كما يرى القانونيون أن من أسباب انتشار الطلاق في ليبيا هو أن الدولة أفرطت في صرف منح الزواج للشباب الليبي، دون وضع دراسة حقيقية للصرف، ومن هنا تزوج الكثير من الشباب طمعا في منحة الزواج التي قُدرت بمبلغ 4000 دولار لكل زوج كمساعدة لهم في بداية حياتهم مع غياب إسكان الشباب والتعيينات الرسمية في الدولة، وبالتالي كان هناك إقبال كبير من الشباب على الزواج وارتفعت معدلات الزواج في الأشهر القليلة الماضية بشكل ملحوظ جدا.
ومن هنا بحسب رأي القانونيين، زادت معدلات الطلاق التي لم يدوم بعضها سوى أسابيع معدودة من تاريخ الزواج ولم يتم إجراء دراسات حقيقية عن أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الليبي.
ماهي أسباب وقوع الطلاق
في هذا الإطار، تقول الإخصائية الاجتماعية والمدير التنفيذي لمنظمة الطموح لرعاية حقوق المرأة، خيرية الفرجاني: "لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ارتفاع كبير في معدلات الطلاق، وأن أغلب المحاكم تعج بمشاكل الطلاق، وعند النظر للعوامل الحقيقية التي أثرت في ارتفاع معدلات الطلاق، نجد أن أبرزها الثقافة الفكرية بين الزوجين، وأزمة السكن التي تعتبر عائق أمام حياة زوجية سعيدة، لأن أغلب الشباب يقيم مع أهله في بيت واحد، ومن هنا تأتي أبرز المشاكل لغياب الاستقرار الأسري".
وتابعت في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "عوامل مثل غلاء المعيشة والأوضاع الصعبة التي تمر بها ليبيا، والوضع الاقتصادي الصعب أمام الأزواج، والتعاطي الكبير للمخدرات وحبوب الهلوسة التي أثرت على الأزواج المتعاطيين لهذه المواد، كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى التفرقة بين العديد من الأزواج، كما أن تدخل الأقارب والأمهات تحديدا في الحياة الخاصة سبّب الكثير من المشاكل، والنتيجة كانت الطلاق".
كما أشارت الفرجاني إلى "أن الوسائل الإلكترونية كالاستعمال الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في الخيانات الزوجية وغيرها أدت في آخر الأمر إلى نشوب الكثير من المشاكل بين الزوجين".
وأضافت أن "الفروق الاجتماعية بين الزوجين كخروج الزوجة من عائلة غنية إلى زوج فقير محدود الدخل في الكثير من الحالات لا تتقبل الزوجة هذا الفارق المعيشي، ويحدث الطلاق".
ولفتت إلى أن "معدلات الطلاق ارتفعت بشكل كبير في السنوات الحديثة الأخيرة، وأن القيم الاجتماعية بدأت تتغير في مجتمعنا الليبي، وتغيرت نظرة المجتمع للمطلقة، وتقبلوا الأهالي طلاق بناتهم، الذي كانت في السابق وصمة عار، وربما هذا التطور الحالي أنصف المرأة من زواج فاشل".
وترى خيرية الفرجاني أن "غياب التقارب في الأفكار والفارق التعليمي لأحد الأزواج من أهم أسباب الطلاق، بالإضافة إلى الفارق العلمي في الشهادات والمؤهلات العلمية، كما لفتت إلى أن الفارق العمري سبب هام آخر، فهناك أزواج تزوجوا من طفلات صغيرات، وكان الفارق كبير في العمر، ومن هنا وقعت العديد من قضايا الطلاق".
وأوضحت أن "الحروب والنزوح الذي تعرضت له الكثير من العائلات الليبية أثّر بشكل سلبي على بعض العائلات التي افترقت بعد مرور سنوات زواج، بالإضافة إلى زواج الفتيات الصغار في العمر وعدم مقدرتهن على تحمّل المسؤولية في الحياة الزوجية وربما عدم تمكنهن من الدراسة في ظل عبء الحياة الزوجية في آن واحد، سبّب حالات كثيرة من الطلاق، بسبب إخفاق أغلبهن في التنسيق بين الحياة الزوجية والدراسة والالتزامات الحديثة التي دخلت فيها الزوجة".
