وشمل قرار إيقاف التنفيذ أكثر من نصف القضاة المشمولين بالإعفاء، وذلك "لعدم توفر الموجب الواقعي والقانوني للعزل"، وفقا لما أكده المتحدث الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري.
ومطلع يونيو/ حزيران 2022، أصدر الرئيس قيس سعيّد أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء 57 قاضٍ وقاضية من مناصبهم، بتهمة "الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين بقضايا الإرهاب".
فهل سيقود قرار المحكمة الإدارية ساكن قرطاج إلى مراجعة قراراته بشأن القضاة المعزولين وربما الاعتذار لهم؟ أم أنه سيتمسك بمقولته الشهيرة "لا عودة إلى الوراء"؟.
انتصار للقضاة وللقانون
واعتبر القضاة المشمولون بالعزل قرار المحكمة الإدارية انتصارا لهم وشهادة لا لبس فيها على براءتهم من التهم التي وجهت لهم، حيث صرّح القاضي حمادي الرحماني لـ "سبوتنيك"، بأن هذا الحكم يؤكد أن ما تعرض له القضاة كان مظلمة كبرى في حقهم وفي حق سمعتهم المهنية والاجتماعية وحقوقهم الأساسية.
وأكد الرحماني أن قرارات إيقاف التنفيذ شملت الأغلبية الساحقة للقضاة المعنيين بالعزل، مشيرا إلى أن القائمة التي اطلع عليها اليوم تظم 49 قاضيا تمت تبرئتهم من التهم الموجهة لهم.
وتابع: "قرار المحكمة الإدارية أنصف القضاة الذي خاضوا شهرا كاملا من الإضراب عن العمل وبعضهم خاض إضرابا عن الطعام مدة شهر ونصف واجهوا خلالها الموت والتعكر الصحي وكل الأخطار البدنية.. لقد انتصر القانون وانتصرت المحاكمة العادلة".
وشدد الرحماني على أن القضاء يكتسب اليوم دعما مواطنيا ومجتمعيا كبير جدا، وأن تهم الفساد غير المؤيدة لم تنطلِ على الناس، قائلا: "لقد أكد الحكم أن سمعة الأغلبية الساحقة للقضاة لا تشوبها شائبة وأنهم ذو تاريخ كبير في الدفاع عن استقلالية القضاء وفي احترام مهنتهم النبيلة".
وأضاف الرحماني: "نتمنى أن يعود المسار الدستوري للسلطة القضائية وأن تطوى صفحة القضاء الوظيفة وأن يتم القطع مع الممارسات التسلطية التي تمارس على القضاة منذ شهور".
رد الاعتبار مسألة جوهرية
وحول المسار القانوني والقضائي الذي سيترتب عن قرار المحكمة الإدارية، أكد الرحماني أن السلطة السياسية مجبرة على تنفيذ هذا الحكم الذي لا يقبل الطعن وفقا للفصل عدد 41 من قانون المحكمة الإدارية وأن تعيد القضاة المعزولين إلى أماكن عملهم التي عزلوا منها.
ويرى الرحماني أن المظلمة أزيحت جزئيا بقرار من المحكمة الإدارية، وتنتظر أن تزاح كليا من الناحية الاعتبارية، مشيرة إلى أن السلطة السياسية مطالبة بالاعتذار لهؤلاء القضاة، قائلا: "مثلما تم التشهير بأسمائنا في الرائد الرسمي واتهامنا بالفساد والتحزب والإرهاب، يجب على السلطة ان تعتذر وتقول للناس إنه تم التجني على هؤلاء القضاة والافتراء عليهم".
وشدد القاضي على أن رد الاعتبار للقضاة مسألة جوهرية، وأن "على السلطة أن تعيد لهم مكانتهم التي سلبت بمقتضى قرارات جائرة سواء كان الخطأ بمغالطة من وزير الداخلية أو وزيرة العدل أو بخطأ تقديري من الجهات الأمنية".
