فما سر غياب الدور الأمريكي عن الأزمة المشتعلة في العراق منذ الانتخابات المبكرة التي جرت في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وهل هناك حسابات سياسية تعمل واشنطن لتطبيقها نظرا للتواجد الإيراني في هذا الملف؟
بداية، يقول خبير العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية، د. ماك شرقاوي، إن "الدور الأمريكي في العراق لم ينته ولن ينتهي، ووجود 7 آلاف جندي أمريكي من مجمل 12 ألف جندي الموجودين تحت راية التحالف الدولي، حتى وإن كانت واشنطن قد أعلنت أن ليس لديها مهام قتالية في العراق وأن دورها يقتصر على التدريب ونقل الخبرات إلى السلطات الأمنية في بغداد".
فزاعة الإرهاب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "التواجد الأمريكي في المنطقة يمكن أن يزداد في أي لحظة حسب تطورات الأوضاع، وليس هناك شك في أن اتفاق التعاون بين واشنطن وبغداد يحتوي على الكثير من البنود الأمنية والثقافية وغيرها، خلافا للشق الأمني، ما يعني بقاء الولايات المتحدة لقيادة التحالف المشكل ضد تنظيم داعش (المحظور في روسيا)، الذي يمثل الفزاعة التي يلجأ إليها الأمريكان والغرب عندما يريدون زيادة العمليات العسكرية والضغط على الأنظمة في المنطقة".
وتابع شرقاوي،: "كما أننا نلاحظ عمليات الشد والجذب بين واشنطن وطهران، هذا الأمر يعرقل إيران بعض الشىء في العراق ويمكن أن يضغط عليهم للدخول في مفاوضات جدية من أجل حلحلة الملف النووي".
عدم الاستقرار
وأكد خبير العلاقات الدولية أنه "من مصلحة أمريكا حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق، ولا ننسى عندما تم اقتياد النواب العراقيين تحت تهديد السلاح للتصويت على إنهاء التواجد الأمريكي في العراق، وأعتقد أن الحوار الوطني فشل في العراق، وبالتأكيد أن أمريكا لا تريد استقرار في العراق، خاصة أن هناك أيادي كثيرة بدأت تمتد إلى بغداد مثل مشروع "الشام الكبير والذي يضم مصر والأردن والعراق، وما يجري الآن من محاولات رأب الصدع العراقي العربي، واحتمال أن تكون هناك تحالفات عربية قوية تضم العراق مستقبلا مع دول الخليج ومصر والأردن، لذا نكرر التأكيد هنا على رغبة واشنطن في استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، ولا ننسى أن من سلّم العراق إلى إيران على طبق من فضة هو الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، عن طريق الانسحاب غير المنظم في العام 2012".
مشروع بريمر
من جانبه، يقول عضو الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل، إن "أمريكا هي التي أنشأت العملية السياسية الحالية بقانون التوافق والمحاصصة الطائفية حسب النسب التي فرضها، بول بريمر، رئيس سلطة الاحتلال الأمريكي، والتي لم تستند إلى إحصاء أو تعداد سكاني على أسس مذهبية إنما حسب الحوار والاتفاق مع النظام الإيراني، ولازلت تمسك بزمام العملية السياسية بكل تفاصيلها الدقيقة، وبرضاها وبتخويل منها تسمح لإيران بالتحكم فيها".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "بات معلوما للجميع أن مدة صلاحية العملية السياسية عندما تسلم بريمر سلطة الاحتلال خلفا لكارنر، الذي كان يحمل مشروع إعادة الجيش والدولة وبقاء النظام على أسس وطنية بتعددية وانتخابات وملامح ديموقراطية على عكس مشروع بريمر المدعوم من المحافظين الجدد، والذي حدد مدة عشرين عاما لخطته وقد أوشكت على الانتهاء".
الحسابات الأمريكية
وأكد النايل على أن "أمريكا تتعمد عدم التدخل في الأزمة العراقية في ظل الظروف السياسية المعقدة، لعدة حسابات، منها أنها تريد إحراج إيران بأنها فشلت في السيطرة على مجريات الحكم في العراق، وأن أمريكا قادرة على قلب منجزاتها داخل العراق إذا لم ترضخ للاتفاق النووي والمحافظة على مصالح اسرائيل في المنطقة، كما أن هناك تفكير يجري في إعادة تقييم العملية السياسية الحالية من صناع القرار الأمريكي، لأن الإدارة الحالية كما هو معلوم ضعيفة و منشغلة بأزمات العالم والصراع مع روسيا والصين على القطبية الثنائية لإدارة العالم، مما عكس تراجعها في عموم الشرق الأوسط، ومنها الملف العراقي".
وتابع النايل أن "أبرز السيناريوهات الأمريكية في العراق، أنها لا تريد أي استقرار حاليا في المنطقة ووضع العراق رسالة لدول المنطقة، بأن الفوضى يمكن أن تعم المنطقة إذا جرى الانقلاب على أمريكا ومصالحها، ولاسيما أن بعض الدول انفتحت على روسيا والصين ووقعت بعض الاتفاقيات الاقتصادية لذلك ليست من مصلحة امريكا حاليا استقرار الأوضاع الداخلية فضلا أن المشهد السياسي وصل إلى طريق مسدود فعلي منا ينذر باستخدام القوة لفرض حالة جديدة في العراق من قبل الأطراف السياسية المتنازعة".
ويعاني العراق منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 من أزمة سياسية حادة، حيث لم تفض المشاورات بين الأطراف السياسية لتسمية رئيس للوزراء إلى نتيجة.
ويسعى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
من جانبه، أعلن "الإطار التنسيقي"، دعمه لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني وتوفير الأجواء الآمنة.
ونظم المتظاهرون المؤيدون للتيار الصدري احتجاجات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، اعتراضا على ترشيح تحالف "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الحكومة.