مجتمع

الخيانات الزوجية "الفيسبوكية" ترفع معدلات الطلاق في سوريا

ارتفعت معدلات الطلاق في سوريا خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى باتت مقاربة لمعدلات الزواج، إذ كشفت آخر إحصائية رسمية بأن كل 29 ألف حالة زواج، يقابلها 11 ألف حالة طلاق.
Sputnik
مما لا شك فيه أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السوريون من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الطلاق، وهذه حالة طبيعية أفرزتها الحرب التي امتدت لأكثر من عشر سنوات.
ولكن للخيانة الزوجية وتحديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الحصة الأكبر في حالات الطلاق تلك، وخاصة مع غياب أحد الطرفين لساعات طويلة في العمل خارج المنزل.
تطور أشكال الخيانة
ولأهمية هذه الظاهرة، التقت "سبوتنيك" مع القاضي المستشار وليد كلسلي، الذي أكد أنه في الآونة الأخيرة ولدى الرجوع إلى الإحصائية التي صدرت العام الماضي فقد وصلت نسبة حالات الطلاق إلى 50% من نسبة حالات الزواج، قائلا: "لدى مراجعة المحاكم الشرعية وأثناء التمحيص فيما تم ذكره من الزوجين أثناء جلسات التحكيم السرية، تبين أن أسباب طلب التفريق التي وردت للمحاكم هي: اقتصادية واجتماعية وثقافية".
وتابع كلسلي: "الأسباب الاجتماعية، كاختلاف البيئة وبلد الإقامة بين الزوجين المتضمنة اختلاف العادات والتقاليد، وظهور حالات من التسلط يمارسها الزوج ضد زوجته، بالإضافة لفرض القيود اللاإنسانية عليها في بعض الحالات.. أما الأسباب الاقتصادية، فاختلاف المستوى المادي بين الزوجين يجعل من العلاقة الزوجية علاقية مبنية على المصلحة المادية خالية من العواطف والمحبة، والفقر يجعل الأهل يقومون بتزويج البنات القاصرات من رجل كبير في السن وتصبح العلاقة الزوجية علاقة بيع وشراء كأي سلعة، بينما الأسباب الثقافية، فاختلاف المستوى العلمي والثقافي بين الزوجين وحصول أحدهما على شهادات عليا من العلوم والمعارف وافتقار الطرف الآخر للحد الأدنى من العلم والثقافة، يجعل الزوجين كلاً منهما في وادٍ مختلف عن الآخر في الرأي واتخاذ القرارات المعيشية".
الخيانات الزوجية "الفيسبوكية" ترفع معدلات الطلاق في سوريا
وبخصوص حالات الطلاق بسبب الخيانة الزوجية، أوضح كلسلي أنه "بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها، ولدى مقارنة حالات الطلاق قبل ظهورها وبعد ظهورها تبين أن هناك حالات طلاق جديدة غير المعتادة لدى كافة المجتمعات الإنسانية ومنها الخيانة الزوجية، حيث تطورت الخيانة عبر المراسلات والدردشة وإرسال مقاطع فيديو لا أخلاقية، واكتشاف أحد الزوجين لمثل هذه الخيانة تؤدي بنهايتها إلى المحاكم الشرعية وصولاً إلى الطلاق وانهيار الأسر وضياع الأولاد". لافتاً في الوقت نفسه إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي سهلت على المجتمع تعزيز التواصل والحصول على المعلومة بالسرعة القصوى والاطلاع على ثقافة الغير بأبسط الطرق وأسرع وقت وبدون تكاليف مادية".
نزوات "افتراضية"
يقول أحمد (إحدى الحالات الذين تواصلت سبوتنيك معهم): "الفيس بوك كان سبباً في عودتي لحبي الأول بعد زواجي بفترة قصيرة، حيث اقترح الفيس بوك إضافة صديقة كانت معي في مرحلة الدراسة وعندما طلبت صداقتها وافقت وبدأنا نتحدث لساعات وتطورت العلاقة بيننا لتصل إلى زواجي بها سراً دون علم زوجتي التي كانت حاملاً في طفلنا الأول، ولكن حظي السيء جعلني أخرج من المنزل وصفحتي مفتوحة وطبعاً فضول زوجتي جعلها تدخل على الرسائل الخاصة وتكتشف زواجي فأصرت على الطلاق وبالفعل طلقتها وأعيش جحيماً مع زوجتي الثانية التي شعرت إنها السبب في خراب بيتي".
أما ريم فتقول: "الملل وإهمال زوجي الذي كان يغيب لساعات طويلة خارج المنزل كان بطل تلك الواقعة، فبعد أن أصبح يومي متكرراً لا جديد فيه بدأت بالبحث عن وسيلة للهروب، فقمت بإضافة بعض الأصدقاء على الفيس بوك، ولكن حظي السيء قادني إلى الوقوع في الخطيئة بعد أن تعرفت على أحد الأشخاص الذي جذبني بكلامه المعسول، فتطورت علاقتنا وكنت أرسل له صوراً ومقاطع فيديو، وبدأ يهددني بالفضيحة إن لم أرسل له أموالاً مقابل سكوته، حتى وصل الأمر لزوجي فطلقني وحرمني رؤية طفلي".
