وأكدت عائلة الرضيع أن وفاة مولودها كانت ناجمة عن خطأ طبي وسوء تقدير لحالة الزوجة الحامل التي كان وضعها الصحي يستوجب ولادة قيصرية، بيد أن المشرفة على على الولادة وفي ظل غياب طبيب التوليد أصرّت على توليدها بطريقة طبيعية، وهو ما أدى إلى قطع رأس الرضيع بعد استحالة سحبه وذلك لإنقاذ حياة أمه.
وفجّرت هذه الحادثة ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت أعلنت فيه السلطات التونسية عن فتح تحقيق في الغرض لتحديد ما إذا كان الأمر ناجما عن تقصير طبي أم أنه تطبيق للإجراءات الطبية المعتمدة في مثل هذه الحالات.
وتواجه المستشفيات العمومية في تونس وخاصة منها الجهوية انتقادات بضعف الخدمات وتقادم التجهيزات الطبية وتآكل البنية التحتية، فضلا عن نقص أطباء الاختصاص وتكرر الأخطاء الطبية التي عادة ما يعجز ضحاياها عن تحصيل حقوقهم إما بسبب نقص الأدلة أو جراء غياب قوانين واضحة تكفل لهم إثبات الضرر والتعويض عنه.
خطأ طبي واضح
وبالعودة إلى تفاصيل الواقعة، أكد والد الرضيع المتوفى مصطفى عثمان لـ "سبوتنيك"، أن ابنه الرضيع كان في حالة الوضعية المقعدية (وضعية الطفل بالمقلوب)، وهو ما جعل الطبيب المباشر لحالة زوجته يوصي بولادته عن طريق الجراحة القيصرية.
وتابع "حينما داهم المخاض زوجتي سارعت بنقلها إلى المستشفى الجهوي بالمنستير، لكننا لم نجد أي طبيب توليد، وحينها تدخلت القابلة بالقوة وعرضت توليدها بالطريقة الطبيعية رغم أننا أعلمناها بتعليمات طبيبتها المباشرة التي هي في نفس الوقت رئيسة قسم داخل مستشفى المنستير".
وأكد مصطفى أن القابلة أرغمت زوجته على الولادة الطبيعية رغم رفضها وتمسكها باستدعاء طبيبتها المباشرة، التي قيل لها إنها لن تأتيَ إلى المستشفى في الصباح الباكر من أجل حالة واحدة.
وتابع "عاملت القابلة زوجتي بطريقة سيئة وتجاهلت رفضها، وباشرت في توليدها طبيعيا وهو ما تسبب في انحصار رأس المولود ووفاته اختناقا.. وعندها وقع استدعاء الفريق الطبي الذي تدخل بإجراء عملية جراحية لإخراج رأس المولود.
وأضاف مصطفى بأن الفريق الطبي لم يعلمه بما حدث، واكتفى بالقول إنه اختار انقاذ حياة زوجته، مشيرا إلى أنه انتظر 4 ساعات لتسلم رضيعه المتوفى، وأن الفريق الطبي أوصاه بعدم تفحص المولود وبدفنه مباشرة.
وتابع "أصرت عمتي على غسل المولود قبل دفنه، وكانت الصدمة الكبرى حينما رأينا الحالة الكارثية والمؤلمة التي كان عليها الرضيع.. كان الخيط الجراحي محيطا بكامل رقبته، والكدمات تملأ رأسه وسيقانه".
وقال مصطفى إن الخطأ الطبي واضح ويتمثل في سوء تقدير حالة زوجته ومخالفة تعليمات طبيبها المباشر الذي أوصى بإجراء عملية قيصرية، مشددا على أنه سيتمسك بإظهار حق رضيعه حتى النهاية ومحاسبة المخطئين مهما طالت فترة التقاضي.
موت سريري لقطاع الصحة
وفي تعليق حول الموضوع، قال رئيس الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية المحامي صابر بن عمار لـ"سبوتنيك" إن "هذه الحادثة الأليمة تشي بأزمة أخلاقية لحقت بكل القطاعات ومنها القطاع الصحي"، منبها إلى تواتر حالات التقاعس وتجاهل حق الإنسان في الحياة.
وقال إن حادثة المنستير تصنف على أنها قتل غير متعمد ناجم بالأساس عن اللامبالاة وعدم احترام الأخلاقيات الطبية وتجاهل معطى طبي على غاية من الأهمية يتعلق بتوصية الطبيب المباشر بإجراء عملية ولادة قيصرية.
وتابع "للأسف تتعالى بعض الإطارات الطبية وشبه الطبية على المريض الذي يجهل التقنيات الصحية، خاصة في ظل غياب الحق في المعلومة والمعرفة.. ناهيك عن أن بعض الأطباء في تونس لا يواكبون التطور العلمي في اختصاصاتهم".
واعتبر بن عمار أن القطاع الصحي العمومي يعيش "حالة موت سريري"، في ظل تدهور الخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات العمومية وتواصل عملية التهجير القسري لأطباء الاختصاص وللكفاءات الطبية التونسية طيلة السنوات العشر المنقضية، منتقدا إحجام السلطات عن الاستثمار في القطاع الصحي والتهاون في محاسبة مرتكبي الأخطاء الطبية بالمؤسسات الصحية على غرار حادثة وفاة 14 رضيعا في مستشفى الرابطة التي أثبتت الأبحاث الحديثة أن الصيدلي قد قام بتنبيه وزارة الصحة بضرورة تعقيم أقسام الأطفال ولم تقع الاستجابة له.
وأضاف "لا بد أن تؤخذ صيحة الفزع بجدية وأن تكون هناك مسؤولية إدارية عبر اعتماد وثيقة تثبت موافقة المريض من عدمه على إجراء عملية جراحية وتؤسس لمسؤولية طبية".
15 ألف شبهة خطأ طبي في السنة
واعتبر رئيس الجمعية التونسية لمساعدة المتضررين من الأخطاء الطبية عصام العامري في تصريح لـ -سبوتنيك- أن تجاهل المشرفة على الولادة لتعليمات الطبيب المباشر هو خطأ طبي فادح .
وأشار العامري إلى أن عدد الأخطاء الطبية في البلاد آخذ في التفاقم من يوم إلى يوم، مؤكدا أن الجمعية تتلقى بشكل مستمر العديد من التشكيات على مستوى طب التوليد وخاصة العمليات التجميلية التي تستقطب بفضلها تونس مرضى من مختلف دول العالم.
ولفت المتحدث إلى إحصاء نحو 15 ألف شبهة خطأ طبي في السنة، وسبعة آلاف خطأ طبي تهم مختلف التدخلات الطبية.
وقال "للأسف في سنة 2022، مازلنا نسمع بحوامل تفقدن مولودهن بسبب غياب طبيب اختصاص أو تمتن تحت الولادة أو أثناء تنقلها إلى المستشفى التي يبتعد عشرات الكيلومترات عن مقر سكنها".
ونبه العامري من خطورة النقص الحاصل في أطباء الاختصاص الذين يمتنع بعضهم عن العمل في الجهات الداخلية والمناطق الريفية بينما يخير المئات منهم الهجرة إلى الخارج بسبب ظروف العمل السيئة وضعف المدخول المادي، مضيفا "في بعض المستشفيات الداخلية تتوفر التجهيزات ويغيب الطبيب القادر على استخدامها، فتترك دون استعمال".
وشدد العامري على ضرورة مراجعة التشريعات التي تعود لسنوات مضت.