فما مدى جدية العسكر من وراء تلك التصريحات وهل يمكن أن يتوافق المدنيون بتوجهاتهم المختلفة على تشكيل حكومة كفاءات وفق الجدول الزمني المحدد. أم أن الكلمة العليا ستكون لرافضي الحوار من الأساس؟
بداية يرى الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، أن الخطاب الأخير للبرهان ليس مناورة بعدما آلت إليه الأمور والأزمات المستمرة منذ 25 أكتوبر/تشرين أول 2021، وكان واضح أن هناك استعصاء للحالة السياسية وغياب كامل للحكومة التنفيذية ومؤسسات الدولة، وإن شئت القول غياب كامل لكل أركان الدولة، لذا أصبح استمرار الوضع الراهن بتلك الصورة له أبعاد خطيرة.
الخيارات انتهت
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه على ما يبدو من الخطاب الأخير للبرهان أن الخيارات أمام العسكر انتهت، ولم يعد أمامهم إلا فرصة ضئيلة لإنهاء تلك الأزمة، فجاء مثل هذا القرار الذي تحدث عنه البرهان والذي يجعل الكرة بالكامل في ملعب المدنيين، حيث أصبح اليوم على المدنيين أن يتفقوا فيما بينهم وأن تتحد كلمتهم على حكومة موحدة تستلم الحكم من المون العسكري، لأنه وبمجرد تشكيل الحكومة سوف يتم حل مجلس السيادة وهو المكان الوحيد الذي توجد فيه الشراكة بين المكونين المدني والعسكري، وبحله ينتهي تماما وجود المكون العسكري في السلطة ويتحول المكون العسكري إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبهذا الإجراء تكون قد تمت الاستجابة لـ اللاءات الثلاث التي أطلقت في الشارع "لا مفاوضة ولا شراكة ولا شرعية".
وعن الفرق بين الدعوات السابقة للبرهان والتي تحدث فيها عن تسليم السلطة للمدنيين حال توافقهم على حكومة جديدة وخطابه الأخير، يقول ميرغني، إن الخطابات السابقة للبرهان ربما تثبت جدية الخطاب الأخير، لأنه طالما تكررت تلك الدعوة بأن يكون هناك مكون مدني واحد يتولى زمام الحكم، وضعت في الخطاب الأخير على شكل إجراء وبصورة واضحة جدا وبقرارات صدرت، كما أن هناك مدة زمنية محددة بشهر، إذا استطاع خلاله المكون المدني تكوين الحكومة سوف يتسلم السلطة، وإن لم يحدث ذلك فسوف يقوم المكون العسكري بتشكيل حكومة والخروج من المشهد، والخطاب الأخير به نوع من الجدية من جانب العسكر تجاه المدنيين، "سواء اتفقتم أم لم تتفقوا فإننا سوف نخرج من المشهد ونترك لكم الحكم".
صعوبة التوافق
وأشار المحلل السياسي إلى أن خطاب البرهان الأخير موجه لكل المكون المدني في مساراته الثلاثة "الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، والنسخ الأخرى المنشقة عن قحت، بجانب المجموعة التي يترأسها الحزب الشيوعي والمنظمات التابعة له"، لكن من الواضح تماما صعوبة اجتماع المجموعة التي يقودها الحزب الشيوعي والتي لها التأثير الأكبر على الشارع، تلك المجموعة يبدو أن أمرها محسوم تماما وأنها لن تقبل بأي حلول وسط، وتطرح شعار التغيير الشامل بالقوة، وهذا يعني تغيير الدولة بالكامل، سياسيا ومجتمعيا وثقافيا، أي أنهم يريدون تغيير شامل من الدولة القديمة إلى الدولة الجديدة وهذا الأمر بالنسبة لهم غير قابل للنقاش، أما بالنسبة للمجلس المركزي للحرية والتغيير فهم الأكثر قدرة على المناورة ولديها قدر من القبول بالشارع.
