حيث تعمل الورش الفنية والأيدي العاملة على مدار اليوم لترميم جدرانها وقببها وصلبانها، التي طالتها قذائف ورصاص الإرهاب خلال سنوات الحرب، العوامل الجوية المختلفة خلال السنوات الطويلة الماضية، وذلك وفق مخططات هندسية تحمل بصمات الفن المعماري السرياني السوري القديم المعروف عالمياً.
وأوضح القس كبرئيل عمانوئيل خاجو كاهن كاتدرائية القديس مار جرجس للسريان الأرثوذكس في مدينة الحسكة أن "وجود الرعية السريانية في محافظة الحسكة السورية يعود إلى ما يقارب الــ 100 عام، وذلك مع بدايات موجات الهجرة والنزوح مما تسمى الآن تركيا، أبان المذابح المعروفة باسم (مذابح سيفو/ عام 1915م) التي ارتكبها العثمانيين الأتراك، وهي في الحقيقة امتداد لسوريا الطبيعة، وهي المناطق التي يطلق عليها السريان اسم (طور عابدين) التي سكنها إباؤنا وأجدادنا وهي الشريط الحدودي الحالي الممتد بين حلب وأنطاكية وصولاً إلى مدينة نصيبين".
وتابع القس خاجو في تصريح لمراسل وكالة "سبوتنيك" شرقي سوريا بأنه "منذ أن ازداد عدد أفراد الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مدينة الحسكة منذ ما يقارب القرن من الآن، حتى أقاموا لهم كنيسـة صغـيرة عام 1925 باسم القديس مار جرجـس، تيمناً بكنيسة هذا القديس في قلعة مرا (تركيا) والتي بنوها من البن (الطين)، والتي قدسها المطران اقليميس حنا عباجي عام 1927، وهي نفس الفترة التي بدأت فيها تأسيس مدينة الحسكة الحالية".
أضاف القس خاجو بأنه مع التزايد الكبير للرعية السريانية والكهنة في مدينة الحسكة استوجب بناء كاتدرائية تليق بهم بتاريخهم العريق ومن المعروف أن السريان لهم ثقلهم وتاريخهم المشرف في الجزيرة السورية وهم أعطوا الكثير للكنيسة للسريانية.
وبين الأب كبرئيل خاجو أنه بعد كل هذه السنوات الطويلة حيث خرجت هذه الكاتدرائية الكثير وخدمت الكثير وأعطت الكثير من المؤمنين ولها وجودها التاريخي وأهميتها التاريخية وموقعها الاجتماعي، أولاً كبناء وثانية كوجود في المجتمع الحسكي.
وتأتي أيضاً أهمية الكاتدرائية من جانب الديني، بحسب القس خاجو، ففيها مقر كرسي مطران الجزيرة والفرات والتي تشمل حدود رعيته من محافظات دير الزور والحسكة ومناطق الفرات، فالكاتدرائية تضم في جنباتها ديوان ومقر الكرسي المطران ومقر ومكاتب المطرانية.
"كل هذه السنوات التي مرت على بناء الكاتدرائية وكل الإحداث التاريخية فهي بحاجة للترميم خصوصاً مع سنوات الحرب الإثني عشر التي مرت على سوريا عموماً، وعلى مدينة الحسكة خصوصا، فالتنظيمات الإرهابية المسلحة وصلت إلى بعد مئات الأمتار من مبنى الكاتدرائية ومن أحياء مدينة الحسكة.."، والكلام للقس خاجو.
وأضاف: "عانت الكنيسة من وقوعها في قلب مدينة الحسكة وما يعنيه ذلك من أنها كانت هدفا للإرهاب، وفي بعض الأحيان كانت خط تماس الاشتباكات، لذلك تعرضت للقذائف ولوابل من الرصاص، واليوم رأينا أنه حان الوقت الذي نقوم به بترميم هذه الكنيسة التاريخية وإعادة تجميلها العمراني وفقا للبناء والطراز السرياني العمراني المعروف".
ويؤكد كاهن الكاتدرائية خلال حديثه لـ "سبوتنيك" أنه "من مراحل المهمة في حياة وتاريخ هذه الكاتدرائية والتي أستطيع التعبير عنها بأنها الكنيسة الوحيدة خلال فترة اجتياح جحافل تنظيم "داعش" الإرهابي ومحاولتهم السيطرة على أحياء مدينة الحسكة في عام 2015م، هي الوحيدة التي لم تغلق أبوابها واستمرينا بإقامة القداديس والصلوات وقرع الأجراس، برغم من اقتراب هذه الجحافل من بنائها".
ويختم الأب والقس كبرئيل عمانوئيل خاجو حديثه بأن "رسالتنا الحالية من خلال ترميم بناء كاتدرائية هي أكبر من قضية بناء وترميم وتجميل هي رسالة وجود وبقاء ورسالة هذه البيت الكبير الذي ما يزال إخوتنا المسلمون ومن كل الطوائف والأعراق والأديان والقبائل يقولون إن هذه الكنسية هي البيت الكبير الذي لن يغلق أبوابه وهي لنا جميعاً".
والقس كبرئيل عمانوئيل خاجو تولد مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة عام 1982م، نال الشهادة الثانوية عام 2000 وانتسب إلى الكلية اللاهوتية في معرة صيدنايا وتخرج منها أواخر عام 2003 وعام 2004م عُين سكرتيراً للمثلث الرحمات مار سويريوس صليبا توما النائب البطريركي في زحلة والبقاع وعُين مدرساً للغة السريانية في الكلية اللاهوتية حتى عام 2007م.
وفي 16 آذار (مارس) 2007 رُسم كاهناً بيد نيافة المطران متى روهم، وفي عام 2017 عُيِّن مديراً لمكتب هيئة مار أفرام السرياني البطريركية للتنمية في الجزيرة والفرات بقرار من قداسة البطريرك أفرام الثاني، وفي عام 2019 قُلد بالصليب المقدس بيد نيافة المطران موريس عمسيح مطران الجزيرة والفرات الحالي.