بداية يقول الوزير السابق للشؤون القانونية وحقوق الإنسان في اليمن محمد عسكر: "انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن انتشرت بعد الحرب وانقلاب الحوثيين "أنصار الله" المدعوم إيرانيا، وتلك الانتهاكات ضد المدنيين تتوسع عندما يتراجع دور الدولة أو يتم تقليصه، والعكس كلما بسطت الدولة نفوذها تقل تلك الانتهاكات".
كيان الدولة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، الميزان في مثل هذه الأمور يتعلق بكيان الدولة، عندما تضعف الدولة تزيد تلك الانتهاكات لأنه لا يوجد ضابط ولا رابط ولا نظام حمائي لحقوق الإنسان، فمؤسسات الدولة هي الأداة الحمائية الأولى لحقوق الإنسان، لذلك نجد أن المناطق التي تقع تحت سيطرة "الحوثيين" هى أكثر المناطق انتهاكا لتلك الحقوق، نظرا لعدم وجود المؤسسات الرسمية المعترف بها، كما لا يوجد نظام قانوني ولا سيادة أو احترام للقانون الدولي الإنساني، أو احترام لقواعد قانون حقوق الإنسان الدولي.
وتابع: "هذا الأمر أدى إلى اتساع المعتقلات ومصادرة حرية الرأي، وشلل كبير في الصحافة اليمنية التي تجاوز عمرها الستين عاما، حيث تم مصادرة وغلق كل القنوات، وحتى القنوات الدبلوماسية التي كانت تراقب وتنتقد أي انتهاكات كبيرة، لذلك اتسعت عملية تجنيد الأطفال وتم وضع أصحاب الرأي في السجون".
جرائم حرب
وأشار عسكر إلى أن كل التقارير الدولية والمحلية أكدت تلك الانتهاكات التي يصل بعضها إلى مستوى جرائم الحرب، والأهم من ذلك أن تلك الانتهاكات تتم بشكل ممنهج من قبل الأجهزة الأمنية التي أنشأتها مليشيات الحوثي وليست أعمالا فردية، وهكذا في باقي مناطق اليمن، حيثما تضعف الدولة تزدهر انتهاكات حقوق الإنسان.
وأوضح الوزير أن "انتهاكات حقوق الإنسان تشمل البشر بشكل عام، وأي إنسان مدني بطبيعته، لذا فإن حقوق الإنسان تشمل كل المدنيين، أما تحول الإنسان من مدني إلى عسكري أو محارب، فهذا التحول يضعه تحت قواعد القانون الدولي الإنساني الذي ينظم قواعد الاشتباك والتعامل مع الأسرى والمنشآت المدنية في حالات الحروب، علاوة على كيفية التعامل مع العدو واللباس العسكري وغير ذلك، أما قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان فهى تتعامل مع الإنسان باعتباره إنسان سواء كان قبل العمل العسكري أو بعد التقاعد".
تجنيد الأطفال
ولفت عسكر إلى أن أكبر الأمثلة على انتهاكات "الحوثيين" ضد المدنيين في مناطق سيطرتهم هو أن أكثر من ثلاثة أرباع عناصر نقاط التفتيش في الطرق "أطفال"، حيث أن معدل تجنيد الأطفال لديهم يزيد بمعدل 80 في المائة عن معدل تجنيد الأطفال في باقي ربوع اليمن.
وتابع: "حاولنا في العام 2018 عمل اتفاقية مع منظمة اليونسيف لمراجعة ومتابعة عملية تجنيد الأطفال ورصدها وتسليح هؤلاء الأطفال، ولا يزال هذا المشروع قائم حتى اليوم في كل مناطق الشرعية اليمنية، في المقابل يرفض الحوثيون التعامل مع اليونسيف، ولا يزال المجتمع الدولي حتى الآن عاجز عن حل تلك القضية".
انتهاكات قوية
من جانبه يقول رئيس مركز جهود للدراسات باليمن عبد الستار الشميري، إن الحديث عن انتهاكات "الحوثيين" وحزب الإصلاح ضد المدنيين في اليمن ليست بسيطة أو محدودة أو مخفية، وإنما هى انتهاكات قوية ومتعددة وارتقت في بعض الأحيان إلى ما يمكن أن نطلق عليه "جرائم حرب"، حيث نجد هناك العديد من حالات الإعدام المباشر دون محاكمات بسبب الاختلاف أو تهم يتم توجيهها لهم، وهذه الأمور تقابل برفض محلي وإقليمي ودولي سواء في مناطق "الحوثيين" أو مناطق "حزب الإصلاح" في مأرب وتعز بالتحديد.
حزب الإصلاح
وروى الشميري لـ"سبوتنيك" ما شده في محافظة تعز قائلا: "كنت في تعز إبان إنقلاب الحوثيين "أنصار الله" على السلطة الشرعية في اليمن وشاهدت أشياء يدمي لها القلب، ثم تم بعد ذلك تحرير جزء من تعز وسيطرت عليها إداريا مليشيات من حزب الإصلاح".
