يوم الجمعة، وُقع "العقد الاجتماعي" بين رئيسة الحكومة نجلاء بودن والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية سمير ماجول.
ويعتقد محللون أن هذا العقد سيعبّد الطريق لهدنة اجتماعية ولعودة التفاهم بين هذه الأطراف وإذابة جليد الخلاف الذي شب بين الحكومة والاتحاد في الأشهر الأخيرة وقاد إلى تصعيد ميداني من المنظمة العمالية.
وصفت الحكومة هذا العقد بأنه "عقد المثابرة لمجابهة التحديات الاستثنائية الاجتماعية والاقتصادية والمالية بكل مكوناتها ودعم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني".
وأكدت أن الشركاء الاجتماعيين اتفقوا على عقد جلسات حوار للوصول إلى اتفاقات سواء كانت ثنائية أو ثلاثية في ما يتعلق ببعض الملفات ذات الصلة بالاستحقاقات الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية المنتظرة تنطلق بداية من اليوم الاثنين.
ويبدو أن استعمال عبارة "عقد اجتماعي" لم ترق للمنظمة العمالية التي اعتبرت الأمر مغالطة للرأي العام ومحاولة لاستمالة رضا صندوق النقد الدولي. وهو ما أثار المخاوف من فشل الحوار الاجتماعي قبل انطلاقه.
مجرد استئناف للحوار
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، أكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن المنظمة لم توقع أي عقد اجتماعي كما ادعت الحكومة، مشيرا إلى أن المسألة تتعلق فقط باستئناف الحوار الاجتماعي.
وأضاف: "العقد الاجتماعي هو ما أمضيناه سنة 2013 إثر حوارات ونقاشات مطولة شملت خبراء ومختصين في مختلف المجالات وانتهت إلى إعداد وثيقة مكونة من 15 صفحة، أما هذا الذي وقعناه مع الحكومة فهو مجرد بلاغ بصفحتين لاستئناف الحوار".
واعتبر الطاهري أن الحكومة تسعى إلى مغالطة صندوق النقد الدولي من خلال القول إنها أمضت عقدا اجتماعيا مع الأطراف الاجتماعية، مضيفا: "لكن لا أعتقد أن صندوق النقد ستنطلي عليه هذه المغالطة، خاصة وأن منظمة العمل الدولية شهدت على تفاصيل التوقيع".
وبخصوص الجلسات الحوارية، أكد الطاهري أن الجلسة الأولى ستعقد عشية اليوم وسيتم خلالها إعداد رزنامة الجلسات القادمة وتحديد النقاط التي ستطرح على طاولة الحوار.
وعلى رأس هذه النقاط، الاتفاقيات التي أمضاها الاتحاد سواء مع الحكومة أو مع منظمة الأعراف والتي من أجلها خاض إضراب 16 يونيو في القطاع العام وسيخوض إضرابا آخر في الوظيفة العمومية والقطاع العام.
وتابع: "مطالبنا واضحة ولا تنازل عنها، وهي سحب المنشور عدد 20 الذي عرقل المفاوضات، وتطبيق اتفاق 06 فبراير وفتح المفاوضات في تعديل الأجور في القطاع العام والوظيفة العمومية، ووضع رزنامة في معالجة مشاكل المؤسسات العمومية حالة بحالة".
ويضاف لذلك، تعديل الأجر الأدنى على اعتبار أن أكثر من 700 ألف متقاعد جراياتهم أقل من الأجل الأدنى، بالإضافة إلى إنهاء التفاوض في القانون العام للمنشآت والدوانين والقانون العام للوظيفة العمومية، وإلغاء المساهمة التضامنية المقدرة بـ1%، وفقا للطاهري.
وأكد القيادي النقابي أن الاتحاد سيتراجع عن الإضراب في الوظيفة العمومية والقطاع العام في حال أفضت الجلسات الحوارية إلى تنفيذ هذه الاتفاقيات، قائلا: "لم يفقد الأمل في تفعيل هذه الاتفاقيات، ولكننا لا نثق في هذه الحكومة التي سبق وتنصلت من وعودها التي قطعتها في وقت سابق".
إرضاء صندوق النقد
يرى المحلل السياسي غازي معلا في تعليق لـ"سبوتنيك"، أنه لا يمكن انتظار مخرجات جديّة أو قرارات عميقة من الحوار الاجتماعي.
وقال: "من المعلوم أن الكلمة الأخيرة تبقى لرئيس الجمهورية، وطالما لم يعقد الرئيس لقاء مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، فلا يمكن انتظار الكثير ولا يمكن الحديث عن عودة التفاهم".
