مع رفض لبنان الاعتماد على الصندوق السيادي.. هل تتحمل المصارف الخسائر المالية وما البدائل المتاحة؟

في استمرار الواقع الاقتصادي المرير، وعرقلة جمعية المصارف لخطة التعافي التي طرحتها الحكومة، دعا نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال في لبنان، سعادة الشامي، البنوك إلى البدء في تحمل الخسائر الناجمة عن الانهيار المالي في لبنان من خلال رؤوس أموالها.
Sputnik
ونفى الشامي الحديث عن إمكانية أن تعتمد الدولة على صندوق سيادي أو احتياطيات الذهب لتعويض المودعين الذين فقدوا مدخراتهم، مضيفًا أن "البنوك يجب أن تبدأ أولا من (حيث تحمل خسائر من) رؤوس أموالها قبل أن نمس أي مودع"، وفقا لـ"رويترز".
وطرح البعض تساؤلات بشأن إمكانية دفع المصارف لتحمل حصتها من الخسائر ضمن خطة الإنقاذ الحكومية، وعن البدائل المتاحة في حين سظل الرفض سيد الموقف.

مطالب حكومية

وشدد الشامي، وهو العقل المدبر لخارطة طريق للتعافي الاقتصادي أقرتها الحكومة اللبنانية، قبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال الشهر الماضي، على أنه "لن نطبق مبدأ روبن هود بشكل عكسي، ونأخذ من الفقراء لنعطي للأغنياء- هذا غير مقبول"، داعيا البنوك إلى "تقديم تضحيات" لحماية المودعين.
ونوه الشامي إلى أن الحكومة اللبنانية تهدف إلى إعادة ما يصل إلى 100 ألف دولار أمريكي من مدخرات المودعين بمرور الوقت، مشيرا إلى أن البنوك اللبنانية تملك أصولا بالعملة الأجنبية لتغطيتها من خلال، "احتياطيات البنك المركزي والسيولة في النظام المصرفي وودائع البنوك المراسلة والقروض للقطاع الخاص، من بين أمور أخرى".
لكن الشامي لم يستطع تحديد "ما إذا كانت الأصول المادية للبنوك يمكن أن تسهم في ذلك"، نافيا التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الحكومة قررت استخدام احتياطيات الذهب لتعويض المودعين، بحسب "سويس إنفو".
نائب رئيس وزراء لبنان: على البنوك أن تبدأ في تحمل الخسائر
وبين الشامي أنه منفتح على فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي لإدارة أصول الدولة على نطاق واسع، مؤكدا معارضته "دمج هذه الإيرادات في خطة السداد لأنها لن تكون كافية لسد الفجوة في الخسائر"، مشيرا إلى أنه، بدلا من ذلك، "ستساهم الحكومة بمبلغ 2.5 مليار دولار في صورة سندات طويلة الأجل يمكن إضافتها إلى الميزانية العمومية للبنك المركزي".
وشدد الشامي، على أن تغيير الخطة "غير منطقي" بالنظر إلى الدعم الذي تلقته بالفعل من صندوق النقد والمجتمع الدولي، وقال: "استنادا إلى حجم الاحتياطيات التي لدينا الآن، وهي عشرة إلى 11 مليار دولار (أمريكي)، وبافتراض متوسط ​​إنفاق يتراوح بين 400 و500 مليون دولار (أمريكي) شهريا... نجد أن الاحتياطيات قد تنفد خلال بضعة أشهر".
وبين الشامي أن السبيل الوحيد للتعافي هو أن يقر مجلس النواب اللبناني "حزمة قوانين"، بشكل سريع، تتضمن "ضوابط رأس المال وقانون السرية المصرفية المعدل وخطة إعادة الهيكلة المصرفية"، التي ستتيح الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أنه سيبدأ الاجتماع مع النواب قريبا لحثهم على إقرار القوانين سريعا، محذرا من أن "التقاعس عن التحرك لم يعد خيارا بالنسبة لنا".

