رغم الانكماش، لا توجد سابقة تاريخية تشير إلى أن الاقتصاد يمكن أن يكون في حالة ركود ويولد 528 ألف وظيفة في الشهر، كما فعلت الولايات المتحدة خلال شهر يوليو/ تموز، مع معدل بطالة 3.5%، وهو أدنى مستوى منذ عام 1969.
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد ركود في المستقبل، ومن المفارقات أن المرونة الهائلة لسوق العمل هي التي يمكن أن تشكل أكبر خطر على المدى الطويل للاقتصاد الأوسع، بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي".
يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيف الضغوط على حالة الوظائف الصعبة تاريخيا ومكاسب الأجور السريعة، في محاولة للسيطرة على التضخم الذي يحوم عند أعلى مستوى له منذ أكثر من 40 عاما.
وقال جيم بيرد، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بلانت موران" للاستشارات المالية: "حقيقة الأمر هي أن هذا يمنح الاحتياطي الفيدرالي مجالا إضافيا لمواصلة التشديد، حتى لو زاد ذلك من احتمال دفع الاقتصاد إلى الركود. لن تكون مهمة سهلة لمواصلة التشديد دون تداعيات سلبية على المستهلك والاقتصاد".
في الواقع، بعد أرقام الوظائف القوية، والتي تضمنت ارتفاعا بنسبة 5.2% لمدة 12 شهرا لمتوسط الدخل في الساعة، سارع المتداولون في الأسواق المالية إلى تسريع رهاناتهم على تبني بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسات أكثر عدوانية.
ابتداءً من بعد ظهر يوم الجمعة، كانت ترى الأسواق فرصة نسبتها 69% لإقرار البنك المركزي الأمريكي عملية رفع ثالثة للفائدة على التوالي بنسبة 0.75 نقطة مئوية عندما يجتمع مرة أخرى في سبتمبر/ أيلول، وفقا لبيانات مجموعة إدارة البورصات "سي إم إي".
لذلك فيما كان الرئيس جو بايدن يحتفل بعدد الوظائف الكبير يوم الجمعة، قد تكون هناك نقطة بيانات غير سارة في الطريق الأسبوع المقبل.
سيصدر مؤشر أسعار المستهلك، وهو مقياس التضخم الأكثر متابعة على نطاق واسع، يوم الأربعاء، ومن المتوقع أن يظهر ضغطا تصاعديا مستمرا حتى مع الانخفاض الحاد في أسعار البنزين في يوليو.
سيؤدي ذلك إلى تعقيد عملية التوازن التي يقوم بها البنك المركزي باستخدام زيادات أسعار الفائدة لتهدئة التضخم دون دفع الاقتصاد إلى الركود.
قال ريك ريدر، كبير مسؤولي الاستثمار للدخل الثابت العالمي في شركة إدارة الأصول العملاقة "بلاك روك"، إن التحدي يكمن في "كيفية تنفيذ" هبوط ناعم "عندما يكون الاقتصاد في حالة غليان، والهبوط على مدرج لم يستخدم من قبل.
الهبوط الناعم في علم الاقتصاد هو تباطؤ دوري في النمو الاقتصادي مع تجنب الركود، ويكون عادة هدفا للبنك المركزي عندما يسعى إلى رفع أسعار الفائدة بما يكفي فقط لمنع الاقتصاد من الإنهاك مع احتواء التضخم المرتفع، ودون التسبب في انكماش حاد.
وقال ريدر في مذكرة للعملاء: "بيانات اليوم (حول التوظيف)، التي جاءت أقوى بكثير مما كان متوقعا، تعقد مهمة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يسعى إلى هندسة بيئة عمل أكثر اعتدالا، بما يتماشى مع محاولاته لتعديل المستويات الحالية للتضخم".
وختم المحلل مذكرته متسائلا: "السؤال الآن هو إلى أي مدى يجب أن تستمر معدلات الفائدة (ووتيرة زيادتها المرتفعة) قبل أن تتم السيطرة على التضخم".