فماذا وراء تلك التصريحات وكيف ستتعامل معها مصر والسودان وهل تخالف اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في العام 2015؟
استنكر السودان تصريحات مدير سد النهضة الإثيوبي حول الملء الثالث للسد، ووصفها بـ"غير المسؤولة".
وأكد السودان أن الجانب الإثيوبي "لا يكترث" بالأضرار المحتملة على السودان ومصر جراء عملية الملء الثالث، وذلك على خلفية تصريحات المدير بأن الملء الثالث سيكون في أغسطس وسبتمبر المقبلين، مستبعدًا احتمالية إيقاف عملية الملء، رغم عدم إنكاره وجود تأثير على مصر والسودان خلال عملية الملء.
وأوضحت الخارجية السودانية، في بيان لها أمس السبت، أن "الوزارة تتابع بقلق التصريحات غير المسؤولة لمدير سد النهضة في إثيوبيا والتي تجاهل فيها موقف السودان الثابت من عملية ملء وتشغيل السد إلّا بعد التوصل إلى اتفاق قانوني منصف و ملزم يحقق مصالح شعوب الدول الثلاثة".
ولفت البيان إلى عدم اكتراث الجانب الإثيوبي بالأضرار المحتملة على الجانب السوداني رغم اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث مما يشير الى أن إثيوبيا تريد المضي قدما في مواقفها الأحادية السابقة.
وطالب البيان المسؤولين الإثيوبيين بالكف عن مثل هذه التصريحات غير المنضبطة والالتزام بمبادئ الدبلوماسية عبر الحوار والتفاوض كخيار لحل الخلاف بين الدول الثلاث بشأن سد النهضة.
تهدئة الداخل
وتعليقا على الأزمة يقول خبير الموارد المائية، مستشار وزير الري المصري الأسبق، نائب رئيس المركز القومي لبحوث المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، إن تصريحات المدير العام لمشروع سد النهضة الإثيوبي، المهندس كفلي هورو، بأنها تستهدف تهدئة الداخل الإثيوبي في المقام الأول لأن لديه مشكلة مع الداخل وأن أساس مشكلته ليست مع مصر ولا السودان.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن سد النهضة تم الإعلان عن بدأ العمل فيه عام 2011، وطلبت الحكومة من المواطنين دفع 10 في المئة من مرتباتهم لتمويل بناء السد، وكان الحديث عن بدء عملية الملء في السد خلال ثلاث سنوات، ومرت كل تلك السنوات حتى الآن ولا يزال الحديث عن استكمال البناء في عام 2024 وهذا التاريخ لن يكتمل فيه البناء أيضا، علاوة على أن المسائل الفنية الحقيقية تكمن في الحائط الأوسط الذي يقوم بتخزين المياه، هذا الحائط لم يكتمل حتى الآن.
وتابع القوصي حديث إثيوبيا عن الملء الثالث هذا العام 2022 لن يختلف كثيرا عن نفس حديث العام 2021 ولن تستطيع إثيوبيا حجز كمية المياه المقررة في الملء الثالث، لأن حجز 10 مليارات متر مكعب من المياه خلف السد بتطلب وصول إثيوبيا بالبناء إلى ارتفاع 595 مترا وهو ما لم تصل إليه حتى الآن وبالتالي لن تستطيع حجز المليارات العشرة المطلوبة، لذا فإن تلك التصريحات التي تحدث بها مدير السد موجهة للمواطن البسيط.
القدرة على التخزين
وأشار خبير المياه إلى أن المشكلة كانت في عدد سنوات الملء وهل هي 5 أو 7 أم 10 سنوات، ومرت الآن ثلاث سنوات ولم يحجز خلف السد سوى 5 مليارات من إجمالي كمية المياه المطلوبة والتي هي 75 مليار مكعب، الأمر به الكثير من عدم المصداقية مع الداخل الإثيوبي قبل أن يكون موجها نحو دول المصب.
وأكد القوصي على أن ملء بحيرة سد النهضة لن تملأ قبل 15 عاما، أي أن الكمية المطلوبة ستكون قد تم تخزينها بالكامل عام 2035، وهذا يعود في المقام الأول للأسباب المالية واستنزاف البلاد في الحروب الداخلية، وهذا الكلام ليس خافيا، لأن الأقمار الصناعية تقوم بالتصوير كل بضع دقائق، فلا يستطيع أحد إخفاء شيء الآن، فإن لم يكتمل البناء الأوسط لن تكون هناك أي قدرة على التخزين، وفي النهاية نؤكد على أنه ليس من حق إثيوبيا أن تفعل ما تفعل دون اتفاق مع دولتي المصب، ولا تزال مصر والسودان متمسكين بضرورة أن يكون هناك اتفاق ملزم لإثيوبيا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.