من جانبه يقول المحلل السياسي السوداني، ربيع عبد العاطي، إن انسحاب الجيش من الحوار وضع الكرة في ملعب القوى السياسية والتنظيمات الاجتماعية والأطراف السياسية المعنية بالحوار، من أجل الوصول إلى اتفاق يقود إلى تشكيل الحكومة المدنية الجديدة المكونة من الكفاءات بعيدا عن الأحزاب السياسية استكمالا للفترة الانتقالية التي حدد لها العام 2023.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، بكل تأكيد أن انسحاب الجيش من الحوار السياسي يعني ابتعاده عن العمل السياسي والتنفيذي ولا علاقة له بالعمل المدني والاتفاقات الثنائية بين الأحزاب السياسية، وكان يفترض أن يتم هذا الأمر منذ الحادي عشر من أبريل/نيسان عام 2019، لأن أي اتفاق بين الجيش والقوى السياسية يقدح في مهمة الجيش المعني بالدفاع عن البلاد أو قومية القوات المسلحة التي لا علاقة لها بالأحزاب السياسية أو الأيديولوجيات المختلفة.
عقبات في الطريق
وأوضح عبد العاطي، أن المسائل التي يجب التركيز عليها الآن، من الذي سوف يرأس الحوار بين القوى والأحزاب السياسية ومختلف الأطياف بالبلاد، ومن الذي سوف يحدد عدد المشاركين ومعايير التمثيل وأجندة هذا الحوار، المسألة ليست سهلة وإنما هى معقدة جدا لأنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق بين كل تلك المكونات، فحتى أحزاب الحرية والتغيير اختلفت مع بعضها البعض، وهناك مكونات خارج العملية السياسية ورفض من قبل بعض أحزاب الحرية والتغيير واتهامات بالمشاركة مع النظام السابق، والحقيقة أن الجميع شارك بعد دستور العام 2005.
وأشار المحلل السياسي إلى أن دور الآلية الثلاثية في الحوار، هو دور المسهل لما يجري وليست صاحبة قرار، ومسألة حل الأزمة والحوار ليست بالسهولة التي يتخيلها البعض.
المزيد من الضغط
بدوره يقول السياسي السوداني، بكري عبد العزيز، إن تصريحات البرهان حول انسحاب الجيش من المشهد السياسي وتسليم السلطة لحكومة مدنية، جاءت بعد ضغط كبير من الشارع، لكن بكل الأحوال الشارع يرفضها.
وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الأمور سوف تسير نحو المزيد من الضغط، الأمر الذي يدفع البرهان للبحث عن خروج آمن له ولمن معه، ولا يخفى على أحد أن الشارع يرفض تماما كل تلك الخطوات.
اعتبرت قوى الحرية والتغيير(المجلس المركزي)، اليوم الثلاثاء، أن خطاب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، مناورة بعد ضغط التظاهرات المعارضة، مشيرة إلى سعيه للاستيلاء الكامل على السلطة.
وقال القيادي بالقوة المعارضة، عمر الدقير، إنهم يعتبرون خطاب البرهان الأخير "مناورة وتراجعا تكتيكيا بعد الضغط الجماهيري"، مضيفا أن إعلانه تأسيس مجلس أعلى للقوات المسلحة يضم قوات الدعم السريع "عبارة عن استيلاء كامل على السلطة".
وقرر رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بوقت سابق أمس الاثنين، انسحاب المكون العسكري من عملية الحوار مع القوى السياسية، مؤكدا على أنه سيتم حل مجلس السيادة الانتقالي فور توافق القوى على تشكيل حكومة مدنية.
وأشار البرهان إلي أنه سيتم إنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع تكَون مهامها إدارة المسائل العسكرية بالبلاد، في أعقاب الوصول لحكومة مدنية وحل مجلس السيادة.
ويذكر أن قوى "الحرية والتغيير" مجموعة المجلس المركزي، أعلنت تعليق التفاوض مع المكون العسكري جراء استخدام الشرطة العنف المفرط تجاه المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى خلال احتجاجات الخميس الماضي.