مسؤولية مباشرة

قال زياد ناصر الدين الباحث الاقتصادي اللبناني إن البنوك لا يمكنها أن ترفض تحمل الخسائر والمسؤولية، فهناك نظام عالمي وواقع موجود في كل العالم، عندما يكون هناك أي إشكالية بإفلاس أو خسائر، يبدأ مباشرة بتحميل المسؤولية للذي قام بتسهيل القروض لمؤسسات كان معلوم أنها خاسرة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الديون السيادية لا يمكن تطبيقها على مؤسسات تزداد الخسائر لديها عاما بعد عام، بالتالي هناك قاعدة أساسية عالمية تقول إن أي تحميل للخسائر يبدأ من مجالس الإدارات وينسحب على المصارف، بالتالي هي تتحمل المسؤولية المباشرة، وهناك خطة لدى المصارف لبيع أملاك الدولة وعدم تحمل المسؤولية.
مصارف لبنان توقف التعامل بالشيكات... لماذا وما تأثيرها على الاقتصاد اللبناني؟
وتابع: "المصارف حققت أرباحًا خيالية منذ عام 1992 وحتى 2018، وهي لم تقم بعملها بشكل مصرفي جاد يلعب دورا أساسيا في بناء اقتصاد حديث وتطويره وزيادة نموه، بل كانت تقوم بدور مباشر يتعلق بشكل أساسي بالسمسرة المالية، وكانت تلعب دور الوسيط بين المودع والجهات الحكومية للاستدانة وبضمانات مصرف لبنان، وهذا كان يتكرر سنويًا مع نسبة فوائد مرتفعة جدا".
ويرى الباحث الاقتصادي أن التسهيلات التي حصلت عليها المصارف وهذه الشراكة التي كانت قائمة بين المصارف والمصرف المركزي والحكومة، يجعلها تتحمل المسؤولية بشكل مباشر عن كل الخسائر، بالتالي أي تحميل للخسائر يبدأ من النقطة الأساسية لمن سهل الاستعمال واستخدام أموال المودعين في المكان غير المناسب، وأدى إلى هذه الخسائر الكبيرة.

خسائر مستمرة

بدوره اعتبر الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، أن واقع البنوك كما كل الكارتلات والمنظومة الفاسدة في لبنان رفضت في السابق قوانين عادلة تساوي بين جميع المواطنين، وهي تملك القدرة على تعطيل أي قانون يحملها أي أعباء، حيث رفضت في السابق قانون الكابيتال كونترول الذي ينصف الجميع ويمنع التحويل للخارج على الجميع، فرفضته عبر المنظومة السياسية المرتبطة بها وهربت ما لا يقل عن 20 مليار دولار للخارج منها لسياسيين ومنها لمصرفيين ولتجار يملكون السلطة القادرة على الضغط على المصارف.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، رفضت المصارف أيضا خطة التعافي التي عمل عليها الرئيس حسان دياب والتي تضمنت جزءا أساسيا من الودائع وحمل فيها المصارف وكبار المودعين جزءا من الخسائر، كما رفضت إعادة المال المهرب للخارج وفقا للتعميم رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان ولم تنفذه.
حماية لنفسها أم للمودعين... لماذا رفضت جمعية المصارف اللبنانية خطة التعافي الاقتصادي؟
وتابع: "المصارف لم تكتف برفض المشاركة في توزيع الخسائر، بل وضعت يدها على ما تبقى من احتياطي عملات صعبة عبر سياسة الدعم، وخلقت منصة مصرف لبنان لشراء الدولارات على سعر مدعوم وبيع بضائعم على سعر السوق السوداء، فأدى ذلك إلى هدر أكثر من 15 مليار دولار، ذهبت إلى جيوب هؤلاء الكارتلات الذين يمثلون المنظومة الحاكمة ولهم مصالح معها".
وفيما يخص البدائل المتاحة لرد أموال المودعين، قال إن الحكومة اللبنانية لا تملك وفقا للقانون ما يمكن التصرف به لتسديد هذه الودائع سوى دفع الجزء الأساسي منها بالليرة اللبنانية وبالتقسيط طويل الأجل، وهذا الأمر سيضخم الكتلة النقدية ما لم يتم إعادة الثقة للقطاع المصرفي ووقف السحوبات منها والتخزين في المنازل، كما سيساهم في خفض القيمة الشرائية لليرة اللبنانية ما لم يتم وضع خطط استثمارية كبرى لتكبير حجم الاقتصاد، مؤكدًا أن "المطلوب الآن قرارات جريئة في هذا المجال وهذا ما تفتقده المنظومة السياسية الحاكمة".
ونهاية شهر مايو/ أيار المنصرم، رفضت جمعية مصارف لبنان خارطة طريق للتعافي المالي أقرتها الحكومة اللبنانية، واعتبرت أنها تعكس تنصل الدولة ومصرف لبنان من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة بذمتهما.
مناقشة