الأولى من نوعها
بدوره يقول المسؤول السوداني السابق في مفاوضات نهر النيل، الدكتور أحمد المفتي، إن التصريحات الأخيرة لمدير سد النهضة تعد الأولى من نوعها، بأن يعترف مسؤول إثيوبي بوجود آثار جانبية، علي السودان ومصر ،ولكنها لا تلتزم بمعالجة التعويض عنها ، وتعطي البلدين الحق في القلق.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن مدير سد النهضة اعترف بوجود آثار جانبية سلبية علي السودان ومصر من ملء سد النهضة، وهذه أول مرة تعترف فيها إثيوبيا بوجود آثار جانبية سلبية على البلدين بعد أن ظلت هي والوفد السوداني منذ العام 2011، يروجان بأن سد النهضة نفع محض للدولتين، وعلينا أن نتذكر التصريحات الإثيوبية السابقة والمتكررة محليا ودوليا بأنها ملتزمة بألا يتسبب السد في أي أضرار لكل من مصر والسودان، وهذا البند منصوص عليه صراحة في إعلان المباديء الموقع في العام 2015 بين الدول الثلاث، علاوة على أن عدم الإضرار بالآخرين هو أحد مبادئ القانون الدولي التي لا خلاف حولها.
مرور الكرام
وتابع المفتي، الملفت للنظر أن مدير السد لم يتحدث عن التزام إثيوبيا بمعالجة تلك الآثار الجانبية أو دفع تعويضات عنها، لأنه لم يسبق للسودان ومصر أن طالبا بذلك، وانحصرت مطالبهم حتى الآن، في الاتفاق على الملء والتشغيل، وليس مستبعدا أن يمر هذا التصريح مرور الكرام، وننبه إلى إن حدث ذلك دون مطالبة فورية من السودان ومصر لمجلس الأمن الاتحاد الأفريقي، بأن إثيوبيا ملزمة بموجب إعلان المبادئ والقانون الدولي بمعالجة الآثار الجانبية السلبية والتعويض عنها، فإن ذلك سوف ينهي حق كل من الدولتين في المطالبة لاحقا بمعالجة تلك الآثار والتعويض عنها والتي نتوقع أن تزداد بازدياد التخزين.
قال المدير العام لمشروع سد النهضة الإثيوبي، المهندس كفلي هورو، إن عملية الملء الثالث للسد ستكون في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المقبلين، لافتا إلى استحالة إيقافها لأنها "تلقائية".
وأضاف هورو، أن بلاده لم تتخط اتفاقية المبادئ التي جرى توقيعها عام 2015 بخصوص عمليات الملء، مع مصر والسودان بحسب "موقع العربية".
وشدد المسؤول على أن إثيوبيا تبادلت المعلومات حول السد مع مصر والسودان، وأن عملية بناء سد النهضة لن تتوقف لأي سبب كان.
وحول تصريحات قادة دولتي المصب المنددة بعمليات الملء باعتبارها خطوات أحادية قد تقود إلى تصعيد غير معلوم العواقب، قال كفلي هورو:، إن "تصريحات مصر والسودان بشأن خطورة وتأثيرات السد لا تعنينا".
ولكنه أقر بما يثير مخاوف القاهرة والخرطوم قائلا: "لا ننكر احتمالية تأثيرات ملء السد على مصر والسودان".
وأعلن المدير العام لمشروع سد النهضة بدء تجربة التوربين الثاني لإنتاج الكهرباء من السد خلال أسابيع، موضحا أن الطاقة التي تم تدشينها من السد دخلت ضمن شبكة الكهرباء في البلاد.
وكان المهندس كفلي هورو قال في تصريحات سابقة إن الطاقة الكهربائية التي سينتجها سد النهضة ستسهم بإضافة نحو 5760 ميجاوات من الطاقة إلى الطاقة المنتجة، ما يدعم خطط إثيوبيا للعب دور في تعزيز العلاقة مع دول الجوار من خلال الربط الكهربائي.
وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قال يوم الثلاثاء الماضي، إن الجهود الدبلوماسية لم تسفر حتى الآن عن اتفاق حول قضية سد النهضة مع الجانب الإثيوبي.
وأضاف شكري في تصريحات خاصة لقناة "سكاي نيوز عربية" على هامش مشاركته في منتدى دافوس العالمي، أن "قضية سد النهضة وجودية ومرتبطة بأمن مصر ومواطنيها، ونظل نوليها الأهمية والتركيز اللازم".
وتابع: "نعمل بكل جد لدفع الأمور نحو الأمام والاتفاق القانوني الملزم يوفر الأمن المائي لمصر والتنمية في إثيوبيا، بعيدا عن الصراع واللجوء الى الوسائل العسكرية وسوف يظل هذا مبدأ راسخا في السياسة الخارجية المصرية".
وكانت مصر، جددت تأكيدها أن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل يرتبط بـ"قضية وجودية" لمصر وشعبها، فيما لم تسفر الجهود حتى الآن عن اتفاق بشأن السد الذي يثير قلق القاهرة والخرطوم على حصصهما من الماء.
ففي فبراير/شباط الماضي، بدأت إثيوبيا إنتاج الكهرباء من السد الذي تكلف بناؤه مليارات الدولارات.
واتهمت وزارة الخارجية المصرية إثيوبيا بانتهاك جديد للاتفاق الأولي الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، ويحظر على أي منها اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في استخدام مياه النهر.