وأكد الرحماني أن الجهة الإدارية مطالبة الآن بالتنفيذ الفوري لحكم المحكمة الإدارية ودون تلكأ. وأضاف: "بالرغم من أن الرئيس هو الجهة التي أصدرت قرارات العزل، إلا أننا نرجح أنه سينفذ قرار المحكمة وسينصف القضاة خاصة وأنه دعا سابقا في تصريح تلفزي القضاة إلى اللجوء إلى المحكمة الإدارية لإنصافهم".
ويرى الرحماني أن الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية يبطل من الناحية الرمزية الأمر عدد 516 المتعلق بعزل القضاة ويلغي المرسوم عدد 35 الذي يعطي للرئيس سلطة إعفاء القضاة.
استقالة وزيرة العدل
ويبدو أن تأثير قرار المحكمة الإدارية لن يتوقف عند حدود المسار القضائي والقانوني، إذ تطالب أطراف حقوقية وقضائية وزيرة العدل بالاستقالة من منصبها بوصفها المسؤولة المباشرة عن تقديم التقارير التي اتخذ بمقتضاها رئيس الجمهورية قرار عزل القضاة. بينما ترجح أطراف سياسية أن يقدم الرئيس على إقالة وزيرة العدل التي وضعته في مأزق لا خيار له فيه سوى التنفيذ.
وفي الصدد، قالت المستشارة القانونية لمنظمة أنا يقظ (منظمة رقابية غير حكومية) آية الرياحي لـ "سبوتنيك"، إن المنظمة تطالب بإقالة وزيرة العدل ليلى جفال من منصبها ومساءلتها بشأن ملف القضاة المعزولين.
وأضافت: "طالما أن قرار المحكمة الإدارية بني على أساس عدم توفر تقارير أو معلومات جدية تستوجب إعفاء هؤلاء القضاة، فإننا نشك في أن وزيرة العدل قد حاكت ملفات وهمية لهؤلاء القضاة وتم إقحامهم في قائمة مع أشخاص ربما يكونوا متهمين ولكن احتمال أن عددا كبيرا منهم قد ظلموا موجود، خاصة وأن قرار العزل صدر في غياب مقومات المحاكمة العادلة".
واعتبرت الرياحي أن تطهير القضاء لم يكن سوى "مسرحية"، في ظل غياب مساءلة حقيقية وفي ظل تأكيد المحكمة الإدارية على عدم توفر براهين واقعية للتهم التي وجهت لأغلبية القضاة المعزولين.
وتابعت: "نحن نحمل رئيس الجمهورية مسؤولية تعطيل مصالح المتقاضين طالما أنه الجهة التي أصدرت قرار العزل الذي تسبب في دخول القضاة في إضراب مدة شهر كامل وأحدث شغورا في مناصب حساسة في المرافق القضائية مما أدى إلى ضياع حقوق المتقاضين".
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، اعتبرت المحامية والحقوقية بشرى بالحاج حميدة أن إقالة وزيرة العدل أمر محتوم، "ولكن من الأسلم أن تقدم هي على الاستقالة بمفردها وأن تقر بأنها ظلمت الناس ولم تطبق القانون".
وأضافت: "ولكن رئيس الجمهورية يتحمل أيضا مسؤوليته في التجاوزات التي وقعت، فهو الذي أخطأ في اختيار الشخص المناسب لمنصب حساس مثل وزارة العدل".
وتؤكد المحامية أن الرئيس مجبر هذه المرة على اتخاذ خطوة إلى الوراء وتنفيذ قرار المحكمة الإدارية وإعادة القضاة المشمولين بقرار إيقاف التنفيذ إلى مواقعهم، قائلة: "يمكن للرئيس القول إنه لا عودة إلى الوراء إذا كان الأمر يتعلق بالجوانب السياسية، ولكن إن تعلق الأمر بحقوق الناس فإن تطبيق القانون لا مناص منه".
وتعتقد بالحاج حميدة أن الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية يفترض مراجعة شاملة للمرفق القضائي، قائلة: "إذا كان الرئيس عاجزا عن الاعتذار بشكل واضح، فإن أقل ما عليه فعله هو مراجعة رؤيته لإصلاح القضاء".