القرار الذي اتخذته الجزائر جاء بعد مرحلة من التوتر أعقبت إشادة مدريد بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب للصحراء.
وأكدت إسبانيا في مارس/ آذار أنها تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس "الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف" المتعلق بالصحراء المغربية، وذلك في رسالة بعثها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس.
وشدد بيدرو سانشيز، وفق بلاغ للديوان الملكي حينها، على أنه "يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب"، وفي هذا الصدد، "تعتبر إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".
ومنذ مارس الماضي تشهد العلاقات حالة من التوتر على المستوى الدبلوماسي.
خطوات تصعيد
في 26 مايو/ أيار الماضي، قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إن إيطاليا ستكون الطرف الموزّع للغاز الجزائري في أوروبا، بعد زيادة الإمدادات إليها.
جاء ذلك في ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، في إطار زيارة الدولة التي أجراها الرئيس تبون إلى البلاد، وهي الخطوة التي مثلت الإيذان الفعلي بتوجه الجزائر نحو اتخاذ خطوات جادة بشأن تخفيف تعاملاتها مع الجزائر.
وتبلغ الاحتياطيات الجزائرية من الغاز ما يقرب من 2400 مليار متر مكعب، وتسهم بتوفير نحو 11 في المئة من الغاز المستخدم في أوروبا.
50 اتفاقية
من ناحيته قال الدكتور إسماعيل خلف الله المحلل السياسي الجزائري، إن تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، يمكن أن يتبعه تعليق كافة أوجه التعاون بما في ذلك توريد الغاز حال تمادي مدريد في مواقفها ضد الجزائر.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن أكثر من 50 اتفاقية مبرمة بين الجانبين تتأثر بالقرار، خاصة فيما يتعلق بالجانب الفلاحي والاقتصادي، وأن نحو 500 شركة إسبانية تستثمر في الجزائر تتأثر بالقرار.
ويرى أن تمادي إسبانيا في استفزاز الجزائر فيما يرتبط بقضية الصحراء الغربية، وأنها تنتهك الشرعية الدولية في قضية منظورة على المستوى الأممي.
فيما يتعلق بمدى قانونية إلغاء الاتفاقيات من طرف واحد، أشار خلف الله إلى أن الجزائر من حقها أن تمارس "عقوبات اقتصادية" ضد مدريد، كما فعل الجانب الأوروبي مع روسيا، لافتا إلى أن استمرار استفزاز مدريد يمكن أن يدفع سونطراك والشركات الأخرى في إنهاء كافة العقود الموقعة ووقف جميع عمليات التعاون والتوريد.
حجم المبادلات
وبلغت حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا قرابة 7 مليار دولار في 2019، من بينها 3 مليارات صادرات جزائرية تتشكل أساسا من المحروقات.
وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، بلغ حجم المعاملات بين الجزائر وإسبانيا 6.3% من قيمة الواردات الإجمالية إلى الجزائر والمقدرة بـ25 مليار دولار و9% من قيمة الصادرات الجزائرية المقدرة بـ18 مليار دولار، وفقا لوكالة الأنباء الجزائرية.
من ناحيته قال أحمد الحيدوسي الخبير الاقتصادي الجزائري، إن عقود الغاز هي طويلة الأجل بنحو 10 مليار متر مكعب من الغاز، مستبعدا أي إجراء من جهة الجزائر في هذا الشأن.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الخطوة التي يمكن أن تتخذها الجزائر تتمثل في مراجعة الأسعار، وأن قرار وقف تصدير الغاز يمكن أن يقع حال إخلال مدريد ببنود العقد.
بنود الاتفاقية
ويرى أن تعليق الاتفاقية يرتبط بالأساس على التعاون الثقافي والمجال الأمني، والتنسيق فيما يخص بالهجرة غير الشرعية.
ولفت إلى أن الجزائر استوردت بنحو 1.1 مليار دولار عام 2021، في حين أنها كانت تستورد بنحو 2 مليار في العام 2019. ما يعني أنها في منحنى تناقصي بسبب السياسات الحمائية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية بهدف رفع الإنتاج المحلي.
وأوضح أن معظم المنتجات الإسبانية يمكن إنتاجها محليا، أو تعويضها من بعض الدول الأخرى.
ولفت إلى أن إسبانيا تخسر سوق الجزائر الذي يمثل أهمية كبيرة لها، وأن هذا التراجع يؤثر بدرجة كبيرة على الجانب الاقتصادي.
بيان الجزائر
وأشارت الرئاسة الجزائرية في بيان نقلته الوكالة الرسمية إلى أن السلطات الإسبانية "باشرت حملة لتبرير الموقف الذي تبنته إزاء الصحراء الغربية، والذي يتنافى مع التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية كقوة مديرة للإقليم. والتي لا تزال تقع على عاتق مملكة إسبانيا إلى غاية إعلان الأمم المتحدة عن استكمال تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية".
كما جاء في تصريح الرئاسة الجزائرية: "نفس هاته السلطات التي تتحمل مسؤولية التحول غير المبرر لموقفها منذ تصريحات 18 مارس 2022. والتي قدمت الحكومة الإسبانية الحالية من خلالها دعمها الكامل للصيغة غير القانونية وغير المشروعة للحكم الذاتي الداخلي المقترحة من قبل القوة المحتلة، تعمل على تكريس سياسة الأمر الواقع الاستعماري باستعمال مبررات زائفة".
وأضافت الرئاسة الجزائرية "موقف الحكومة الإسبانية يعتبر منافيا للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، ويساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وبالمنطقة قاطبة".