بينما اعتبرت أحزاب أخرى، أن نتائج الاستفتاء هي انتصار جديد لإرادة الشعب الذي قال كلمته في صناديق الاقتراع من أجل القطع مع المنظومة السابقة والدخول في مرحلة جديدة تكرس أولويات الشعب.
وليلة أمس، أفصحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية للاستفتاء على الدستور الجديد، الذي بلغت نسبة المشاركين فيه 30.5% من مجموع الجسم الانتخابي الذي يتجاوز عدده 9 ملايين تونسي.
وصوّت 94.6 في المائة من الناخبين بـ"نعم"، بينما صوّت 5.4 في المائة بـ"لا"، في حين اختار 69.5 في المائة من المسجّلين في السجل الانتخابي مقاطعة الاستفتاء أو عدم المشاركة فيه.
وبناء على هذه النتائج، أعلنت هيئة الانتخابات قبول مشروع "دستور الجمهورية الجديدة"، في انتظار الإعلان عن النتائج النهائية يوم 28 أغسطس/ آب المقبل.
انتصار للدستور وللرئيس وللشعب
وقال رئيس تنسيقية مساندة لقيس سعيد طارق الماجري لـ "سبوتنيك"، إن النتائج الأولية للاستفتاء كانت متوقعة بعد أكثر من 7 سنوات من المصادقة على دستور 2014 الذي لم يمثل الشعب تمثيلا كاملا، بل كان "يمثل عشرية سوداء ومخططات الأحزاب الحاكمة التي كانت تسعى إلى السيطرة على السلطة التنفيذية".
وأضاف:
"عندما انتخب قيس سعيد رئيسا للجمهورية في 2019، طالبه الشعب التونسي بتجميد البرلمان الذي كان يمارس العنف وخيانة الشعب، ثم طالبه لاحقا بتمرير دستور جديد يمثله تمثيلا كاملا".
واعتبر الماجري أن "نسبة 94 في المائة (المصوتون بنعم) كانت مفاجئة بالنسبة للأحزاب التي سعت ليلا نهارا إلى إرباك الدولة عن طريق الاحتكار والسيطرة على مسالك التوزيع وإقناع الناس بعدم القبول بتمشي الرئيس وتخويفهم من مشروعه الجديد".
وأقر الماجري بأن أغلبية الناخبين ذهبوا ليصوتوا للرئيس قيس سعيد وليس للدستور لأنهم واثقون فيه، قائلا: "انتصر قيس سعيد وانتصر الدستور وانتصر الشعب التونسي في يوم واحد على عشر سنوات من الخراب والدمار تسببت فيه مجموعة من الأحزاب".
ويرى الماجري أن نسبة الإقبال ليست ضعيفة كما تقول المعارضة، مشيرا إلى أن 30 في المائة تعد نسبة معقولة ومحترمة ولا يمكن مقارنتها بالانتخابات السابقة التي وزعت فيها الأموال على الناخبين.
تشكيك في نزاهة النتائج
على الجانب الآخر، اعتبر عضو الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء غازي الشواشي في تصريح لـ "سبوتنيك" أن الاستفتاء قد فشل.
وتابع: "هذه النتائج مشكوك في مصداقيتها ونزاهتها، فكل العالم شاهد عدم شفافية الحملة الانتخابية والخروقات والتجاوزات بالجملة وتعاطي الإعلام العمومي مع الحملة وخروج الإدارة عن حيادها".
وانتقد الشواشي إضافة 400 ألف مُصوّت جديد للأرقام التي أعلنت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مؤتمر صحفي، واصفا ذلك بالسابقة العجيبة.
وتابع:
"ومع ذلك أثبتت هذه النتائج فشل الانقلاب باعتبار أنه لا يمكن سن دستور جديد بـ 30% من الناخبين.. فهي نسبة ضعيفة جدا لا تعطي شرعية لهذا المشروع".
واعتبر الشواشي أن رئيس الجمهورية فقد شرعيته بعد مقاطعة جزء مهم من التونسيين لهذا الاستفتاء سواء عن وعي تام أو عن عدم مبالاة، داعيا إياه إلى طرح ثقته من جديد على الشعب من خلال الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
المقاطعون ممنوعون من الطعن
واستبدلت المعارضة التونسية سلاح المقاطعة بسلاح الطعون لإسقاط نتائج الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. غير أن القانون الانتخابي الذي عدله الرئيس يمنع المقاطعين للاستفتاء ليس فقط من المشاركة في الحملة الانتخابية ولكن أيضا من الطعن لدى القضاء في نتائج الاستفتاء.
وأوضح اليوم الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية بتونس عماد الغابري في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن "المشرع حدد حصرا أن الجهات المشاركة في الاستفتاء هي فقط لها الحقّ في الطعن"، مؤكدا أن "من قاطع الاستفتاء مبدئيا، ليس له الحق في تقديم الطعون".
ولكن الشق المقاطع يُعوّل على الشق المشارك في الحملة الانتخابية والداعي للتصويت بـ "لا"، لتمثيل صوته لدى القضاء. يقول المعارض غازي الشواشي: "أعتقد أن المعركة سياسية بامتياز وليست قضائية، ومع ذلك فإن الجمعيات والمنظمات الرقابية والأحزاب التي سجلت في الحملة ستطعن في هذه النتائج".
الرئيس ماض في طريقه
وفي خضم كل هذا، لا يبدو الرئيس التونسي قيس سعيد مباليا بما تعُجّ به الساحة السياسية من انتقادات وتشكيك في مصداقية الاستفتاء على مشروع "دستور الجمهورية الجديدة" الذي طرحه على التونسيين في إطار حزمة من الاجراءات الاستثنائية انطلقت بتجميد البرلمان ثم حله ثم الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وقال سعيّد عقب غلق مكاتب الاقتراع وانتهاء عملية الاستفتاء، إن هذا الدستور "سينقل البلاد من ضفة اليأس والإحباط إلى ضفة أخرى يتم فيها تحقيق آمال الشعب واسترجاع سيادته كاملة والانتقال من ديمقراطية شكلية إلى ديمقراطية حقيقية".
ويؤكد الرئيس التونسي أنه سيمر قريبا إلى تحقيق مطالب التونسيين وخاصة الشباب الذي قاد مسار 25 يوليو، قائلا: "حينما يستعيد الشعب سيادته كاملة سينتهي هذا البؤس السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
ولوّح الرئيس مجددا بمحاسبة "من نكّل بمطالب الشعب"، مشددا على أن المرحلة القادمة ستقطع مع الصفقات المشبوهة ومع الاتفاقات التي تحصل في الظلام وفي الغرف المظلمة.
وخلافا لدستور 2014، يعطي "دستور الجمهورية الجديدة" صلاحيات واسعة لرئيس الدولة من بينها تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، إلى جانب إقالة عضو أو أكثر من الحكومة، وضبط السياسات العامة للدولة، وتسمية القضاة، وتمرير مشاريع القوانين إلى البرلمان الذي أصبح ممثلا بغرفتين؛ مجلس نواب الشعب ومجلس الأقاليم والجهات.
وبحسب القانون المنظم للاستفتاء، سيدخل "دستور الجمهورية الجديدة" حيز التطبيق منذ لحظة الإعلان عن النتائج النهائية التي ستكون يوم 30 يوليو/تموز في غياب الطعون، ويوم 28 أغسطس/آب إذا ما وردت طعون وتم البت فيها من قبل المحكمة الإدارية.