يرى مراقبون أن انسحاب الكتلة الصدرية بعد كل ما جرى خلال الأشهر الماضية من مخالفات للدستور بعمليات التمديد المتتالية، ربما كان مخططا له منذ فترة وتم وفق توافقات داخل البرلمان لإنهاء العملية السياسية.
وما يؤكد ذلك هو موافقة الكتلة قبل الانسحاب على قانون الأمن الغذائي الطارىء والمثير للجدل، علاوة على أن الصدر قرأ المتغيرات على الساحة السياسية، وأن الوجوه السياسية الحالية قد لا تكون مقبولة أمريكيا في المرحلة القادمة، وأن الشارع الثوري قد يكون له دور كبير، لذا قرر الانضمام للشارع والوقوف بصفوف المعارضة مبكرا، فالبرلمان لا محالة سيسقط إن آجلا أم عاجلا حتى وإن حصل الإطار التنسيقي على الكتلة الأكبر بعد تصعيد الأعضاء الخاسرين الأعلى أصواتا في الدوائر التي استقال أعضاؤها.
وتعليقا على الوضع الراهن في البلاد يقول مسؤول المكتب السياسي لقوى البديل الثوري للتغيير بالعراق، علي عزيز أمين: لايخفى على الجميع أن المتغيرات التي طرأت على الوضع العالمي و ظهور ملامح عالم جديد متعدد الأقطاب، ألقى بظلاله على الساحة العراقية، فقد أصبح واضحا وصول العملية السياسية المصممة أمريكيا لمحطتها الأخيرة في ذلك الطريق المسدود التي سارت به على مدى عقدين من الزمن.
الهروب إلى الأمام
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الإحاطة الأخيرة للممثلة الأممية بلاسخارت والتي نوهت خلالها إلى فشل حكومة الكاظمي، إنما هي رسالة واضحة مفادها وجوب تغيير وجوه العملية السياسية، لذا سارع مقتدى الصدر باستخدام سياسة الهروب إلى الأمام عبر طلبه من نواب كتلته في برلمان المنطقة الخضراء تقديم استقالاتهم متحولين بذلك إلى معارضة شارع، استعدادا منهم لركوب موجة ثورة تشرين بفصلها الجديد، والتي ستسدل الستار إلى غير رجعة على العملية السياسية الباطلة التي أسستها الحكومة الأمريكية بعد غزوها للعراق عام 2003 والتي كان الصدر أحد أعتى أركانها و ركيزة من ركائزها الأساسية.
وتابع أمين، مؤكدا أن الاجتماعات التي جرت على مدى الأشهر الثلاث المنصرمة بين كافة ممثلي قوى تشرين، واستشعار النظام العميل بالمنطقة الخضراء بالخطر من الثورة القادمة، سارع مقتدى لهذه الخطوة المكشوفة لدينا بعد أن أصبحنا نعلم كل ما يفكر به، من كيفية استثماره لكل حراكنا.
وقال: ناقشنا اليوم باجتماعنا الأخير الذي عقدناه في العاصمة بغداد، ضرورة إعلان ساعة الصفر للصفحة الأخيرة من ثورتنا في أقرب وقت، مع الإعلان عن تمسكنا وثباتنا على مبدئنا وهدفنا الأساسي والرئيسي، وهو إسقاط العملية السياسية والنظام العميل بكافة رموزه وكل مسمياته وأحزابه وتياراته، وإعلان تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تتألف من رموز القوى الوطنية الحقيقية المؤمنة بالعراق الواحد القوي المتماسك، بنظام رئاسي غير فيدرالي وغير مؤمن بالأقاليم، وكما كنا قبل الغزو وتجميد الدستور الذي كتبته أمريكا إبان الحاكم المدني لها بول بريمر وأثناء وجود سفيرها حينذاك في بغداد زلماي خليل زاده.
وأكد مسؤول المكتب السياسي، أن التشكيلة الوطنية التي ستشكل حكومة الانقاذ على أتم الاستعداد اليوم لاستلام زمام المبادرة، وهم يمثلون الكفاءة والتخصص لمختلف الوزارات بما فيها الدفاع والأمن بشقيه العام والخاص والمخابرات.
وأشار أمين إلى جملة تضمنتها إحاطة الممثلة الأممية بلاسخارت، بأن المجتمع الدولي سوف لن يسمح بتكرار الفوضى التي حصلت سابقا، في اشارة منها إلى ثورة تشرين والتي يسميها محفلها باحتجاجات تشرين، لعلمهم ومعرفتهم أن الثوار هدفهم إسقاط العملية السياسية، التي أسستها أمريكا بإسم المجتمع الدولي.