واعتبر معلا أن الاتفاق الذي أمضته الحكومة مع المنظمة العمالية ومنظمة الأعراف لا يرتقي إلى مرتبة العقد الاجتماعي وأنه ليس سوى بيانا إعلاميا الغاية منه هو "التسويق لعودة الود مع الأطراف الاجتماعية من أجل إسكات صندوق النقد الدولي الذي سبق واشترط وجود توافق اجتماعي حول الإصلاحات المنتظرة من أجل الموافقة على قرض مالي جديد".
وقال معلا إن الوثيقة الممضاة بين الأطراف الثلاثة لم تتضمن أي نقاط واضحة أو برنامج مفاوضات دقيق، مشيرا إلى أن العقد الاجتماعي الذي تحدثت عنه الحكومة لا يمكن أن يفضي إلى حوار حقيقي طالما أن المنشور عدد 20 المقوض لحق التفاوض لم يلغَ بعد.
وأضاف: "الحوار لن يكون مع الأطراف الاجتماعية، وإنما سيكون حوارا بين نوايا الحكومة التي تسعى إلى هدنة اجتماعية ترضي بها صندوق النقد الدولي، وبين نوايا الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ينتظر بدء الحوار الفعلي الذي يتم فيه طرح الملفات الكبرى واحدا بواحد سواء تلك المتعلقة بالوظيفة العمومية أو بالقطاع العام أو بالقطاع الخاص".
وتساءل معلا: "حتى وإن أفضى هذا العقد إلى تهدئة اجتماعية، فإلى متى ستدوم هذه التهدئة في ظل وجود نقاط خلافية كبرى بين الطرف الحكومي والنقابي وأولها مسألة التجميد في الأجور".
ويرى المحلل السياسي أنه لا نيّة للحكومة في التنازل والقبول بتنفيذ مطالب الاتحاد العام التونسي للشغل، قائلا: "لو كانت للحكومة نية التنازل لكانت أعلنت عن ذلك قبل الشروع في إضراب 16 يونيو وقبلت بسحب المنشور عدد 20 الذي سبق ووعدت بالتراجع عنه".
حوار مؤجل
من جانبه، يعتقد الخبير السياسي بالحسن اليحياوي، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه لا يمكن الحديث في هذه المرحلة عن عقد اجتماعي، مشيرا إلى أن الاتفاق الثلاثي هو بمثابة اتفاق لحسن النوايا.
وأضاف: "الاتفاقيات الممضاة مع الاتحاد والمنشور عدد 20 ربما تكون موضوع حوار بين حكومة نجلاء بودن وبين المنظمة، ولكن أعتقد أن الحوار الاجتماعي الحقيقي سيكون مؤجلا إلى ما بعد تشكيل البرلمان إثر الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في 17 ديسمبر".
ويرى اليحياوي أنه لا يمكن أن يدور حوار حول هاتين النقطتين بالذات وخاصة حول المنشور 20 في ظل الوضع الاستثنائي الذي تسير فيه الدولة التونسية بمراسيم رئاسة الجمهورية.
وتابع: "لا أتصور أن قيس سعيد أساسا (وحكومة نجلاء بودن من ورائه) يمكن أن يتنازل عن المرسوم 20، لأنه يدرك أن التنازل عن هذا المرسوم سوف يفتح بابا واسعا أمام المطلبية الاجتماعية التى يمكن أن تسبب ضررا كبيرا للتوازنات المالية".
ولفت اليحياوي إلى أن الكثير من المسائل بقيت معلقة بسبب الاتفاقيات التي وقعها الاتحاد مع الحكومات السابقة وحان آجال تنفيذها، مشيرا إلى أنه ليس بإمكان الدولة التونسية اليوم سواء حكومة نجلاء بودن أو غيرها تنفيذ هذه الاتفاقيات، وهو ما قد يسبب انسدادا اجتماعيا.
واستطرد: "ولكن قد نلمس تغيرا في مواقف الاتحاد التي قد تتجه إلى مزيد من الليونة، خاصة وأنه يدرك جيدا أن الدولة التونسية مورطة مع صندوق النقد الدولي بحكم اتفاقيات حدثت منذ 2013 و2016 لم تنفذ إلا 20% منها، وبحكم الحالة الدولية التي أنتجت ارتفاعا في أسعار الطاقة وأزمة غذاء ممكنة".
ويرى اليحياوي أن الاتحاد لا يريد أن يكون غائبا أو مغيبا وأنه سيسعى إلى أن يضمن لنفسه وجودا في الساحة، خاصة وأن الظروف قد تغيرت بما في ذلك قوة حكومة نجلاء بودن التي اكتسبت مشروعية أوسع وباتت تستند إلى نتائج الاستفتاء التي أظهرت أن غالبية الكتلة الانتخابية النشطة في تونس تدعم مسار 25 يوليو".