وتابع: "كما شاهدت بعيني حالات إعدام لشباب وناشطين وسياسيين من قبل الإصلاح، كما ارتكب الحزب أيضا العديد من الجرائم في اليمن، ولا يزال أشهر ناشطين يمنيين وهما أكرم حميد وأيوب الصالحي في سجون سرية لحزب الإصلاح لا يعلم أحد شيئا عنها، كما تم تصفية الكثيرين أيضا من أصدقائي من المفكرين والكتاب وأصحاب الرأي".
واستطرد: "شاهدت بعضهم جثث هامدة في أحد ميادين تعز، هذا لا يعني أن الحوثيين والإصلاح هم الوحيدين الذين يمارسون تلك الإنتهاكات، لكن يبقى حزب الإصلاح والحوثيين في مقدمة المتورطين في تلك الجرائم ضد المدنيين، والتي تتمثل في السلب والنهب والتعذيب ونهب الأموال والقتل والإخفاء ونهب أموال المغتربين".
واقع مؤلم
ولفت الشميري إلى أن تلك الانتهاكات تبدأ من الإعدام والتصفية "مباشرة أو بكاتم الصوت"، وهناك أنواع كثيرة من الانتهاكات عبر السجون واغتصاب الأطفال كما حدث في تعز وأشارت إليه بعض التقارير الأممية، وهي جرائم ليست فردية وإنما هى بالآلاف وتتعلق بأعداد كبيرة من اليمنيين خلال سنوات الحرب الثماني.
وأشار رئيس مركز جهود للدراسات إلى أن الحديث عن تلك الانتهاكات ليس سلاحا دعائيا ضد طرف في الحرب، بل هو واقع عايشناه، ولا يزال الراصدين يحاولون استجماع بعض المعلومات التي نشر الكثير منها، لكن هناك الكثير والكثير من حالات الانتهاك التي شاهدناها بأعيننا ولم نستطع توثيقها، مشيرا إلى أن المعلومات تؤكد أن هناك أكثر من ألفي حالة انتهاك في تعز لوحدها وبشكل متنوع ما بين اغتصاب الأطفال أو السرقة أو النهب، من قبل مليشيات حزب الإصلاح تحديدا وقيادات عسكرية عليا كبيرة.
وتابع: "خلال الأيام الماضية كان الحديث يدور عن قائد عسكري كبير تابع لحزب الإصلاح يحاول ابتزاز أحد التجار بآلاف الدولارات لأن التاجر لدية بعض الأراضي والممتلكات، وهذا الأمر يسري على المئات من تجار تعز، وكذلك الأمر بالنسبة لمحافظة مأرب، وفيما يتعلق بالإعلاميين المحايدين فقد تم إجراجهم من تعز ومأرب لطرح القضية بعيدا عن الاتجاهات المتباينة، وينطبق الأمر على العديد من محافظات الجنوب".
تغطية الفشل
في المقابل يؤكد عضو مجلس شورى صنعاء، بليغ الشامي أنه لا يوجد هناك أي انتهاكات، وأنها "مجرد شائعات تروج لها ما وصفه بـ "حكومة الارتزاق" لتبرير فشلها أو للتغطية عليه".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هم فاشلون في إدارة مناطقهم، رغم أن الموارد كلها تحت سيطرتهم، ومع هذا فاشلين ومختلفين، وما يروجون له هو محاولة للفت الأنظار عن فشل مجلسهم الرئاسي، وتغطية اختلافهم، ولهذا يقومون بحرب إعلامية ضد حكومة صنعاء".
وفي الثاني من يونيو/حزيران الجاري، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غرونبرغ، موافقة أطراف النزاع في اليمن على مقترح أممي لتمديد الهدنة السارية في البلد العربي، شهرين إضافيين تنتهي مطلع أغسطس القادم، وفق بنود الاتفاقية الأصلية التي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي.
وتتضمن هدنة الأمم المتحدة في اليمن، إيقاف العمليات العسكرية الهجومية برا وبحرا وجوا داخل اليمن وعبر حدوده، وتيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة غرب اليمن.
كما تتضمن الهدنة الأممية السماح برحلتين جويتين من وإلى مطار صنعاء الدولي أسبوعيا، وعقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات لتحسين حرية حركة الأفراد داخل اليمن.
ويشهد اليمن منذ أكثر من 7 أعوام معارك عنيفة بين جماعة "أنصار الله" وقوى متحالفة معها من جهة، والجيش اليمني التابع للحكومة المعترف بها دولياً مدعوماً بتحالف عسكري عربي، تقوده السعودية من جهة أخرى لاستعادة مناطق شاسعة سيطرت عليها الجماعة بينها العاصمة صنعاء وسط البلاد أواخر 2014.
وأودى الصراع الدائر في اليمن منذ اندلاعه بحياة 377 ألف شخص، 40 في المئة منهم سقطوا بشكل مباشر، حسب تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
8 سنوات من الحرب في اليمن
© Sputnik