يرى مراقبون أن إيران لم تبتعد عن المشهد العراقي أو سلمته إلى فاعل آخر، لكنها تمسك جيدا بزمام الأمور وترصد تحركات الفصائل السياسية، فالجميع يدين بالولاء لها وهي تملك الأدوات التي تمنع اندلاع مواجهات مسلحة بين الإطار والتيار الصدري وإن كان الطرفان على حافة الهاوية.
لماذا لم تتدخل طهران لحل الأزمة السياسية في العراق حتى الآن؟
بداية يقول عضو الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل، إن: "إيران تتخذ من الساحة العراقية بجميع مستوياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منهجا في إدارة الأزمة مع المنطقة الغربية والدولية والإقليمية ومع تركيا، وتستخدمها كأوراق يمكن لها أن تناور وتحصل من خلالها على امتيازات من الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أنه: "لولا دور واشنطن و الاتفاق الأمريكي الإيراني على تشكيل العملية السياسية وفسح المجال لطهران لمساعدة أمريكا في احتلال العراق، لما استطاعت أن تحقق تلك المكاسب، بل وصل الأمر إلى احتلال فعلي للقرار السيادي العراقي، لأن أحزاب السلطة والحكومات المتعاقبة كانت تعمل بشكل ممنهج للمصالح الإيرانية على حساب الشعب ومعاناته المستمرة منذ تسعة عشر عاما".
وأشار النايل إلى أن: "تشكيل الحكومة العراقية يخضع للتوافق الأمريكي الإيراني وجميع الأحزاب بما فيها الإطار التنسيقي والتيار الصدري هم بيادق بيد الطرفين، الذي لولاهم لما أصبحوا هم أصحاب القرار، لأن الشعب العراقي يرفضهم جميعا، ولذلك مناكفة إيران لأمريكا عبر إغلاق العملية السياسية الحالية، هي أحد أوراقها التي تستخدمها في تفاوضها النووي مع الغرب وتسعى لتحقيق امتياز على أرض الواقع، ولاسيما أن مصالح إيران مستمرة بالعراق ولايوجد أي تأثيرعليها حتى وإن لم تشكل حكومة، بينما أمريكا تحاول حفظ ماء وجها في بقاء ما يسمى العملية الديمقراطية التوافقية".
واستطرد: "صراع التيار الصدري والإطار التنسيقي مع أنهم حلفاء إيران ويحافظون على مصالحها بإخلاص، هو جزء من سيناريوهات تريدها إيران، ولم تتدخل لعدة أسباب أهمها، أن مصلحتها في عدم وجود حكومة أثناء التفاوض النووي، ولاسيما أن هناك ملفات إقليمية مع دول عربية تتفاوض معهم من بغداد، وبالتالي لا تريد الذهاب إلى حكومة يمكن أن تحظى بدعم أمريكي وغربي يجعلها غير مسيطرة بالكامل عليها، وهي تستخدم هذا التأجيج، وهنا لابد الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أيضا لم تتدخل بالصراع السياسي الحاصل".
السيناريو اللبناني
ورأى النايل أن من السيناريوهات الأخرى التي تريدها إيران من هذا الصراع، هو وجود طرف شيعي فاعل يسيطر على جميع الفعاليات، لأنها منزعجة من كثرة الأسماء والجهات الصغيرة التي أرهقت إيران بطلباتها ودعمها المستمر دون منفعة كبيرة لها.
وأضاف: "لذلك هي تريد داخليا أن يضعف أحد الجهات التي تسيطر عليهم جميعا، وبالتالي تتعامل مع جهة واحدة كما تتعامل مع حزب الله اللبناني كجهة واحدة تخضع له جميع الجهات، وهذا لم يكن ليحدث لولا الصدام بين حزب الله وحركة أمل وغيرها، ولذلك إيران تريد تكرار السيناريو ذاته في العراق، وبالمقابل ستحمل الجهات المنهارة جرائمها الطائفية".
