حرب إبادة
وأتى تدفق كميات كبيرة من المخدرات الاصطناعية بمثابة إيذان بأن نظام الحكم في أوكرانيا ممثلا في جهاز الأمن الأوكراني بدأ حربا تهدف إلى إبادة سكان روسيا.
هكذا وصف ألكسندر، موظف جهاز مكافحة المخدرات في روسيا، ما واجهه هو وزملاؤه بعد عام 2014. وقال ألكسندر لمندوب "سبوتنيك" الذي التقاه في أحد مقاهي موسكو إنه بعد عام 2014 تدفق على روسيا موجة من المخدرات الاصطناعية، وفي نفس الوقت أتى إلى روسيا مِن أوكرانيا مَن يعمل على صنع المخدرات وتوزيعها.
وأشار إلى أن رجال الأمن الأوكرانيين أوقفوا وقتذاك التعامل مع رجال الأمن الروس وهو ما يدعم الرأي القائل بأن نظام الحكم الأوكراني شن حربا "غير نظامية" على روسيا مستخدما المخدرات كسلاح فتاك.
التجنيد
أفادت وزارة الداخلية الروسية عن إيقاف نحو 7200 مواطن أوكراني بسبب ارتكاب الجرائم المتعلقة بالمخدرات في الفترة 2014 – 2021.
وأصبح أرتيوم (35 عاما) أحد المتورطين في هذه الجرائم بعد أن تم تجنيده في إحدى العصابات المختصة بإحضار المخدرات إلى روسيا. ويقول أرتيوم الذي يقضي عقوبته حاليًا في مؤسسة إصلاحية قرب مدينة أورينبورغ الروسية إن الرجل الذي قام بتجنيده ولم يكن يعرفه من قبل أخبره بأن مبلغا كبيرا من المال ينتظره في حال موافقته على أن يقوم بنقل المخدرات إلى روسيا عبر مدينة لوغانسك.
وكان مصير أرتيوم نفس المصير الذي لاقاه غيره من الأوكرانيين الذين أغراهم المال ليوافقوا على نقل المخدرات إلى روسيا. وأعلنوا موافقتهم بعدما كان لكل منهم لقاء مع شابين قويين زوّداه بجهاز الهاتف الذكي مع تطبيق СоvегМе الذي يحتوي على أرقام هواتف المشرفين على عمله.
ولدى وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو يتلقى هذا الشخص تعليمات بالتوجه إلى مدينة معينة ويستقر فيها منتظرا تعليمات أخرى. وبعد مضي بعض الوقت تأتيه الأوامر بمباشرة عمله بتوزيع ما لديه من مخدرات على الأكياس الصغيرة توطئة لبيعها بالمفرّق.
الأمن الأوكراني
يعترف المحكوم عليهم بالسجن لتورطهم في توزيع المخدرات في روسيا بأن موظفي جهاز الأمن الأوكراني قاموا بتجنيدهم. وكشف أرتيوم ذاته أن الشخص الذي قام بتجنيده في مدينة لوغانسك أبرز له بطاقة موظف جهاز الأمن الأوكراني.
ويكشف "مجند" آخر يدعى أندريه الذي خرج من السجن في روسيا مؤخرا أنه ولد وترعرع في أوكرانيا، ثم انتقل إلى روسيا ليقيم مشروعه التجاري فيها. وكان يحقق ربحا حتى عام 2014 عندما واجه مشاكل مالية.
وأثناء قيامه بزيارة إلى وطنه في عام 2014 تعارف أندريه مع رجل الأمن دميتري الذي اقترح عليه أن يقوم بنقل بضائع إلى روسيا. وسرعان ما وضح أنه مُطالَب بنقل كميات من المخدرات يتراوح وزنها بين 5 كيلوغرامات و200 كيلوغرام. واضطر أندريه إلى قبول ما يعرضه دميتري بعد أن قال الأخير إن عليه ألا ينسى أن والديه يعيشان في أوكرانيا وأن سلامتهما رهن بنجاحه في أداء عمله الجديد.
وتم إيقاف أندريه في عام 2015 في مدينة كورغان. وأدانته المحكمة وحكمت عليه بالسجن لمدة 7 أعوام.
ويذكر الأوكرانيون الآخرون الذين تحدثوا لـ"سبوتنيك" أنهم تلقوا تهديدات من المشرفين على عملهم حينما حاولوا إيقاف نشاطهم الإجرامي.
معامل الموت
ولم يكتف مندوبو جهاز الأمن الأوكراني بتنظيم نقل المخدرات إلى روسيا، بل نظموا إنتاجها في روسيا. ويقول ألكسندر، موظف جهاز مكافحة المخدرات، إن عصابة "خيمبروم" التي تمكن رجال الأمن الروس من تصفيتها في عام 2017 والتي وُجدت معاملها في 14 منطقة روسية كانت تنتج 150 إلى 500 كيلوغرام من المخدرات في الأسبوع.