ونوهت الفرجاني أن "منحة الزواج التي صرفتها الدولة ساهمت بشكل كبير جدا في ارتفاع معدلات الطلاق ومن أساسيات الزواج هو التعارف في فترة خطوبة يتم من خلالها تنسيق لحياة زوجية هانئة، لكن ما حدث من صرف منح كبيرة للزواج منحت لفترة معينة، ومن هنا أقبل الجميع على إتمام إجراءات الزواج دون دراسة حقيقية لمشروع الزواج، ولكن عندما أدرك الزوجين أن إمكانيات الزواج أكبر من المنحة التي صرفتها الدولة وقعت العديد من الإشكاليات بين الزوجين، ووقع الطلاق، وكانت نسب الزواج بعد المُنحة التي خصصتها الدولة كبيرة جدا".
غياب البرامج التوعوية الأسرية من الدولة
في هذا السياق، ترى المحامية والناشطة الحقوقية، عواطف العويني، أن "أهم سبب من أسباب ارتفاع معدلات الطلاق هو العامل الاقتصادي والذي يتمثل في عدم مقدرة الزوج على توفير متطلبات الأسرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها ليبيا، ولم تتحمل الزوجات هذه الظروف".
وأضافت العويني في تصريح لـ"سبوتنيك" أن "المخدرات التي يتعاطاها الزوج ويرى بأنها الملاذ الآمن للهروب من أعباء الحياة اليومية، هي من أكبر أسباب المشاكل الأسرية التي تؤدي في نهاية الامر إلى وقوع الطلاق، لأن الزوج لا يستطيع أن يتحمل مسؤولياته تجاه الزوجة والابناء بسبب كميات المخدرات التي يتعاطاها".
وأشارت إلى أن "العلاقات غير الشرعية التي يقيمها أحد الزوجين مع أطراف أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من أهم أسباب الإشكاليات الزوجية، وتأتي هذه العلاقات بسبب التباعد بين الزوجين والارتياح لأطراف خارجية ومن هنا وقعت العديد من الإشكاليات التي سببت الكثير من حالات الطلاق".
ولفتت إلى أن "الأزمات التي مرت بها البلاد مؤخرا وتأثيرها على حديثي الزواج والحرب أثرت بشكل كبير في عدم استمرار العلاقة الزوجية، فضلا عن التفاخر والتباهي بين البنات اللواتي لم يكن على قناعة بظروف الزوج وعدم تحمل أعباء الحياة الزوجية مع زوجها".
وضربت العويني مثالا إحدى موكلاتها من الفتيات، التي كانت ضحية طلاق بعد فترة قصيرة من زواجها، وكانت القضية التي دافعت عنها العويني لفتاة صغيرة خُطبت لفترة صغيرة لشاب يكبرها بسنوات، ولم يكن هناك وقت للتفاهم بين الطرفين في فترة الخطوبة بسبب الإسراع في حفل الزفاف، ولم يكن هناك مجال للتفاهم في هذه الفترة لبناء أسرة سعيدة، ولم يستمر هذا الزواج سوى شهر واحد، وفوجئت الزوجة بأن الزوج يتعاطى المهدئات أو العلاج النفسي، ولا يستطيع العيش بدون هذه المهدئات، لتصطدم بهذا الواقع وبعدم معرفتها بهذا طلبت الطلاق في نهاية الأمر".
وترى أن "هناك تقصيرا من الدولة، فمن المفترض أن تعمل الدولة على وضع برامج توعوية تدريبية لزواج الناشئين لتوضيح فلسفة الزواج، وشرح أساس الشراكة والحكمة، ومعرفة الهدف من الزواج، كل هذه البرامج من شأنها أن تساعد في استمرار العلاقة الزوجية بين الزوجين خاصة من فئة الناشئين، وتأتي أهمية هذه الحملات بعد انتشار الزواج في فئات صغار السن، وهذا الدور الهام من المفترض أن تلعبه الهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني".