وأكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، أكبر منظمة نقابية في البلاد، أن الإضراب الذي شارك فيه نقابيون من مختلف ربوع الجمهورية كان ناجحا بنسبة 96.22 في المائة، مشددا على أن العمال سيستمرون في النضال دفاعا عن حقوقهم الاجتماعية، ملوحا بتنفيذ إضراب ثانٍ في قطاع الوظيفة العمومية إذا ما استمر "تعنت الحكومة".
ويحذّر مراقبون من تداعيات وخيمة لهذا الإضراب على المالية العمومية المثقلة بالأعباء والديون وعلى مستقبل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي سبق وأن اشترط موافقة المنظمة الشغيلة على برنامج الاصلاحات لتوقيع اتفاق مالي مع الحكومة.
ووفقا لتقديرات الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية نصر الدين النصيبي فقد بلغت كلفة الإضراب في القطاع العام 300 مليون دينار (96.42 مليون دولار). وأشار في وقت سابق إلى أن اتحاد الشغل يطالب بتفعيل اتفاقيات قيمتها المالية في حدود 1000 مليون دينار.
إضراب مرتقب في الوظيفة العمومية
من جانبه، يوضح سامي الطاهري، الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، أن الأخير مضى في الإضراب على خلفية استنفاد جميع الحلول السلمية وبعد فشل جلسة التفاوض الأخيرة مع الوفد الحكومي الذي عرقل جزء منه المفاوضات.
وأكد الطاهري في تصريح خاص لـ "سبوتنيك"، أن الناطق الرسمي باسم الحكومة غالط الشعب من خلال الترويج إلى أن اتحاد الشغل وقع على محضر اتفاق مع الحكومة لإلغاء الإضراب، مضيفا "أتحدى الحكومة أن تنشر هذا المحضر المزعوم".
وشدد على أن إضراب الخميس هو رسالة من المفترض أن تلتقطها الحكومة من أجل فتح المفاوضات، مؤكدا أن الخيار الثاني سيكون إقرار الإضراب في الوظيفة العمومية.
وأضاف: "مطالبنا اقتصادية وليست سياسية وهي تتلخص بالأساس في 5 مسائل هامة وهي تعديل المنشور عدد 20 الذي عرقل المفاوضات والذي أكدنا أنه مرسوم لا دستوري ولا قانوني ويتعارض مع المعايير الدولية".
ولفت الطاهري إلى أن المطلب الثاني يتعلق بفتح المفاوضات في تعديل الأجور في القطاع العام والوظيفة العمومية، لتحسين المقدرة الشرائية التي تدهورت بشكل غير مسبوق.
وأوضح أن المطلب الثالث هو تعديل الأجر الأدنى، مشيرا إلى أن ما يزيد عن 700 ألف متقاعد أجورهم دون الأجر الأدنى.
أما المطلب الرابع فيتصل بوضع جدول في معالجة مشاكل المؤسسات العمومية حالة بحالة إلى جانب إنهاء التفاوض في القانون العام للمنشآت والدواوين والقانون العام للوظيفة العمومية.
وتابع الطاهري: "المطلب الخامس والأخير فيتعلق بإلغاء المساهمة التضامنية بـ 1% المفروضة على الموظفين على اعتبار أنها أدت دورها بعد أن دفع الأجراء ما استوجب عليهم لإنقاذ الصناديق الاجتماعية وما على الحكومة إلا أن تنهي هذه المساهمة".
رسالة سلبية لصندوق النقد الدولي
وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ "سبوتنيك"، إن الأخطر من الكلفة المباشرة للإضراب التي ذكرها الناطق الرسمي باسم الحكومة، هي الكلفة غير المباشرة والتي لا يمكن تقييمها.
وأوضح: "غلق مطار تونس قرطاج ليوم واحد له تأثيرات وخيمة على السياحة التونسية وعلى علاقة تونس بالشركات الأجنبية، وغلق الموانئ ليوم واحد له أيضا تداعياته الخطرة على التجارة الخارجية من صادرات وواردات، وإيقاف حركة النقل الداخلي له كذلك عواقبه بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية".
ولفت سعيدان إلى أن الإضراب العام سيؤثر بالضرورة على المحادثات المريرة مع صندوق النقد الدولي التي تواصلت مدة 14 شهرا، وهي مدة غير مسبوقة لأن المحادثات التقنية لا تتجاوز في العادة 5 أسابيع على أقصى تقدير.
وقال إن هذه الإطالة هي دليل واضح على عدم ثقة المانحين في قدرة السلطات التونسية على انجاز الاصلاحات والوفاء بتعهداتها.
وأضاف الخبير الاقتصادي، "عوض أن تسعى الحكومة إلى التوصل إلى توافق مع صندوق النقد الدولي الذي اشترط دعم الأطراف الاجتماعية لبرنامج الإصلاحات، عاشت البلاد على وقع إضراب في القطاع العام سيعقبه إضراب آخر في الوظيفة العمومية وقد يتحول إلى إضراب عام في كامل البلاد".
وقال إن صندوق النقد الدولي لن يتساهل مع الحكومة التونسية في ظل هذه الأوضاع، مشيرا إلى أن ممثل الصندوق سيزور تونس الأسبوع المقبل للإطلاع على الأوضاع.
ويرى سعيدان أن الحكومة تغالط الرأي العام بالقول مرارا وتكرارا إنها تقترب من بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبالحديث كذلك عن تسجيل فائض في الميزانية بقيمة 346 مليون دينار (نحو 111.21 مليون دولار)، مشيرا إلى أن الحكومة لم تسدد ديونها الداخلية منذ يناير/كانون الثاني 2022 إلى حد الآن.
واستبعد توصل الحكومة إلى حل وسط مع اتحاد الشغل تتفادى به الإضراب في الوظيفة العمومية، خاصة في ظل وجود تباين واسع في وجهات النظر بين الطرفين.
خطوة في صالح الحكومة !
ويرى المحلل السياسي كمال بن يونس، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن الإضراب العام أدى رسالة واضحة وهي أن الاتحاد العام التونسي للشغل هو لاعب رئيسي في البلاد، وأنه لا يمكن المرور إلى أي مسار سياسي دون مشاركة المنظمة الشغيلة.
وأضاف: "بالرغم من تأكيد القيادات النقابية أن الإضراب ذو مطالب اجتماعية، إلا أن خطاب الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي كان مشحونا بالرسائل السياسية التي استهدفت رئيس الجمهورية وأيضا الحكومة من خلال القول إنها حكومة انتقالية عينت بمراسيم ولا يمكن لها أن تخطط لإصلاحات وطنية".
واعتبر بن يونس أن المعركة بالأساس هي معركة سياسية، وأن اتحاد الشغل يسعى أن يكون طرفا مشاركا في مرحلة ما بعد 25 يوليو/تموز.
ويرى المحلل السياسي أن الحكومة التونسية قادرة على قلب الموازين والاستفادة من هذا الوضع إذا ما اعتمدت على دبلوماسية نشيطة، من خلال توظيف الإضرابات مع صندوق النقد الدولي والضغط لبدأ التفاوض بحجة أنها تواجه ضغطا اجتماعيا قويا قد يتحول إلى فوضى ويقودها إلى السيناريو اللبناني، وهو ما يستوجب دعما ماليا كبيرا خاصة في ظل الفجوة الكبيرة على مستوى الموازنة.
وتابع: "لكن الفرضية الأقرب هي العودة إلى طاولة الحوار بين الاتحاد والحكومة لأن هذا الانسداد لا يفيد أحدا في هذه المرحلة، خاصة من جهة المنظمة الشغيلة التي قد تدفع إلى تجنب القطيعة خشية تحريك الملفات القضائية المتعلقة بالنقابيين".
ولفت بن يونس إلى أن السيناريو الثاني، يتمثل في المضي في إضراب ثانٍ في قطاع الوظيفة العمومية، مشيرا إلى أن ضغط الاتحاد الذي يترافق مع ضغط الأحزاب المعارضة وعلى رأسها جبهة الخلاص الوطني ومواطنون ضد الانقلاب قد يدفع إلى إلغاء الاستفتاء والمرور إلى انتخابات برلمانية تفرز برلمانا جديدا يتولى مهمة تنقيح الدستور عوض اللجان الاستشارية.