وبلغت معدلات الانتحار في الأردن في العام الحالي 65 حالة، منها 45 حالة من الذكور و20 من الإناث، في حين بلغت العام الماضي لنفس الفترة 68 حالة، منها 49 حالة من الذكور، و19 من الإناث، حسبما أفاد رئيس المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن الدكتور رائد المومني.
ويقول المراقبون إن الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ظاهرة الانتحار، مؤكدين على ضرورة دراسة هذه الحالات بشكل أوسع من أجل وضع حلول تجابه تطور هذه الظاهرة، وتعمل على تخفيض هذه الأرقام في السنوات المقبلة.
دوافع أساسية
اعتبرت كلثم مريش، ناشطة ورئيسة الاتحاد النسائي في العاصمة الأردن، أن "نسبة الانتحار في المملكة لا تعتبر ظاهرة، ومعدلاتها طبيعية مقارنة بتعداد سكان الأردن، إلا أنها أكدت على ضرورة استئصال هذه الآفة من المجتمع والحفاظ على روح كل مواطن".
وبحسب حديثها لـ"سبوتنيك"، فإن "عادة ما يعاني الشخص المنتحر في الأردن من عدة مشاكل مركبة، تجمع ما بين الفقر والبطالة والمشاكل العائلية، بحسب الدراسات التي أكدت أن 25% من المقدمين على الانتحار في الأردن يعانون من أمراض نفسية، و20 بالمئة يعانون من خلافات عائلية داخل الأسرة، و20 بالمئة يعانون من أزمات مالية، و30 بالمئة مجهولة الأسباب".
وترى أن "الفقر والبطالة والتداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس "كورونا" المستجد، زادت من نسبة العنف داخل المجتمع الأردني، لاسيما داخل الأسر التي تعيش في بيئة أقل من المستوى المتوسط، وبقاء المعنّف داخل هذه الأسر يؤدي لبعض أفراد الأسرة إلى الانتحار".
وتابعت: "وكذلك حالات الطلاق والتفكك الأسري والعنف المجتمعي، عندما يشعر المواطن أنه فاقد للعدالة المجتمعية، وعدم شعوره بالمساواة، وأيضا حالات الانتحار بين الأطفال الذين يشاهدون الألعاب الإلكترونية التي تحتوي على عنف".
وقالت كلثم مريش إن "الشخص المنتحر بالعادة يترك 3 رسائل، الأولى للأسرة التي لم تتعامل معه كما كان يرغب، ولم تلب احتياجاته التي كان يمطح إليها، والثانية للمجتمع الذي لم يسع لحل مشاكله، والثالثة للحكومة التي فشل في خلق بيئة مناسبة للعمل من أجل تكوين الأسر".
وشددت على أن "زيادة معدلات البطالة والفقر في الأردن أدت إلى ظهور أمراض اجتماعية، وشعور المواطنين بالاكتئاب واليأس والسوداوية، وهو الأمر الذي سهل عملية الانتحار".
حلول مطلوبة
بدوره قال الدكتور نضال الطعاني، عضو مجلس النواب السابق، والمحلل الأردني، إن "حالات الانتحار تؤرق المجتمع الأردن، خاصة بعد انتشار ظاهرة تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي معها، وتهويلها ما يخلق تعاطفًا اجتماعيًا وإنسانيًا مع بعض الحالات".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك": "لا يمكن اعتبار المجتمع الأردني خاليا من حالات الانتحار، لكن لا يمكن وصف الظاهرة بالمتزايدة، لا سيما في ظل تقارب الأعداد السنوية لأعداد الانتحار".
ويرى الطعاني أن "هناك ضرورة ملحّة، وفي ظل محاولات الأردن تحديث كافة المنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لدراسة ظاهرة الانتحار بشكل موسع، على مستوى اجتماعي وأكاديمي وديني لوضع حلول ناجعة لمنع انتشار هذه الظاهرة ومجابهتها على كافة المستويات، ووضع تصورات وحلول ناجعة تستند على أسس علمية، من أجل نتائج إيجابية".
وأكد الطعاني على "ضرورة الحد من تداول وسائل التواصل الاجتماعي لمثل هذه الظواهر، حتى لا تصبح محرضة إيجابية على الانتحار"، مشددا على أن "الحلول يجب أن تكون منطقة يشارك فيها كل الجهات المسؤولة سواء الأمنية أو القضائية أو التشريعية أو الجامعية".
وقال رئيس المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن، الدكتور رائد المومني، إن معظم حالات انتحار هذا العام غلب عليها وسيلة الشنق، فكانت هناك 35 حالة انتحرت عن طريق الشنق، و10 حالات سقوط، و7 حالات إطلاق الرصاص، و4 حالات لتسمم وتناول العقاقير، و4 حالات حروق، وحالتا اختناق بالغاز، وحالة واحدة لكل من استنشاق مواد كيميائية وتسمم مبيد حشري وجرعة مخدرات.
وسلّط المسؤول الأردني الضوء على أعمار حالات الانتحار والتي جاءت متفاوتة، وجاء أصغر عمر لحالة انتحار لذكر يبلغ من العمر 13 عاما، وأكبر عمر للذكر أيضا 83 عاما.
وجاءت الفئات العمرية من العشرينيات والثلاثينيات هي النسبة الأكبر من هذه الحالات، فيم اسجلت 36 حالة لها، أما أقل من عمر 20 عاما كانت هناك 9 حالات، وفئة الأربعينيات 12 حالة، والستينيات فما فوق 8 حالات.
وشهدت عدة محافظات حالات الانتحار بنسب متفاوتة، حيث وقعت 22 حالة في العاصمة عمان، و10 حالات في إربد، و7 حالات في جرش، و6 في السلط، و4 في العقبة، و4 في الكرك، و4 حالات في الزرقاء، وحالة في المفرق، وحالة في مادبا، وحالتين في طب شرعي مستشفى الأمير حسين بن عبد الله، و4 حالات في طب شرعي مستشفى الأمير فيصل.
وبحسب منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، جاء الأردن في المرتبة 11 بين الدول العربية في معدلات الانتحار عام 2016، بنسب بلغت 0.2 لكل 100 ألف نسمة.
وفي شهر مارس/ آذار الماضي، أقر مجلس النواب الأردني، عقوبة على كل من يحاول الانتحار في مكان عام.
وصوّت "النواب" لصالح قانون ينص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من شرع في الانتحار في مكان عام بأن أتى أيا من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادة وتشدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك باتفاق جماعي"، وفقا لصحيفة "الغد" الأردنية.