وبلغ إجمالي عدد معامل المخدرات التي دمرتها السلطات الأمنية الروسية، أكثر من 500 معمل. وكانت تلك المعامل تنتج نوعين من المخدرات الاصطناعية، "الميفيدرون والألفا بي في بي".
ويستمر الخبراء في دراسة تأثير هاتين المادتين على جسم الإنسان، ولكنهم يرون من الآن مبررا لتأكيد تأثيرهما على نفسية الإنسان.
ووفق خبراء وزارة الداخلية الروسية، بلغت نسبة المخدرات الاصطناعية إلى إجمالي المخدرات المتداولة في روسيا في عام 2021، 60 في المئة مرتفعة من 5 في المئة في عام 2014.
وكشف العاملون في أجهزة السلطة الأمنية الروسية لـ"سبوتنيك" أنهم صادروا 62 كيلوغراما من المخدرات في مقاطعة بيلغورود وحدها في عام 2019. وارتفع هذا الرقم إلى 534 كيلوغراما في عام 2020، ثم بلغ 1066 كيلوغراما في عام 2021، منها 867 كيلوغراما وزن المخدرات الاصطناعية. ويقول ألكسندر إن المعمل الموجود في مقاطعة بيلغورود يستطيع إنتاج 30 كيلوغراما من المخدرات (أو 300000 جرعة) في اليوم.
وكان المدعو ألكسندر، ابن مقاطعة كيروفوغراد الأوكرانية، واحدا من "الكيماويين" الذين انشغلوا بإنتاج المخدرات في روسيا. وأنشأ ألكسندر، وهو موقوف حاليًا ينتظر قرار المحكمة، معملا سريا للمخدرات في ريف موسكو قبل عامين. وكان ألكسندر قد أدين قبل مجيئه إلى روسيا، بتهمة إنتاج المخدرات في أوكرانيا حيث انخرط في صناعة المخدرات بإيعاز من رومان، خريج الأكاديمية التابعة لجهاز الأمن الأوكراني.
وكان لـ" ألكسندر" قبل توجهه إلى روسيا لقاءات مع مسؤولي جهاز الأمن الأوكراني. وكان ألكسندر يؤدي عمله في رويسا حسب توجيهاتهم.
ويذكر ألكسندر أن المعمل الذي أنشأه في ريف موسكو كان ينتج نحو 5 كيلوغرامات من المخدرات في اليوم، أي أنه كان ينتج ما قيمته 10 ملايين روبل في اليوم، ولكن ألكسندر والعاملين في معمله لم يحصلوا إلا على جزء من هذا المبلغ.
وأودعوا إنتاجهم في المخابئ في الغابة ليأخذ آخرون لا يعرفونهم مصنوعاتهم ويوزعونها على مَن يجب أن يبيعوها.
ويؤكد ألكسندر أنه لم ير النقود التي يتم تحصيلها في نهاية المطاف.
السلاح المميت
وبينما قبض كل من التجار على ما يتراوح بين 20 ألفا و40 ألف روبل في الشهر ذهب الجزء الأكبر من الربح إلى المنتسبين إلى جهاز الأمن الأوكراني مع العلم أن الغرام الواحد من المخدرات التي باع الواحد منهم 1 إلى 10 كيلوغرامات منها في عام 2015 كان يباع في نفس الوقت بـ1300 إلى 2000 روبل.
وقال مصدر أمني لـ"سبوتنيك" إن الأموال الناتجة عن إنتاج وبيع المخدرات وصلت إلى المنتسبين إلى جهاز الأمن الأوكراني عبر بنوك أوكرانية، وبالأخص "بريفات بنك". واستخدم جهاز الأمن الأوكراني جزءا من الأرباح التي جناها في حقل إنتاج وتوزيع المخدرات لتمويل تنظيمات اليمين المتطرف مثل "برافي سيكتور".
ولم يكن جني الأرباح هو الهدف الرئيسي. فقد قال بعض المشرفين على هذا النشاط الإجرامي لمَن قاموا بتجنيدهم في عصابة إنتاج وتجارة المخدرات إن هدفهم الرئيسي أن يغرق شباب روسيا في بحر من المخدرات.
وهكذا يستخدم نظام الحكم الأوكراني المخدرات كسلاح مميت في حربه "غير النظامي" ضد روسيا. وعلى روسيا أن تصمد في مواجهة هذا السلاح لتتغلب على مُشعلي هذه الحرب.
والأغلب ظنا أن هؤلاء يعرفون أن إنتاج المخدرات وترويجها جريمة يمكن أن يواجه مرتكبوها عقوبة السجن المؤبد.
اقرأ وشاهد المزيد على - دونباس. الإبادة الجماعية. 2014-2022