غير أن الاحتفال بهذه المناسبة في محافظة نابل في الشمال الشرقي التونسي له رونقه الخاص وطقوسه التي تميزه عن بقية المحافظات.
ففي هذه المحافظة لست في حاجة إلى النظر إلى الروزنامة الهجرية حتى تعرف أنه يوم رأس السنة، فـ"عرائس السكر" أو "عرائس الحلوى" كما يطلق عليها سكانها تستقبلك في كل شوارع مدينة نابل وكأنها تحتفي بزوارها وأهاليها وتعلن عن عرس مجيد.
وتتخذ هذه العرائس المصنوعة يدويا عدة أشكال، ولكن الشكل الأبرز هو شكل "العروس" التي يتفنن صانعوها في تزيينها بألوان تبعث البهجة في النفوس وتوحي بأن زمن الاحتفال قد حان. فيما يخيّر صناع آخرون نحتها في شكل حيوانات مثل الديك والغزال والأرنب والدب والقط وأبطال الصور المتحركة لجذب انتباه الأطفال وإدخال الفرحة في قلوبهم.
عرائس السكر في تونس
© Sputnik . meriem.gdira
عرائس السكر.. عنوان احتفال
يتخذ العم "خالد" (57 سنة) مكانه بين العشرات من باعة عرائس السكر في قلب مدينة نابل، يطلق العنان لصوته للتعريف بعرائسه بعبارات أقرب منها إلى الشعر المنظوم، فتسمعه يقول "أقرب يا عروسة متع نظرك وخوذ عروسة".
ويخبر العم خالد "سبوتنيك" أن عرائس السكر هي عنوان الاحتفال الأبرز برأس السنة الهجرية في محافظة نابل، "إذ لا ينافس هذه العرائس أي تقليد آخر بما في ذلك طبق الكسكسي الشهير الذي تعده النساء في هذا اليوم".
ويؤكد محدثنا أن عرائسه تجد إقبالا من جميع الفئات العمرية، إذ يحب تناولها الكبار والصغار والإناث والذكور على حد السواء، مشيرا إلى أن "زوار مدينة نابل ممن لا يعرفون هذه العرائس يحسبونها في البداية زينة للمنازل أو تحفا فنية، ولكن يفاجؤون لاحقا بأنها عرائس للأكل". وقال ضاحكا "كثيرا ما يتكرر هذا السؤال : هل حقا يمكن لنا أكلها؟".
وتشير فادية (34 سنة) وهي أصيلة منطقة تازركة التابعة لمحافظة نابل أنها تقطع مسافة 11 كيلومترا للمجيء إلى مدينة نابل "من أجل عيون هذه العرائس"، تقول لـ "سبوتنيك". وأضافت أن أطفالها يعشقون "عرائس السكر" وينتظرون موعد الاحتفال برأس السنة الهجرية لاقتنائها.
عرائس السكر في تونس
© Sputnik . meriem.gdira
وقالت فادية: "لا تستغني ابنتي عن عروس السكر، إنها تشترط أن تكون ذات ظفائر ذهبية طويلة وبفستان وردي أو أحمر اللون، أما ولدي فيحب الحيوانات فالعروس بالنسبة له حكر على الإناث، لقد اختار هذه المرة حصانا بصهوة جميلة".
مورد رزق للعشرات من العائلات
ويتوارث أهالي مدينة نابل صناعة "عرائس السكر" منذ قديم الزمان، حتى أنك تجد بعض العائلات يشتغلون في هذه المهنة أبا عن جد.
ويقدر المؤرخون ميلاد هذه العرائس بمنتصف القرن التاسع عشر، حيث استقدمها الإيطاليون إلى مدينة نابل الساحلية ثم ورثها عنهم السكان المحليون الذين أبدعوا في ابتكار أشكال جديدة لها حتى تواكب العصر.
وتدريجيا، تحولت صناعة "عرائس السكر" إلى موروث ثقافي يميز مدينة نابل. كما أنها تمثل اليوم مهنة موسمية تتصل حصرا بيوم الاحتفال برأس السنة الهجرية، وهي مصدر رزق للعشرات من العائلات التي تنطلق في إعدادها قبل نحو شهرين من يوم الاحتفال.
يؤكد نور الدين بنصارية لـ "سبوتنيك"، أن مهمة إعداد عرائس الحلوى ليست سهلة كما تبدو للناظرين، حيث أنها تستمر شهرين أو أكثر من أجل الاستجابة لطلبات جميع الحرفاء.
وعن طريقة صنع هذه الحلوى، يقول نور الدين "إن المرحلة الأولى تبدأ بتجهيز القالب الذي يحدد الشكل الأساسي لعروس السكر، ثم يوضع فيه خليط السكر ويبرد لمدة لا تتجاوز 5 دقائق قبل أن يتم استخراجه". ويتكون خليط السكر وفقا لمحدثنا من السكر والعصارة المستخرجة من الليمون، يضيف نور الدين "هذه العصارة هي السر وراء تشكل الخليط داخل القالب فهي التي تجعل الخليط متماسكا وقابلا للتشكل".
عرائس السكر في تونس
© Sputnik . meriem.gdira
ويؤكد محدثنا أن المرحلة الأخيرة تتمثل في تزيين عروس السكر، مشيرا إلى أن هذه المرحلة هي الأحب إلى قلبه، "فكأنك ترسم على لوحة زيتية زاهية الألوان". وقال إن عائلته تساعده على تزيين العرائس وإكساهما ثوبا من الألوان المبهجة وفقا لطلبات الحرفاء أحيانا ووفقا لذوقهم الخاص أحيانا أخرى".
مثرد الحلوى وكسكسي فاخر
وإلى جانب عرائس السكر، تعترضك أواني فخارية في شكل هرم مقلوب تخصص لوضع شتى أنواع الحلويات، وتسمى "المثرد".
تقول فاطمة (46 سنة) في معرض حديثها لـ "سبوتنيك"، إن عرائس السكر والمثرد تترأسان مائدة رأس السنة إلى جانب الكسكسي الذي يتم طبخه بالقديد والعصبان (لحوم مجففة) ثم يزين بالزبيب والحلوى والبيض. وأضافت فاطمة "هذه السنة سنعد مثردين وطبقين من الكسكسي، الأول لعائلتي والثانية لعائلة نسيبنا".
ففي محافظة نابل تقدم "عرائس السكر" و"المثرد" يوم رأس السنة الهجرية كهدية لأهل الخطيبة، ويضاف إليها مبلغ من المال أو هدية معتبرة.