس وتأثير ذلك عليها وعلى الاستقرار في المنطقة، خاصة وهي المنشغلة بالوضع الأمني على مستوى حدودها مع ليبيا والمغرب.
وقال الأخضر إن إبقاء الجزائر على حدودها البرية مع تونس مغلقة منذ نوفمبر الماضي إلى اليوم واكتفاءها بالنقل الجوي، دليل واضح على أنها قلقة من تطورات الوضع في تونس.
وتابع "لطالما كانت الجزائر متفهمة لإجراءات 25 يوليو ومؤمنة بقدرتها على حل الأزمة التي كانت تعصف بالبلاد، لكنها اليوم تخشى من أن تترتب عن هذا الطريق مشاكل أخرى قد تؤثر على استقرار المنطقة وأمنها".
ويرى الأخضر أن تصريحات تبون تفهم أيضا من زاوية التحالفات التي تقودها الجزائر في علاقة بالملف الليبي.
وأوضح "هذه التصريحات جاءت عقب زيارة تبون إلى أنقرة التي تدعم حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس التي كانت ستسقط في يد خصمها السياسي فتحي باشاغا المدعوم من خليفة حفتر لولا الدعم التركي والتفهم الجزائري".
وتابع "تتوجس الجزائر من خليفة حفتر نظرا لعلاقاته مع مصر والإمارات وعلاقته المشبوهة أيضا مع إسرائيل التي أصبح لها موطأ قدم في المنطقة الغربية الليبية من ناحية المملكة المغربية".
واستخلص الأخضر بأن الجزائر تشعر بأنها محاصرة وبأن تموقعها في المنطقة أصبح مهددا من الحلف المصري الإماراتي الذي أبدى دعمه للرئيس التونسي قيس سعيد.
وقال الأخضر "قد تستخدم الجزائر ورقتها الرابحة وهي النفط والغاز، ولا ننسَ أن شركة سوناتراك الجزائرية التي لديها ديون متخلدة بذمة الشركة التونسية للكهرباء والغاز طلبت تجديد ديونها ومراجعة الأسعار التفاضلية. وخلف هذا الطلب يقف قرار سياسي من السلطات الجزائرية التي تتوجس من الوضع في تونس".
البحث عن تأمين الغاز الجزائري
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، إن الجزائر تبحث عن تأمين غازها الذي ستبتاعه إيطاليا منها بهدف توزيعه على أوروبا.
وأضاف "بحكم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وعلاقتها الخلافية مع إسبانيا التي اقتربت من عدوّتها المغرب، تحولت الجزائر إلى شريك أساسي لإيطاليا التي ستتولى مهمة توزيع 11 بالمائة من الغاز الجزائري على الدول الأوروبية ".
وأشار العبيدي إلى أن الجزائر تعتبر تونس ركنا أساسيا في استقرار المنطقة خاصة في ظل التصعيد الأخير في ليبيا والتهديدات الصريحة التي تلقتها الجزائر بشن حرب عليها.
وقال الدبلوماسي السابق إنه من المفترض أن يقع تمرير الغاز الجزائري إلى إيطاليا عبر تونس، مشيرا إلى أن هذه الفرضية تفترض هدوء سياسيا في تونس حتى تكون قناة الغاز آمنة.
ويرى العبيدي أن حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن مساعدة تونس على العودة إلى الطريق الديمقراطي لا يعني بالضرورة العودة إلى ما قبل 25 يوليو، وإنما هو تنصيص على ضرورة إعادة اشتغال المؤسسات الدستورية بطريقة طبيعية.