إسدال الستار
من جانبها قالت الباحثة السياسية العراقية، رنا علوان، لقد أسدل مقتدى الصدر الستار، معلنا نهاية المسرحية التراجيديا الدموية التي كتبها المحتل ولعب أدوارها جوقة العملاء، ومن بينهم من ادعى أن انسحاب كتلته لأجل الوطن، لقد تصور أنه بهذا التصرف سوف ينجو من كونه ركنا أساسيا من أركان النظام السياسي الذي هدم مؤسسة الدولة العراقية و مزق النسيج المجتمعي لشعب العراق.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "نحن نؤكد أن أحرار العراق على وعي تام بتلك السلوكيات المريضة، وأن الشعب الحر هو الوحيد الذي سيكتب نهاية هذا النظام، نحن ندرك تماما أن هذه الشخصية المهزوزة التي لا تكن الاحترام لأي شيء، ولا تتصرف من تلقاء نفسها وإنما تأتمر بأوامر المحفل الذي يوجه تصرفاتها، محاولين أن يكون جزء من صفحة قادمة خططوا لها، على اعتبار أنهم نتاج الشارع الثائر، بعد الفشل الذريع الذي منيت به صفحتهم الأولى، والتي كان آخر فصولها ربيبهم مصطفى الكاظمي".
انسحاب مدبر
وأشارت علوان إلى أنه، "بعد المقاطعة الكبيرة لانتخابات شكلية وبعد مرور ما يقارب 8 أشهر على انتهائها وعجز كافة الأطراف عن تشكيل حكومة، ورصد الجميع لكيفية انتهاك مقتدى الصدر دستورهم، عبر تقديم منح زمنية لنفسه والآخرين، وفي النهاية سجل هروبا من البرلمان بعد ضمان سرقة حصصهم من ثروات العراق عبر تصويتهم على ما يعرف بقانون الأمن الغذائي، فإذا كانت النية مبيتة للانسحاب وهذا واضح من خلال قبول الاستقالات من رئاسة المجلس بدون أي مهلة للتداول، فضلا عن استباق أتباع مقتدى لنشر لافتات كبيرة في شوارع بغداد قبل نحو شهر معنونة بـ 13حزيران، في اشارة إلى ليلة الانسحاب".
مناورة سياسية
بدوره قال المحلل السياسي، عباس العرداوي، اليوم الاثنين، إن "خطوة التيار الصدري باستقالة كتلته البرلمانية تعد مناورة سياسية، وذلك بعد محاولة التيار تشكيل حكومة أغلبية".
وأضاف في تصريحات لـ"راديو سبوتنيك" أن "خيار الانسحاب والاستقالة من البرلمان قد يبدو واحدا من عوامل الانفراج للأزمة السياسية".
وأوضح العرداوي أنه "بتوقيع رئيس البرلمان على استقالات نواب الكتلة الصدرية فقد نفذت الاستقالة، وبالتالي يتم تعويض النواب المستقيلين من خلال دوائرهم الانتخابية بالاحتياط الأول".
وأشار إلى أن "ما حدث سينتج عنه تغيير في الأوزان النيابية، حيث سيتغير حجم الإطار التنسيقي، باعتبار أن الكثيرين ممن ينتمون للإطار سيرتقون للمجلس النيابي وبالتالي ستكون له الحصة الأكبر".
وفي وقت سابق، وجه مقتدى الصدر أعضاء الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي، إلى تقديم استقالتهم، وذلك في ظل انسداد طال العملية السياسية في العراق في أعقاب الانتخابات الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال الصدر، في رسالته إلى أعضاء كتلته الصدرية في البرلمان: "على رئيس الكتلة الصدرية، الأخ حسن العذاري، أن يقدم استقالات الأخوات والأخوة في الكتلة الصدرية إلى رئيس مجلس النواب"، حسب وكالة الأنباء العراقية.
وأعلن رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، اليوم الاثنين، أن خيار حل البرلمان لم يطرح حتى الآن، قائلا: "إن حل البرلمان والانتخابات المبكرة هو خيار دستوري، وأن الانتخابات السابقة كانت مبكرة و"جرت بحل البرلمان، لكن حتى الآن لم يُطرح هذا الخيار".
وأكد رئيس مجلس النواب العراقي أن هناك جهودا لتشكيل حكومة تتحمل القوى السياسية مسؤولية مخرجاتها وأدائها، ويكون تقييمها أمام الشعب.
وفيما يتعلق باستقالة نواب الكتلة الصدرية، قال الحلبوسي إنه سيكون لها تأثير سياسي خاصة وأنها كانت قد حققت أعلى نتائج، مؤكدا أن "وجود الكتلة الصدرية في العملية السياسية مهم".
وعن الإجراءات القانونية عقب استقالة نواب الكتلة، قال إنها "ستمضي بحسب قانون الانتخابات وبحسب آليات العمل النيابي، والبديل سيكون الخاسر الأعلى في كل دائرة انتخابية".
ويشغل التحالف الذي يقوده مقتدى الصدر (يضم إلى جانب التيار الصدري الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني) والذي تم إعلانه عقب الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي، 175 مقعدا في البرلمان (من أصل 329)، غير أنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة، بعدما لجأت قوى "الإطار" إلى تعطيل انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد.