لماذا يتم استهداف مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العالمية بالقتل، خصوصا في المحافظات الجنوبية اليمنية وما الأهداف ومن يقف وراء تلك العمليات؟
بداية يقول رئيس مركز جهود للدراسات باليمن، الدكتور عبد الستار الشميري، إن عملية استهداف الصحفيين الدوليين العاملين في الجنوب، هى جزء من استهداف الصحفيين بشكل عام خلال سنوات الحرب الدائرة منذ أكثر من 7 سنوات، وخاصة في عدن، وعددهم كبير جدا، حيث كان يتم قنص البعض وتفجير البعض الآخر، علاوة على القتل المباشر للبعض أو من خلال حوادث السير المقصودة.
أصحاب المصالح
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه هناك بعض الصحفيين تم استهدافهم بمقذوفات أو تم تعذيبهم حتى الموت، هذا الأمر موجود في كل مناطق الحرب وربما يكثر في مناطق المليشيات، لكنه موجود أيضا في تعز ومأرب وحتى في البيضاء، هناك عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين وأيضا الناشطين، حيث تم تدبير كمائن لهم وهى حوادث كثيرة تمس الصحفيين اليمنيين المحليين بشكل عام.
وتابع الشميري، أما ما يتعلق بالإعلام الدولي، هناك من له مصلحة وفائدة من تصفية مراسلي الصحف والوكالات العالمية، ومن هؤلاء من يرى أن الإعلام والصحافة غير مرغوب فيهما، خاصة في أماكن محددة لأنه يكشف الحقائق والفساد ويوثق بعض الأعمال التي ترتكبها بعض تلك الجماعات، خاصة وأن هناك سجون سرية يتم فيها انتهاك كل حقوق الإنسان بصورة كبيرة، بعض الإعلاميين حاول الاقتراب من تلك الملفات، وفي الغالب أن هؤلاء من الإعلاميين الدوليين والمحليين هم من يتم استهدافهم، بعد أن يكونو قد وصلوا إلى معرفة أو فك طلاسم بعض السجون السرية أو تسليط الضوء على بعض الجرائم، وحت بعض الجماعات المشاركة مع الشرعية والحوثيين، عندما يتم الاقتراب من بعض خروقاتهم التي تشمل انتهاكات إنسانية، هنا يتم وضع الصحفي أو الإعلامي تحت المتابعة ويتم التخلص منه.
الاقتراب من المحظور
وأشار رئيس مركز جهود إلى أنه في الغالب أن معظم من تم التخلص منهم كانوا بصدد مشاريع أو أنهم بالفعل قد نفذوا بعض المشاريع الصحفية من هذا النوع، لذا ليس اعتباطا أن يتم تصفيتهم، بل هو أمر مسبب، لا تريد هذه الجماعات السياسية والدينية تلك الأصوات، وجميعهم متورط في انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية وبشكل متفاوت، حيث يتم ترصد الصحفيين الذين يسعون لكشف الحقائق وتوثيقها ويتم إنذار وتهديد البعض ومن يستكمل في نفس الطريق يتم التعامل معه بتلك الطريقة البشعة، لكن هناك بعض الصحفيين والإعلاميين لا يزالون على الطريق ويحاولون حماية أنفسهم بطريقة أو أخرى، وآخرين ابتعدوا عن العمل الصحفي والإعلامي.
رسالة موجهة
بدوره يقول الحقوقي في جنوب اليمن، المحامي رائد الجحافي: "أن استهداف الصحافيين بالذات مراسلي وسائل الإعلام الخارجية هي عملية تأتي بصورة ممنهجة، إذ تسعى الجهة التي تقف وراء العملية الإرهابية من خلال هذا الاستهداف إلى إيصال رسالة قوية للرأي العام يكون لها وقعها، حيث ستتكفل وسائل الإعلام تلك التي يجري استهداف مراسليها، بإثارة وتناول ظاهرة الإرهاب والترويج لها".
