وبعد الاستفتاء على الدستور يترقب الشارع الإعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، وسط حالة من التباين والتخوفات بشأن تراجع نسب المشاركة، وكذلك فيما يرتبط بالإصلاحات الاقتصادية التي يعول عليها الشارع في المقام الأول.
الدستور الجديد يعتبره البعض بمثابة إنهاء فترة جماعة الإخوان من المشهد التونسي، فيما يتخوف نسبة ليست بالهينة من التضييق على الحريات والحياة السياسية، بحسب الخبراء.
وشارك 27.54%من الناخبين التونسيين المسجلين في الاستفتاء حول مشروع دستور يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، وفاقت نسبة التصويت بنعم من نسبة المصوتين أكثر 92 %
يرى الخبراء أن الصراع سيظل مستمرا بين معسكر الرئيس قيس سعيد ومعسكر المعارضة بما فيه تيار الإخوان والأحزاب الإسلامية والمعارضة من الأحزاب اليسارية.
إجراءات شكلية
من ناحيته قال حاتم المليكي عضو البرلمان السابق، إن جميع الإجراءات التي تمت تبقى شكلية ولا تستند إلى شرعية دستورية أو شعبية قوية ما لم تحقق تطلعات الشارع التونسي.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن العملية الانتخابية المقبلة تصبح عملية شكلية إذا لم تترجم في إصلاحات حقيقية على أرض الواقع.
ويرى أن مشاركة الشارع التونسي في الانتخابات المقبلة لا يعول عليها بشكل كبير، ما يعني أن العملية السياسية مهددة، خاصة أن المواطنين أصابهم الملل من الانتخابات المتتالية التي جرت في تونس والتي لم يترتب عليها نتائج تحقق تطلعات الشارع.
ويرى المليكي أن الجدل حول انتهاء دور جماعة الإخوان من المشهد السياسي في البلاد محل تباين في الشارع السياسي التونسي، إذ لا يمكن الجزم بهذا القول في ظل قدرتهم على خوض الانتخابات التشريعية المقبلة.
وأوضح عضو البرلمان السابق أن تجربة الجماعة تمتد لأربعين عاما، وأنها فشلت بشكل كبير على مدار هذه الفترة، خاصة أن العديد من التيارات التقدمية والديمقراطية تصدت لمحاولاتها للسيطرة على تونس بعد الثورة.
وعلى الرغم من إشارة المليكي لفشل الجماعة على كافة المستويات بعد أن حصلت على تمكين اقتصادي وسياسي، وفقا لرؤيته، إلا أنه يرى أن رئيس الجمهورية عبر الدستور الجديد وبعض الخطابات يبقى قريبا من الحركة الإسلامية، خاصة وأن جماعة الإخوان دعمته بشكل واسع في انتخابات العام 2019.
وبحسبه فإن مواجهة الفساد والإصلاحات المرتقبة تتطلب تغيير البيئة القانونية والإجرائية التي تمنع ممارسة الفساد، وكذلك فيما يتعلق بالسلطة التقديرية للدولة وغياب الرقابة على العمليات المالية.
نسبة مشاركة مقبولة
في سياق متصل قالت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن نسبة التصويت بـ"نعم" التي فاقت 90 % تمثل أهمية فارقة في مسار الدولة المدنية والوطنية التي يقوم عليها الدستور الجديد، لافتة إلى أن أن نسبة المشاركة العامة في الاستفتاء التي بلغت نحو 27 مقبولة وجيدة، وأنها تمثل نسبة طبيعية في الشارع التونسي.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن المرحلة التالية للاستفتاء تتضمن وضع القانون الانتخابي من أجل إجراء الانتخابات التشريعية.
وبخصوص رهان الشارع التونسي على الجانب الاقتصادي، ترى قعلول أن محاولات الرئيس في معالجة الشق الاقتصادي تنطلق بعد الاستفتاء الذي منحه الشرعية الدستورية بعد الانتقال من المرحلة الاستثنائية.
ولفتت إلى أن بعض العراقيل يمكن أن تواجه عملية الإصلاحات الاقتصادية، حيث تسعى بعض اللوبيات لعرقلة عملية البناء، مشيرة إلى أن حديث الولايات المتحدة عن تركها الخيار للشارع التونسي، يعد تدخلا خبيثا، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التي خرجت عليها الشعوب في مالي وتشاد والعديد من الدول الإفريقية.
وشددت على أن بعض التحديات تتمثل في الأزمات التي تواجه دول الجوار وخاصة فيما يتعلق بالوضع في ليبيا.
دون المستوى
فيما قال منذر ثابت المحلل السياسي التونسي، إن نسبة المشاركة وإن كانت مقبولة، إلا أنها دون مستوى استفتاء على دستور يرسي دعائم جمهورية جديدة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الخطوة كانت تتطلب مشاركة نسبة 50% للقول بأنه هذا المشروع له حاضنة شعبية فعلية تنتصر له.
ولفت إلى أن النتائج الحالية تبقي على الصراع بين معسكر الرئيس قيس سعيد والمعارضة بكل صفوفها.
وفيما يتعلق بالتخوفات من الحريات، أوضح ثابت أن الدستور ينص على كافة الحقوق وضمان الحريات، لافتا إلى أن المقلق في المشهد المقبل يتوقف على الظهير السياسي للرئيس قيس سعيد، خاصة إذا ما تبنى الأخير دعم أي من الأحزاب أو القوى السياسية لتصبح "الذراع السياسي" للرئيس، خاصة في ظل الصلاحيات التي منحت للرئيس.
وفيما يتعلق بمستقبل الإخوان في تونس، يرى ثابت أن الجماعة لم تنجح في التصالح مع البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأوا فيها وضدها في الوقت ذاته.. حسب ما يرى.