هل يحتاج السودان بالفعل إلى تغيير عملته، وإن كانت هناك ضرورة فلماذا تأخر هذا القرار وترك البلاد تعاني من تراكم الأزمات، أم أن الحقيقة خلاف كل ما سبق؟
بداية، يقول الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور محمد الناير، قضية تبديل العملة هى قضية مهمة جدا ويحتاجها الاقتصاد السوداني، لكن المشكلة التي يمكن مواجهتها الآن، أن السودان قد قام بعملية حذف الأصفار"تغيير العملة" مرتين، أولاهما عندما قام بتبديل الجنيه السوداني بالدينار، ثم من الدينار إلى الجنيه الجديد، وعملية الحذف بلغت 3 أصفار تقريبا، هذا الأمر أدى إلى خلل كبير لدى المتعاملين بالعملة، خاصة لدى الفئات البسيطة.
قضية العملة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، السودان يحتاج بالفعل إلى تبديل العملة وكان من المفترض أن يتم ذلك مع بداية الثورة مباشرة، لكن حدث تأخير لأن قضية العملة مكلفة، ويبدو أن طباعة الورقة الجديدة فئة الـ1000 جنيه تعطي إشارة واضحة جدا أن الدولة ليس لديها نية لتبديل العملة، فلو كانت هناك نية لتغيير العملة لتم إرجاء الطبعة الثانية المختلفة في العلامة التأمينية لتلك الفئة.
وأشار الناير إلى أن طباعة نسختين مختلفتين من الورقة فئة الـ1000 يشير على ما يبدو إلى أن هناك خللا ما، حيث أن اختلاف الطبعات في العملة الواحدة، دائما ما يكون بعد فترة زمنية كبيرة وليس بعد فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين كما حدث في السودان، لكن هناك معضلة في عملية حذف الأصفار بعدما أصبح الـ1000 جنيه في السابق يساوي واحد جنيه، وهو الأمر الذي لا يجيده الشعب السوداني عند الحديث عن العملة وإن كان يتم ذلك مستنديا أو ورقيا، أي لا يقول عن الألف تساوي واحد جنيه، بل لا يزال يتحدث بأنها 1000جنيه.
حذف الأصفار
واستطرد: "كان من الأفضل للدولة أن تحذف الأصفار وهي عملية نفسية فقط بمعنى أن "الـ1000 جنيه تكون 1 جنيه" ونفس القوة الشرائية السابقة تكون هي القوة الشرائية للجنيه الجديد، لأن عملية حذف الأصفار تحافظ على وجود الفئات الدنيا مثل الجنيه والنصف جنيه في التداول، لكن عدم حذف الأصفار ينهي وجود العملات الدنيا من التداول في السوق، حيث أن عدم حذف الأصفار في تلك المرحلة جعل العملات الدنيا حتى العشر جنيهات تختفي، ويدور الحديث الآن حول العملة فئة الـ20 جنيها، حيث لا تلقى تلك الفئات قبولا في التعاملات ولا تقبلها البنوك في بعض الأحيان، لذا كان خيار حذف الأصفار هو الأنجع والأسلم لو أن الدولة استطاعت أن تغير العقلية الخاصة بالشعب السوداني، وتجربة حذف الأصفار طبقتها عدة دول مرت بمثل تلك الظروف.
غياب الحلول
من جانبه، يقول الخبير المالي السوداني، الدكتور عبد الله الرمادي، كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول طباعة العملة وبشكل خاص ما يتعلق بالورقة فئة الـ1000 جنيه، وكانت هناك أحاديث كثيرة حول الموضوع أشك في صدورها عن اقتصاديين، واستغرب من كثرة حديث البعض عن ضرورة تغيير العملة والإصرار على أن هذا هو مفتاح حل المشكلة الاقتصادية، هل تلك الدعوات تصدر عن اقتصاديين لأنهم عجزوا عن إيجاد الحلول للمشكلة الاقتصادية في البلاد.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، من الذي قال إن مشكلة الاقتصاد السوداني تكمن في تغيير العملة، هذا الكلام لا يستند إلى مهنية أو منطق علمي، مشيرا إلى أن طباعة ورقة العملة فئة الألف جنيه جاءت نتيجة لزيادة معدلات التضخم التي وصلت إلى معدلات قياسية أدخلت الاقتصاد إلى مرحلة الركود ثم الكساد التضخمي، عجز فيه المواطن عن شراء احتياجاته لتآكل القوة الشرائية لراتبه، وبالتالي قل الطلب على البضائع.
مبررات خاطئة
وأشار الرمادي إلى أن أي تضخم عندما يتعدى أو يصل إلى الـ50 في المئة، فإن هذا التضخم يعد جامحا، وإذ وصل إلى 100بالمئة فهو جموح الجموح، ونحن الدولة الثانية في العالم الذي وصل معدل التضخم إلى 150 بالمئة، وهذا وضع سيء للغاية يستوجب أن تكون هناك فئات كبيرة من العملة، لأنني في تلك الحالة احتاج عُشر عدد الأوراق النقدية فيما لوقمت بطباعة الورقة فئة المئة وبالتالي تقل تكلفة الطباعة على الدولة إلى العشٌر، وهذا سبب ومبرر لطباعة الفئة الأعلى من النقد وتسهيل على المواطن.
وأوضح الخبير المالي أن بعض المطالبين بتغيير العملة يسوقون مبرراتهم بأن الدولة تريد إدخال الكتلة النقدية الهاربة إلى المصارف، وهذا نرد عليه بأنه ليس هناك مانع من أن يستبدل صاحب الوديعة في البنك عملته القديمة بالجديدة ويسحبها في اليوم التالي، إذا حسب القانون ما يتم سحبه اليوم يعود غدا إلى السوق، أما إذا كان الأمر يتعلق بالتزوير، هؤلاء المزورون أصبح لديهم من الخبرات التي تمكنهم من تزوير أي عملة في أقل من أسبوع.
ويشهد السودان احتجاجات متواصلة في عدة مدن وولايات، تلبية لدعوات من قوى سياسية تعارض الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر 2021.
وتضمنت الإجراءات، إعادة تشكيل المجلس السيادي، واعتقال عدد من المسؤولين، والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية‘ قبل أن يعيده إلى منصبه بموجب اتفاق بينهما، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
ومع ذلك، أعلن حمدوك في 2 يناير/ كانون الثاني الماضي، استقالته رسميا من منصبه؛ على وقع الاحتجاجات الرافضة للاتفاق السياسي بينه وبين البرهان.