ويرى عضو الميثاق الوطني أن هناك سيناريو آخر يتمثل في إشغال الشارع العراقي بهذا التصعيد الحاصل والمسيطر عليه في نهاية المطاف من إيران، وبالتالي تأخير أي عمل وطني أو ثورة شعبية تكون الطرف الفاعل الذي يحقق قلب الموازين في بناء نظام وطني يساهم في إنقاذ العراق، علاوة على ما سبق.
وأضاف: "تعلم إيران أن مدة العملية السياسية الحالية عشرون عاما تنتهي صلاحيتها العام القادم، وأن هناك مشروعا جديدا في العراق والمنطقة، لذلك تحاول أن يكون لديها دور في المرحلة الجديدة، من خلال إرباك الساحة وخلط الأوراق وتصعيد المواقف حتى تفرض شروطها على طاولة الدول التي تتحكم في الشأن العراق برعاية أمريكا".
وأوضح النايل: "حتى الكتل السياسية التي يمكن أن تحسب على أمريكا أو دول أخرى فإنها أيضا ومن خلال هذا التصعيد تحاول كسب ود إيران حتى لا تغيب عن المشهد السياسي، لأن طرفي النزاع لديهم سلاح وتستر من القضاء عليهم".
وأضاف: "هنا أذكر بما قاله حيدر العبادي، عندما سئل عن تغيير رئيس المحكمة فأجاب: إنه مدعوم من "أبو مهدي المهندس والمالكي" وهم من يسيطرون عليه، وهذا واضح عندما سرب التيار الصدري مقطع فيديو لـ فالح الفياض عندما كان مستشارا للجعفري، والذي يعترف فيه أن السنة يجب أن يقتلون وهي عقيدة دينية يجب تنفيذها والآن هو مسؤول مليشيات الحشد الشعبي.
توقيت التدخل
من جانبها تقول، عضو المكتب السياسي لحركة وعي الوطنية العراقية، الدكتورة نور العبيدي: "في الوقت الحالي إيران منشغلة في مفاوضات ملفها النووي مع الجانب الأمريكي (مباحثات فيينا) وما يجري في العراق لا يهدد النظام ولم يتجاوز الخطوط الحمراء".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، إيران تتدخل عندما تستشعر الخطورة على العملية السياسية أو إمكانية انهيار النظام الحالي، عندها تستخدم أدواتها لمنع أي انهيار يهدد مصالحها في العراق.
حدد التيار الصدري في العراق، السبت المقبل، موعدا لتظاهراته "المليونية"، التي دعا إليها مؤخرا، مشددا على ضرورة "التجمع بساحة التحرير ثم المسير لساحة الاحتفالات".
وقال صالح محمد العراقي وزير الصدر، عبر حسابه على تويتر، إن "المظاهرة السبت المقبل والتجمع بساحة التحرير ثم المسير لساحة الاحتفالات"، مشيرا إلى أن "الصدر أكد أن تكون المظاهرة سلمية ولا مثيل لها من حيث العدد".
ويعاني العراق منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021 من أزمة سياسية حادة، حيث لم تفض المشاورات بين الأطراف السياسية لتسمية رئيس للوزراء إلى نتيجة.
ودعا الصدر، في وقت سابق، إلى حل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات مبكرة، معبرًا عن رفضه الدخول في الحوار الذي دعا له رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لحل الخلاف السياسي حول تشكيل الحكومة الجديدة.
فيما رفض زعيم ائتلاف "دولة القانون" في العراق نوري المالكي، دعوة زعيم التيار الصدري لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، مشترطا عودة البرلمان إلى الانعقاد ومناقشة تلك المطالب.
من جانبه، أعلن "الإطار التنسيقي" في العراق، دعمه لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني وتوفير الأجواء الآمنة.
ونظم المتظاهرون المؤيدون للتيار الصدري احتجاجات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، اعتراضا على ترشيح تحالف "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الحكومة.