وأضاف لوكالة "سبوتنيك": "أن هناك صحافيين تعرضوا للقتل بنفس الطريقة التي قتل بها الحيدري، إذ تعرضت سيارة الصحافي محمود العتمي الذي يعمل مصورا في قناة العربية ومعه زوجته الصحفية رشاء الحرازي مراسلة قناة الشرق الفضائية، بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ، للتفجير الذي أودى بحياة زوجته، والتي كانت حامل في شهرها التاسع، وقبل ذلك تحديدا في مطلع شهر يونيو/حزيران 2020، جرى اغتيال الصحفي نبيل حسن القعيطي، الذي كان يعمل مصورا لوكالة فرانس برس الفرنسية، وأنه ليس بالضرورة تبرئة الجهة التي يعمل لصالحها الضحايا، فهناك أشياء أبعد بكثير فرضتها الحرب كنتيجة حتمية".
تطرف سياسي
واستبعد الجحافي تورط الجماعات المتطرفة دينيا بالوقوف وراء تلك العمليات، التي قال إن المتعارف عليه أن الجماعات المتطرفة تمارس ارهابها من منطلق عقائدي، ولا علاقة لها باستهداف الصحافيين، مؤكدا أن من يقف وراء هذه الجرائم أطراف محلية لها علاقة بالصراع الذي تشهده اليمن وبمساعدة دولية، وتهدف من وراء تلك الأعمال إلى ترسيخ قناعة لدى الرأي العام الخارجي، مفادها، أن جنوب اليمن بيئة غير مستقرة وحاضنة للإرهاب، وأن الحديث عن إقامة دولة مستقلة في هذه المنطقة سينتج عنها سيطرة تنظيم القاعدة عليها، وسيؤدي إلى تهديد أمن واستقرار المنطقة والعالم، خصوصا وأن عدن ولحج وأبين، مناطق قريبة من خط الملاحة الدولية (كمضيق باب المندب) وتهيمن عليها".
وأكد الجحافي على أن "الخطر اليوم بات جليا، وأن هناك أيدي قذرة تعمل ليل نهار لإشاعة الفوضى والقتل وسفك الدماء ومضاعفة معاناة السكان بالذات في عدن، وذلك بغية تحقيق أغراض سياسية تتواكب والأحداث الجارية التي تشهدها اليمن بشكل عام، وتأتي بالتوازي مع المشهد المأساوي الذي يٌلقي بظلاله على حياة الناس في عدن، جراء اصطناع الأزمات الاقتصادية وتجويع السكان، وتعطيل التعليم والقضاء، وتشجيع الفساد والفاسدين، والاعتماد على أصحاب السوابق والمجرمين، وتشجيعهم للوصول بهم إلى تقلد مواقع قيادية حساسة في الجيش والأمن، وكذلك على مستوى المواقع القيادية المدنية لمؤسسات الدولة التي تشكل أهمية".
الخطر القادم
حذر الحقوقي اليمني من الأيام القادمة وأن العمليات الإرهابية لن تقتصر على الصحافيين وحسب، إنما قد تطال بعثات أجنبية تابعة للمنظمات الإغاثية والإنسانية الأجنبية سواء التابعة للأمم المتحدة أو غيرها، بدليل الحملات الإعلامية الواسعة التي تنال من تلك المنظمات الإنسانية تحت مبرر مزعوم، وهو ممارستها أنشطة تنصيرية واستخباراتية تستهدف الإسلام، واتهامها بالسعي لإفساد المجتمع.
لم يمض سوى شهر واحد تقريبا على التقرير السنوي العشرين الخاص بالتصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية ومقرها باريس والذي يأتي بالتزامن مع إحياء "اليوم العالمي لحرية الصحافة" الموافق 3 مايو/ أيار من كل عام.
وأبقى التقرير الأخير اليمن في نفس مركزه "169"، وفق تصنيف العام السابق 2021م من بين 180 دولة، حيث تندرج ضمن أسوأ البلدان قمعا لحرية التعبير.
وحاولت منظمات مجتمع مدني محلية الضغط على حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح لاعتماد تشريع يضمن حماية الصحفيين ويحافظ على بعض حقوقهم، لكن الحال لم يتغير كثيرا.
ولقي الصحفي اليمني، صابر الحيدري، الذي يعمل مراسل لتلفزيون (NHK) الياباني، مصرعه مساء أمس الأربعاء، إثر انفجار طال سيارته التي اشتعلت النيران فيها، بينما كان الحيدري يقودها وسط مدينة عدن، حيث أكد مصدر أمني بالمدينة إن مجهولين كانوا قد زرعوا عبوة ناسفة في السيارة.