وجدد البطريرك الماروني بشارة الراعي تأكيده على أهمية حياد لبنان الذي قال إنه يتعلق عليه مصير الوجود اللبناني، مؤكدًا أنه "لو التزم المرشحون الجديون لرئاسة الجمهورية بالسعي لإعلان حياد لبنان، لكسبوا ثقة غالبية الرأي العام اللبناني والعربي والدولي"، وفقا للشرق الأوسط.
وقال إنه من غير الممكن أن يعيش لبنان هويته وطبيعته ورسالته إذا لم يستعد حياده، واعتماد الحياد لا ينقذ فقط لبنان من التورط في صراعات الآخرين وحروبهم، بل يخفض أيضا عدد القضايا الخلافية بين اللبنانيين، لأنه على الحياد يتعلق مصير الوجود اللبناني.
ويرفض سياسيون في لبنان تلك الدعوات، وقال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، وليد جنبلاط، في تصريحات متلفزة، الأسبوع الماضي، إنه "لا يوافق على كلمة حياد، أن نكون على حياد، والعدو الإسرائيلي على الأبواب، فهذا هرطقة سياسية".
وأكد مراقبون استحالة تحقيق الحياد في لبنان بالوقت الراهن، وفي ظل الخلافات والانقسامات القوية بين الفرقاء السياسيين، وأنه لا يمكن تنفيذ هذا المبدأ بدون إجماع لبناني ودعم ومساندة دولية.
دعم مطلوب
اعتبر الدكتور خالد زهرمان، المحلل السياسي والبرلماني اللبناني السابق، أن مطالب الحياد في لبنان متجددة، حيث يطالب أكثرية الشعب بتحييد البلاد عن الصراعات في المنطقة، وعدم الزج بلبنان في سياسة المحاور والأقطاب، وإبعاده عن صراعات المنطقة وما يحدث بها.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، لا يشمل مصطلح الحياد المطلوب تطبيقه في لبنان المواضيع القومية العربية الأساسية، كالقضية الفلسطينية فهناك إجماع أو شبه إجماع بأن لبنان لا يريد أن يكون حياديا في هذا الأمر، إنما يقصد به الابتعاد عن الأزمات الدولية، حيث دفع لبنان باعتباره دولة صغيرة وذات تركيبة متنوعة أثمان باهظة نتيجة الانحياز للأقطاب.
وعن إمكانية تطبيق الحياد، استبعد الدكتور زهرمان ذلك في الوقت الراهن، إلا إذا كان هناك مساندة دولية وإقليمية قوية، حيث احتدم الصراع والانقسام بطريقة أصبح معها من الصعب تكريس مبدأ الإجماع في لبنان، والمطلوب مساندة دولية لوضع لبنان على سكة الحياد وإبعاده عن سياسة المحاور.
وأوضح أن لبنان لديه طاقات كبيرة يمكن استغلالها للخروج من الوضع الراهن في حال أصبح على الحياد، منوهًا إلى أن المطالب لا تشمل كذلك الانسلاخ عن المحيط العربي، فلبنان يجب أن يكون ملتزم بمبادئ جامعة الدول العربية ومخرجاتها باعتبارها الحاضنة الطبيعية للدول العربية، وأي محاولة تشبث بمحاور بعيدة لا تسبب إلا الويلات والأزمات للبنان.
تناقضات وصراعات
بدوره اعتبر سركيس أبوزيد، المحلل السياسي اللبناني، أن الحياد في لبنان فكرة مطروحة منذ زمن طويل، وكان يعبر عنها بـ"لا شرق ولا غرب"، وأحيانًا بمطلب البوليس الدولي، أو تحييد لبنان، أو تدويل لبنان، وغيرها من المسميات التي تنضوي تحت الفكرة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن هناك مسافة واسعة بين الفكرة والتمني والواقع، الحصول على الحياد لا يكفي أن يطالب به فريق أو سلطة أو مجموعة سياسية في دولة بعينها، المهم أن تعترف به القوى المجاورة، لا سيما إن كان هناك صراع دام وحاد وعسكري كما هو الحال بين لبنان وإسرائيل.
وأكد أبوزيد أن المطلوب لتطبيق الحياد في لبنان أن توافق عليه إسرائيل وسوريا والدول العربية، لبنان داخل ساحات المعركة بسبب وجود عدد كبير من الفلسطينيين والنازحين السوريين، ناهيك عن التناقضات بين اللبنانيين حول العلاقات الخارجية وموضوع الحياد بالتحديد.
وأوضح أن الدول المجاورة لها نفوذ وتدخلات ودور وفاعلية على الساحة اللبنانية، كما حدث من تعدي إسرائيل على سوريا مرورًا بالأراضي اللبنانية، بدون احترام سيادتها أو حيادها، مضيفًا: "حتى القرارات الدولية غير مجمعة على حياد لبنان، لأن هناك تناقضات وخلافات حول هذا الموضوع".
وتابع: "مطلب الحياد في لبنان يبقى تمنيًا ورغبة لفئة معينة، لكن لا يمكن أن يصبح حقيقة حتى يكون هناك إجماع لبناني حول هذا الأمر، ويكون هناك نظام في لبنان يتبنى تحقيقه، وهذا منوط أيضا بحل الصراعات الوجودية والسياسية والعسكرية الموجودة في المنطقة".
ويرى أن لبنان جزء من هذه المساحة التي تتصارع فيها قوى متناقضة ومتحاربة، لن تقبل بحياد لبنان طالما هناك تداخل في هذه الساحات والأزمات والقوى، ولكن ستبقى هذه الرغبة والمطالب مستمرة دون أن تلق ترجمة فعلية وعملية بسبب الظروف والأوضاع الراهنة.
استنكرت وزارة الخارجية اللبنانية، أمس الاثنين، استخدام إسرائيل لأجواء البلاد لقصف سوريا، معلنة أنها تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن ضد "الانتهاكات الإسرائيلية".