يرى خبراء أن المكاسب التي حققها الريال خلال الأشهر الماضية أمام الدولار لم تمثل الواقع على الأرض، بل إن تلك الخطوات جاءت نتيجة للعديد من التصريحات والوعود السعودية ودول التحالف بإيداع عدة مليارات في البنك المركزي اليمني في عدن.
ومع مرور الوقت وعدم تحقق تلك الخطوة على الأرض، بدأ الريال ينخفض مجددا ويقل المعروض منه في السوق وتزعزع الثقة في العملة الوطنية، ولن يستقر سعر الريال اليمني إلا إذا كان هناك استقرار سياسي وأمني وبوادر لعملية سلام شامل في البلاد.
هل يستمر التراجع في صرف الريال اليمني ولماذا لم تفلح إجراءات البنك المركزي في السيطرة على هذا الأمر؟
بداية يقول شلال العفيف، الباحث اليمني في المجالات المالية والمصرفية، إنه بالرغم من الحديث عن الدعم السعودي الإماراتي، نجد استمرار لانهيار قيمة العملة اليمنية مقابل العملات الأخرى.
الخطاب الرئاسي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الملاحظ رغم الحديث عن الدعم، نجد أن هذا الأمر لم ينعكس أو يساهم في تحسن أسعار الصرف كما حدث في المرات السابقة، وهذا الأمر يعود لعدة أسباب منها، أن بيان الرئاسة الانتقالية في اليمن لم يتحدث عن وديعة أو عن دعم البنك المركزي، بل كان حديثه عن موافقة الرياض على مسار عاجل لاستيعاب التمويلات السعودية الإماراتية المقدرة بنحو ثلاثة مليارات و300 مليون دولار، بدءاً بحزمة مشاريع إنمائية، وشحنات نفطية لتشغيل محطات الكهرباء الحكومية بمبلغ 600 مليون دولار.
وتابع العفيف، أن المبلغ الذي تمت الموافقة عليه 600 مليون دولار فقط، وتم تخصيصه لدعم محطات الكهرباء بالنفط وتمويل مشاريع إنمائية، هذا الدعم لم يوجه للبنك المركزي مباشرة لدعم استقرار صرف العملة المحلية على الرغم من الوعود السابقة عند تشكيل مجلس القيادة، حيث كان الحديث عن وديعة لدعم البنك المركزي اليمني، ولكن تغيرت المواقف تماما، ولم يتم الحديث عن أي وديعة أو دعم للبنك المركزي وتحول إلى دعم مشاريع، وتسيير هذا الدعم عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ولهذا لم ينعكس الإعلان عن هذا الدعم على تحسن أسعار صرف العملة المحلية.
الثقة المفقودة
وأشار الباحث المصرفي إلى أن السبب الثاني لانهيار العملة يعود لانعدام الثقة بالعملة الوطنية وبالجهاز المصرفي، فما حدث في الفترات الماضية من تحسن أسعار الصرف فجأة كان نتيجة الحديث عن مبادرة أو دعم أو وديعة أو تشكيل حكومة، ولكن سرعان ما عاودت أسعار صرف الريال اليمني الانهيار مجددا وبسرعة، وهذا هو الدافع لانعدام الثقة بالعملة المحلية وبالجهاز المصرفي اليمني، ما أدى إلى خلق نوع من التشاؤم والإحباط لدى الجمهور بعدم تحسن أسعار الصرف.
وأوضح العفيف أن تلك الحالة التي نراها تعود أيضا إلى غياب دور السياسة المالية للحكومة، والتي تعد من أهم المعوقات التي تواجه البنك المركزي اليمني في إدارته لسياسة أسعار الصرف، فالاستمرار في تغطية عجز الموازنة العامة للدولة غير المحدد يأتي عن طريق السحب على المكشوف من البنك المركزي وشحة إيرادات الدولة.
ولفت إلى أن المواطن فقد الأمل بمجلس القيادة المشكل حديثا، فمنذ تشكيله إلى اليوم لم يشعر المواطن بأي جديد، سواء تحسن في الخدمات أو الأسعار في السوق، علاوة على أن مجلس القيادة ومنذ توليه زمام الأمور في البلاد، لم يقم بأي إصلاحات مالية أو اقتصادية ولم يحرك ساكنا فيما يخص موضوع الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، تلك الأسباب كانت العوامل الرئيسية لعدم تحسن أسعار الصرف والاستمرار في التدهور والانهيار، ومهما حصل من دعم بدون الخوض في إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية، فلا جدوى من أي دعم.
الودائع الخليجية
من جانبه يرى محمود المريسي، مدير إحدى شركات الصرافة اليمنية، أن معاودة الريال للانهيار مجددا أمام العملات الأخرى يعود إلى عدم وفاء الجهات المانحة بما تعهدت به من ودائع سيجري وضعها في البنك المركزي، رغم التصريحات المتكررة من تلك الدول عن تلك المنح والودائع وأن هناك جدية لمساعدة اليمنيين وتخفيف المعاناة عنهم.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، قد يكون الانهيار الحالي لسعر الريال ناتج عن زيادة الطلب المحلي عليه، نظرا لموسم الحج والمضاربات التي تجري بين التجار، أضف إلى ذلك أن عملية استقرار الريال أمام العملات الأخرى لا تخضع للقرار السياسي بقدر خضوعها للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث أن عمليات التفجير الأخيرة في عدن أثارت الكثير من القلاقل، بل ربما كان أحد الأسباب الأساسية في تلك الأزمة.
حلول منطقية للأزمات
وأشار المريسي إلى أنه يجب معالجة الأوضاع الداخلية في البلاد وأن تكون هناك حلول منطقية للأزمات وليست مجرد تصريحات إعلامية، الأمر يتطلب موقف جاد وليس حقن مهدئة، لأن جميع ما يحدث الآن في سوق الصرف ما هى إلا حقن مهدئة وعندما لم تتحقق الوعود الخارجية والداخلية عاد الريال للإنهيار مجددا.
ووصل سعر صرف الدولار الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية إلى ما يقارب 1200 ريال مقابل كل دولار، بعدما تراجع خلال الفترة الماضية إلى أقل من 1000 ريال مقابل الدولار، وأرجعت بعض وسائل الإعلام في اليمن إلى أن الأمر يعود إلى تغير في الوعود الخليجية من دعم احتياطي البنك المركزي إلى مشاريع انمائية.
ويشهد اليمن منذ أكثر من 7 أعوام معارك عنيفة بين جماعة "أنصار الله" وقوى متحالفة معها من جهة، والجيش اليمني التابع للحكومة المعترف بها دوليا مدعوما بتحالف عسكري عربي، تقوده السعودية من جهة أخرى لاستعادة مناطق شاسعة سيطرت عليها الجماعة بينها العاصمة صنعاء وسط البلاد، أواخر 2014.
وأودى الصراع الدائر في اليمن منذ اندلاعه بحياة 377 ألف شخص، 40 في المئة منهم سقطوا بشكل مباشر، حسب تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.