وسارعت مصر في السنوات الأخيرة إلى تعزيز إنتاج الكهرباء، ليس ذلك فحسب، ولكن أيضا مع تنويع المصادر، فإلى جانب محطات الطاقة التقليدية والمولدات الكهرومائية في الجنوب، استثمرت القاهرة الكثير في طاقة الرياح والشمس وحتى في الغاز الطبيعي.
تشير تقديرات مجلس الوزراء إلى استثمار مصر 355 مليار جنيه (18.77 مليار دولار وفقا لأسعار الصرف الحالية) في مشروعات الطاقة بين عام 2014 و2021. ويأتي مشروع الضبعة الذي تبلغ تكلفته نحو 25 مليار دولار، استكمالا لطموح القاهرة التي تأمل في أن تصبح محورا للربط الكهربائي على نطاق واسع، إلى جانب تنويع وتوسيع إنتاج الطاقة.
ويصل إنتاج مصر حاليا نحو 30 ألف ميغاواط تقريبا، علما بأنه لديها قدرات إنتاجية احتياطية ويزودها مشروع الضعبة بنحو 4800 ميغاواط إضافية.
توسعت مصر بالفعل في جهود تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة (ليبيا والسودان والسعودية) مع تحقيقها فائضا كبيرا بلغ نحو 13 ألف ميغاواط في عام 2020، مقارنة بعجز 6 آلاف ميغاواط في عام 2014.
ويتفقد وفد كبير برئاسة وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، ورئيس هيئة المحطات النووية وقيادات شركة "روساتوم"، وآخرين، موقع تنفيذ أعمال محطة الضبعة، اليوم الأربعاء، لوضع حجر الأساس والإعلان عن انطلاق المشروع فعليا.
وأصدرت السلطات المصرية رخصة بناء أول محطة طاقة لشركة "روساتوم" الحكومية الروسية في 29 يونيو/حزيران من هذا العام، وفي 20 يوليو/تموز، وخلال حفل مهيب، بدأ صب خرسانة أساسات محطة الطاقة النووية.
وقال السفير الروسي لدى القاهرة، جورجي بوريسينكو، إن بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر في الضبعة يعد "المشروع الأضخم في السنوات الأخيرة".
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك" أنه:
"من المفترض أن يكون مشروعاً ضخماً ومهماً مثل بناء سد أسوان".
وتابع: "يمكننا رسميا تهنئة الدول الصديقة ببدء المرحلة الأساسية للمشروع، الذي سيصبح رمزاً مميزا للشراكة الاستراتيجية الثنائية".
كيف تنظر مصر للمشروع؟
المتحدث باسم وزارة الكهرباء المصرية، أيمن حمزة، أخبر "سبوتنيك" أن الحصول على إذن إنشاء للوحدة النووية الأولى لمحطة الضبعة النووية، يعد "خطوة مهمة وإنجازا كبيرا" في طريق بناء أول محطة نووية في مصر.
وأضاف في تصريحات خاصة، أن الحصول على هذا الإذن سمح ببدء الأعمال الإنشائية والخرسانية في المفاعل، إضافة إلى الأعمال التي تتم حاليا في الموقع من استكمال الميناء البحري بالمحطة، وإجراءات التصنيع الخاصة بالمعدات طويلة الأجل، وغيرها من الأعمال الإنشائية.
وأكد متحدث وزارة الكهرباء أن هذه الخطوات التي اتخذتها مصر حتى الآن لبناء المفاعل، مهمة ضمن مخطط مزيج الطاقة المخصص له في مصر، ومحاولات الدولة في تنويع مصادر الطاقة.
وأوضح أن هناك اهتماما كبيرا وتنسيقا على أعلى مستوى بين الجانبين المصري والروسي، من أجل استكمال الخطوات والإجراءات اللازمة كافة لبناء أول محطة نووية مصرية في الضبعة.
هدف استراتيجي
ليلى فكري، نائبة رئيس هيئة الطاقة الذرية السابقة، ترى أن وضع حجر أساس المشروع بعد الحصول على ترخيص بناء أول وحدة طاقة بمحطة الضبعة للطاقة النووية، يعد إنجازا لمصر ويحقق لها "هدفا استراتيجيا كبيرا"، ويسير في ركب الرؤية المصرية في تنويع مصادر الطاقة ودخول العصر النووي لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة النووية.
وأشادت في تصريحات لـ"سبوتنيك"، بالخطوات التي اتخذتها مصر حتى الآن لبناء محطة الطاقة النووية في الضبعة، مؤكدة أن بناء المحطة يوفر الطاقة التي تؤدي لتشغيل مصانع أكبر.
وترى فكري أن الطاقة باتت المفتاح الحقيقي للتقدم، والعجلة الأساسية للتنمية الاقتصادية، معتبرة أن توفير مصادر الطاقة واستيعاب الطاقة النووية في المصانع من شأنه أن يوفر المزيد من فرص العمل.
جانب من أعمال الإنشاء في محطة الضبعة
© Photo / NPPA
وأوضحت أن المحطة النووية في الضبعة ترفع التنمية في محافظة مطروح، وتخلق المزيد من فرص العمل لأبناء المحافظة في المصانع وداخل المحطة، ما ينعكس بشكل إيجابي وتنموي على الاقتصاد الوطني المصري.
النائب الأسبق لرئيس هيئة المحطات النووية المصرية منير مجاهد، اعتبر البدء في تنفيذ "القاعدة الخرسانية" للمفاعل النووي الأول بالضبعة، بمثابة "الأمل الذي بدأ" يتحقق.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن
روسيا دولة كبيرة ومترامية الأطراف وأن العملية العسكرية في أوكرانيا لن تؤثر على المضي قدما بالمشروع، خاصة أن الجانب الروسي ملتزم في كل المشروعات التي دخلها سابقا.
ولفت إلى أن مشروع الضبعة من أهم مشروعات التنمية في مصر، خاصة أنه من المشروعات التي تغطي تكلفتها، حيث أن عملية السداد تبدأ بعد اكتمال المشروع.
وفاء وقوة روسية
يرى نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا، على عبد النبي، أن بدء صب القاعدة الخرسانية الأولى للمفاعل النووي بالضبعة يؤكد "وفاء روسيا بالتزاماتها وتعهداتها رغم ما تعيشه من أوضاع حالية"، في إشارة للعقوبات والضغوط المرتبط بالعملية الخاصة في أوكرانيا.
وأوضح المسؤول السابق في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن عملية الإنشاء الفعلية تبدأ منذ وضع "القاعدة الخرسانية" الأولى الأربعاء، على أن تأتي المعدات من روسيا تباعا ليتم تركيبها، لافتا إلى أن مرحلة الإنشاء تستغرق نحو 56 شهرا للوصول إلى مرحلة الاختبارات لمدة عام وبعدها تدخل مرحلة التشغيل الفعلي.
وتابع عبد النبي: "مع الظروف الحالية كانت جميع التوقعات تشير إلى احتمالية عدم إتمام المشروع، لكن نتيجة العلاقات الوثيقة والاستراتيجية ومراعاة جدول الأعمال طبقا لما هو منصوص عليه، فإن روسيا تفي بالتزاماتها".
وشدد المسؤول المصري السابق، على أن "روساتوم" تعد أكبر شركة في العالم لإنشاء المفاعلات النووية، وأن عملها في مصر له انعكاسات إيجابية كبيرة على البلاد. وأضاف: "التزام روسيا بالمواعيد وعملية التنفيذ يؤكد قوتها، رغم انشغالها في العملية العسكرية، لكنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها من خلال شركة روساتوم".