وتقول أم حسام: "زوجي متدين وخلوق، ترك يوماً حسابه مفتوحاً على فيسبوك‘ دخلت ووجدت محادثات له مع فتاة ليل يطلب منها تبادل الصور والفيديو والمحادثة، انصدمت جداً بعد أن كنت أثق به تماماً، علماً أننا متزوجون منذ 15 عاماً ولدينا 4 أطفال".
خيانات "إلكترونية"
أكد المحامي محمد عبد الله في حديث خاص لـ "سبوتنيك"، أن "ظاهرة الطلاق هي السبب في تفكك المجتمعات التي أصبحت تشكل خطراً كبيراً وكابوساً يؤرق كثيراً من الأسر ويهدد كيان المجتمع، فارتفاع نسبة الطلاق مقارنةً بنسبة الزواج يعود إلى سوء الأخلاق والتدهور القيمي الذي طال المجتمع السوري وتراجع المودة والاستقرار والتضحية من أجل الزوجة والأبناء لصالح قيم رديئة كالمظاهر التي تزداد معها الأعباء المالية وانعدام سبل العيش، وأيضا سوء العلاقة الحميمية بين الزوج والزوجة هو من الأسباب المهمة للانفصال".
وأضاف عبد الله: "بالإضافة إلى تزويج بعض الأسر الفقيرة لبناتها في سن صغيرة تخلصاً من مسؤولية الإنفاق عليهن هذا ما يكون مدعاة إلى الانهيار الكامل والتفكك التام في أسس وأركان المنظومة الأسرية في المجتمع، حيث سنرى طوابير كثيرة من النساء المطلقات والأطفال المشردين بسبب استفحال ظاهرة الطلاق، وهذا نتيجة طبيعية لما تعرضت له الأمة من انعكاسات سلبية نتيجة التعامل الخاطئ والغير مدروس مع وسائل التكنولوجيا الحديثة وما أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي من شرخ وفجوة وانفتاح كبير للخيانة الزوجية، فهي عامل متصاعد الأهمية في انشغال الزوج عن زوجته ووقوع خيانات زوجية إلكترونية تنتهي إلى انفصال الزوجين".
وتابع حديثه قائلاً: "إن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي أصبح مرض نفسي سببه الفراغ العاطفي وضعف العلاقة الزوجية وغياب لغة الحوار، واستخدام هذه البرامج مثل الفيس بوك والواتس يجعلهم يقصرون في أداء واجباتهم الأمر الذي يتسبب في خلق الكثير من المشاكل الأسرية والتي قد تتطور إلى طلب الطلاق".
الاختيار "خاطئ"... سلفا
بدورها، أوضحت الباحثة الاجتماعية ومديرة “أكاديمية السلام ضد العنف ونشر السلام العالمي والوعي الثقافي في سورية” مجد آلوسي لـ "سبوتنيك"، أن "اختلاف الأولويات بين الزوجين، وكثرة العنف هي أحد أسباب الطلاق المنتشرة، لأن العدوانية تؤدي إلى نزع الحب والاحترام من العلاقة الزوجية مما يجعلها أقرب الى علاقة جحيم سواء كان العنف لفظي كالسب والسخرية والانتقاد اللاذع أو جسدي كالضرب مما يدفعها إلى التفكير في الخلاص من خلال اللجوء إلى الطلاق".
وأكملت آلوسي: "وأيضا غياب التواصل بين الأزواج، حيث يعاني بعض الأزواج من عدم قدرتهم على فهم الطرف الآخر وعدم القدرة على فتح باب الحوار الذي يعزز الثقة بينهما وبالتالي يسبب المعاناة بين الطرفين وقد تنتهي بالطلاق في كثير من الأحيان، بالإضافة لتدخل الأهل سواء من عائلة الزوج أو عائلة الزوجة في تفاصيل الحياة الخاصة بين الزوجين"، مشيرة إلى أن "تقصير الطرفين في واجباتهما التي تقع على عاتقهما من أهم أسباب الطلاق أيضا".
وعن دور وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة حالات الطلاق، قالت آلوسي إنه "من خلال هذه الوسائل يبحث كل طرف من الزوجين عن ملجأ آخر والسبب الرئيسي هو عدم التكافؤ بين الزوجين وعدم التفاهم وعدم الاحتواء، فعندما يكون هناك وعي كبير من كلا الطرفين وتفاهم واحترام لن يلجأ أحد للخيانة لأنه يصبح كل واحد منهما غير منسجم مع الآخر ولا يوجد اتصال ودي بينهما والفرص مهيئة، فيسعى كل منهما وراء شخص آخر وهي سبب للانفصال لعدم فهم الأزواج لبعضهم البعض، لذلك يجب على الأزواج معرفة الاختيار منذ البداية لكي لا يكون سبب الطلاق هو الاتصال الانسدادي بينهما ويعني عدم القدرة على التواصل بشكل إيجابي أو التحدث بأسلوب صحيح وعدم احتواء كل منهما للآخر ويصلون لطريق مسدود".
مناقشة